8 أبريل، 2024 7:48 م
Search
Close this search box.

لماذا يصرّ القادة الأكراد على الإستفتاء؟؟!!

Facebook
Twitter
LinkedIn

تمهيد
​منذ ثلاثة أشهر إنشغل “العراق” ودول الجوار والمنطقة وبعض العالم بطرح “حكومة إقليم كردستان” وبتأييد معظم الأحزاب الكردية المتنفذة موضوعة إجراء إستفتاء عام في المحافظات الثلاث المنضمة قانونياً وإدارياً تحت لواء منطقة الحكم الذاتي منذ عام (1974)، وشبه المنفصلة عن “الدولة العراقية” مع مطلع سنة (1992)، وترسيخ ذلك لدى إحتلال العراق عام (2003)، وتثبيت ذلك وسط الدستور الإتحادي الصادر في (2005)، شريطة أن يشتمل الإستفتاء بقاعاً شاسعة أُصطًلِحَت دستورياً بـ”المناطق المتنازع عليها”.
​وفي ظلّ تصاعد المواقف بين “بغداد وأربيل”، وتلويح السيد “مسعود بارزاني” وقادة آخرون في غضون (سبع) سنوات منصرمات بإجراء الإستفتاء على الإنسلاخ الكلّي من “العراق” وتأسيس دولة مستقلة طالما حلم بها الأكراد بعد أن حُرِموا منها طوال تأريخهم، فقد حدّد “مسعود” -بالإتفاق مع كبار قادة الأحزاب الكردية- يوم (25/أيلول/2017) موعداً للإستفتاء المزمع، فتصاعدت الحناجر العراقية المُعترضة من العرب والتركمان وأصحاب العبارات النارية والمهدِّدة إلى جانب تصريحات ساخنة أو ناصحة وأخريات خجولة ومواقف دول متباينة وغير مؤيدة في أغلبيتها ولا معترضة على الإستفتاء بوضوح، يقابلها عزم وإصرار كردي غير مسبوق على تحقيقه، حتى بات أسبوعان فقط يفصلنا عن اليوم الموعود.
​ولربما كانت الإعتراضات أدنى لو لم يطمع القادة الأكراد بشمول محافظة “كركوك” -ذات الأغلبية التركمانية لغاية عام (2003)، والعائمة على بحيرات من النفط الخام- بهذا الإستفتاء المثير للنقاش والجدل، والذي لو كان قد إنحسر في محافظات “السليمانية، أربيل، دهوك” لما تفوّه غالبية ساسة العراق من القوميات الأخرى ببنت شفة.
​ إذن ما الداعي للإصرار على هذا الإستفتاء؟ وما الأسباب الكامنة وراء الإسراع بتنفيذه؟؟… هذا ما سنحاول تسليط شيء من الضوء عليه في هذه المقالة المختصرة.
موجبات الإستفتاء الداخلية
هناك أكثر من موجب في هذا الشأن، قد يمكن إختصاره في ما يأتي:-
1. محاولة كبريات الأحزاب الكردية لكسب مشاعر الشارع الكردي الذي تصاعد شحنها منذ قرن من الزمان نحو تأسيس دولة لهم حُرِموا منها طيلة التأريخ.
2. إشغال المجتمع الكردي عن الخلافات الداخلية المتعمّقة بين الأحزاب الرئيسة، ومن بين أسبابها:-
• إنتهاء ولاية “مسعود بارزاني” قبل عامين، وقرب إنتهاء مدة تمديدها البالغة (سنتان).
• الخلاف الرئيس والمتجذر بين أكبر كتلتين سياسيتين كرديين متخاصمتين، وهما “الحزب الديمقراطي الكردستاني” و”الإتحاد الوطني الكردستاني”، بمستوى طرد نواب “الإتحاد” (المنتخبين) من مقاعدهم لدى “برلمان كردستان”، بل ومنعهم من الدخول إلى “أربيل”.
• الخلافات المعمّقة منذ عام (2010) بين “الإتحاد الوطني الكردستاني” بزعامة “جلال طالباني” وحركة التغيير (كوران) بقيادة “نوشيروان مصطفى أمين”.
• الأوضاع الإقتصادية المحرجة التي فرضت أوزارها على الإقليم خلال الأعوام الثلاثة الأخيرات، سواء جراء الفساد المالي والإداري والمحسوبيات السائدة بين القادة الأكراد لصالح عوائلهم ومقرّبيهم، أو بسبب الخلافات المتصاعدة مع “حكومة بغداد”.
إغراءات مضافة
وهناك إغراءات تُضاف إلى تلك الموجبات، من تلك التي
يمكن أن يضعها الساسة نصب أعينهم عند تقدير مواقفهم حيال أمر ما، وقد تكون:-
1. الضعف البائن لدى حكومة “بغداد” وعدم تمكّنها من إتخاذ قرارات سياسية لحلّ مشكلات المحافظات المرتبطة بها، وتحريك أدواتها الضاربة لمنع حكومة “أربيل” أو “البيشمركه” من الإقدام على تصرفات تهبط هيبة الدولة وتحبط سطوتها.
2. تدنّي تعداد فرق الجيش العراقي إلى الثُلثَين بعد هزيمة (ست) منها أمام (د.ا.ع.ش) في أواسط (حزيران/2014)، وإنشغال معظم القوات العراقية المسلّحة في عمليات إسترجاع الأراضي المفقودة، يصاحبها أداء متواضع ومتباطئ إستغرق (ثلاثة) أعوام ونيّف من الأشهر وبتكاليف باهظة في الأرواح والأجساد والأموال والجهود، وهذا ما يُغري إقليم “كردستان” في التوسّع على حساب الوطن الأم، والذي لا يعتبره معظم القادة الأكراد -من حيث الأساس- وطناً.
3. ما زال هناك المزيد من الوقت والتكاليف وصولاً إلى تطهير كامل “العراق” من براثن الإرهاب، ما يعني مواصلة القوات العراقية في العمليات القتالية ضد تنظيم “د.ا.ع.ش” وسواه، ناهيك عن ضرورات إستتباب الأمن الداخلي بالمرابطة في نقاط التفتيش والسيطرة فضلاً عن الإنتشار في البراري والصحارى الغربية والجنوبية ومسك الحدود مع جميع دول الجوار.
4. مضاعفة إمكانات قوات “البيشمركة” تحت ذريعة محاربة الإرهاب، مع تدفق الأسلحة الأمريكية والغربية على تشكيلاتها وبالأخص على “بيشمركة أربيل” -إن جاز التعبير- بواقع (2,7) مليار دولار منذ توسّع “داعش” على حساب الأرض العراقية أواسط عام (2014).
5. تصاعد معنويات الأكراد إثر تحقيق سيطرتهم الأمنية والإقتصادية والإدارية -شبه الكاملة- على مدينة “كركوك” وضواحيها وعلى أجزاء واسعة من مناطق متنازع عليها تتبع محافظات “ديالى، صلاح الدين، نينوى” بحجة الدفاع عنها ضد “داعش” بُعَيدَ هزيمة فرق الجيش العراقي من دون مواجهة في (حزيران/2014).
6. سيطرة “البيشمركه” خلال أيام معدودات -وبكل سهولة- على بقاع شاسعة ونواحٍ عديدة في سهول “نينوى” من المناطق المسمّاة دستورياً بـ”المتنازع عليها” عند البدء بمعركة إستعادة مدينة “الموصل” منذ أواخر عام (2016)، والأعلان الرسمي بأن تلك البقاع قد أمست من حصة “كردستان” يجب التمسّك بها ولا يُعقَل الإنسحاب منها لصالح “العراق”.
7. التشبث بـ”دستور كردستان” من جانب واحد، والقذف بـ”الدستور العراقي الإتحادي” عرض الحائط وخرق بنوده لعشرات المرات وتفسير فقراته حسب الأهواء الكردية من دون رادع، لا سيما وأن رئيس الجمهورية -الموصوف دستورياً بـ”حامي الدستور”- منذ عام (2006) ولغاية يومنا هذا هو قيادي كردي لم يحرّك ساكناً حيال أي خرق للدستور، وتحديداً إذا حدث الخرق من جانب الأكراد.
مغريات مواقف الجوار والعالم
​أما المغريات الخارجية فهي متعددة، ويمكن حسرها بما يأتي:-
1. العلاقات الإقتصادية والعمرانية والخدمات والأمن الحسنة منذ حوالي (10) سنوات بين “أربيل” و”آنقرة” وإفادة الطرفين منها، ما قد يجعل من “تركيا” على غير خصومة مع “إقليم كردستان العراق”.
2. الوشائج الطيبة بين “السليمانية” و”طهران” والمصالح المشتركة بينهما، ما قد يجعل “إيران” لا تحرّك ساكناً خدمة لمصالحها.
3. تجذّر الصلات القديمة مع زعماء “إسرائيل” الذين يدفعون الأكراد نحو الإستفتاء والإنفصال بغية تشتيت “العراق” وتدمير ما تبقّى لديه لأسباب معروفة، إلى جانب إسناد اللوبيات الصهيونية المتنفذة لدى الولايات المتحدة وعموم “أوروبا” لهم، حتى ترسخ التصور لدى القادة الأكراد بأن هذا الدعم يكفي تماماً لفرض آرائهم في هذا الشأن على العراق والمنطقة وكل العالم.
4. التوقع السائد لدى القادة الأكراد بأن المجتمع الدولي والحكومات المتنفذة في أمور العالم ستسند المنحى الكردي نحو الإستفتاء والإنفصال.
5. كون جناحَي الإقليم (أربيل والسليمانية) على وئام وتحالف مضمون مع “واشنطن” يتفوق على أية صداقة مع طرف ثانٍ، إذ من المستبعد أن تقدم على خطوات مضادة تجهض ما يرومه الأكراد، على الأقل في الوقت الراهن والمستقبل المنظور.
6. ميوعة دولتي الجوار “تركيا وإيران” -اللتان تحتويان ملايين الأكراد المتجاورين مع أكراد العراق- في مواقفهما أزاء قرار الإستفتاء، وإختصارها على تصريحات خجولة ونصائح تصبّ في ضرورات إرجائه دون إتخاذ خطوات تهديدية تحدّ من إجرائه.
7. كون “سوريا” منشغلة بهمومها ضد فصائل المعارضة المسلّحة منذ عام (2011) ولغاية الآن، وعدم إستطاعتها إتخاذ أي موقف تجاه هذا الشأن الخطير الذي يهمّ مستقبلها أسوة بـ”تركيا وإيران”.
8. عدم وضوح مواقف الدول العظمى والكبرى حيال هذا الإستفتاء الذي قد يتبعه إنفصال أسوة بمواقف دول الجوار.
9. المكاسب الميدانية التي إستحصلتها “قوات سوريا الديمقراطية-الكردية” بدعم أمريكي وغربي مشهود بالسلاح والمال والمشورة وسط البقاع السورية المتاخمة للحدود مع كل من “العراق وتركيا”، وبالأخص في محافظتَي “الحسكة والرقة” اللتان ما تزالان -بكل عام- خارج سيطرة الدولة السورية.
10. إنضمام الآلاف من مقاتلي حزب العمال الكرستاني (التركي) (P.K.K) إلى جانب جيش “البيشمركه” النظامي وإنتشارهم في “جبل سنجار” ومدينة “كركوك” على وجه الخصوص، والذين شكّلوا قوة ضاربة قتالية ذات خبرة عالية أُضيفت للمتوفر لدى حكومة الإقليم.

* عميد ركن متقاعد- دكتوراه في التأريخ العربيّ الإسلامي

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب