إستدعاء التأريخ بصورته المشوهة، وإسقاطه على الواقع، بدفع مقصود لإثارت الطائفية، وتأجيج الصراع، من خلال إضفاء رمزية خاصة لطبيعة المواجهة، وتصنيف وقائعها بناءً على بعدها التأريخي، حتى وصل الأمر الى تحديد شكل المعركة، وزج الناس فيها بين معسكرين، وبالتالي يغذى الصراع طائفياً، لكن الغريب أن أصحاب مثل هذه الطروحات، يرفضون أن تصفهم بالطائفيين، أو أن تصف طروحاتهم بالطائفية، بل العكس، مجرد الإعتراض على مايقولون يجعلك في دائرة “الطائفية”، وكأنها خاصة بمخالفيهم حصراً.
وهنا تبدو الحاجة ملحة، لتفسير معنى الطائفية، التي حظرها الدستور العراقي ، حتى لايأتي من يشكل الناس على هواه،، ويضعهم في هذا المعسكر أو ذاك، تبعاً للمذهب والمعتقد الذي يؤمن به، والذي كفله الدستور للجميع.
وفي ظل حساسية الوضع العام، ينبغي أن تشدد الحكومة على هذا النمط من الخطابات التي تفرق ولاتجمع، وتحاسب قائليها من دون إنتقائية، كي نبعد عن بلادنا شبح الحرب الطائفية، ونوحد أبناءها في مواجهة العدو المشترك.
لكن كيف نطالب الحكومة، بمنع مثل هذه الخطابات، وقد كان رئيسها السابق، يتبناها، ويضع شكل الخلاف مع معارضيه، حتى قبل أية مواجهة مسلحة، بين معسكرين، لايقصد من خلالهما، حق وباطل، وإنما طائفة، وأخرى، ولعله بذلك، كان يسعى لكسب أصوات ناخبيه، من خلال محاكاة المشاعر والأهواء التي تحركها الطائفة، أكثر من البرامج الإنتخابية التي لم نر لها وجود في أي إنتخابات، سوى بعض الوعود الفضفاضة.
هذا إذا كانت الدعاية الإنتخابية هي المحرك، لهذا النوع من الخطابات، لكن مجريات المرحلة الماضية، بما تضمنته من حشود وحروب، وإعتقالات وقصف عشوائيين، إستهدف مكون بعينه، يجعل من إطروحة المعسكرين، واقع حال يتجاوز مفهوم المواطنة والأخوة في الوطن، بل والدين حتى.
واليوم ، يكرر أحد الخطباء، الطرح نفسه، لكنه ليس سياسياً ، كما هو مظهره، ولا من الساعين لدورة إنتخابية مقبلة، لأنه بينه وبينها أربع سنوات طوال، حيث لخص الحرب مع تنظيم داعش الإرهابي، بأنها حرب بين معسكرين ، الأول معسكرعلي ، والآخر معسكر معاوية، رضي الله عنهما، ومما لاشك فيه عند كل المسلمين، أن الحق كان مع سيدنا علي، لكن تلك أمة قد خلت، ولانسأل عما فعلت، بنص القرآن، غير أن الخطيب وهو يستمد من التأريخ، أجواء المعركة، ويعطيها بعداً طائفياً، من خلال مخاطبة العاطفة عند الأتباع، قال أن هذه الحرب بين أبناء علي، وأبناء معاوية، ونسي أو تناسى أن تحالفاً دولياً كبيراً، يقوده “الشيطان الأكبر” يقاتل تنظيم داعش الإرهابي، أيضاً، فأين سيكون موقع هذا التحالف، وفي أي المعسكرين؟!.
مانريد أن نقوله، أن العراقيين، سنتهم وشيعتهم، ومكوناتهم الأخرى، توحدوا جميعهم ضد تنظيم داعش، والعشائر السنية، التي طردت القاعدة من قبل هي من ستطرد داعش، فلماذا نسمع مثل هذه النبرة التي تريد زرع الشقاق والفرقة بين أبناء الوطن الواحد، في وقت هم في أشد الحاجة الى الوحدة والتلاحم، ثم لماذا التجاوز على الرموز الدينية والتأريخية، للأمة الإسلامية، التي يتجاوز تعدادها المليار و500 مليون مسلم؟.
على كل من يعتلي منبر، أي منبر، أن يفكر في العراق كوطن لكل العراقيين، وليس لطائفة واحدة، وأن يحترم رموز كل المكونات، ولا يعتدي على أي مكون ولو بكلمة تشق الصف الوطني، وأن يكون معيار الحرية في حدود إحترام حرية الغير، وهذا ماينبغي على الحكومة أن تلزم الجميع عليه، وتحاسب كل من يحرض على الحرب الطائفية.