22 نوفمبر، 2024 5:04 م
Search
Close this search box.

لماذا يخافون من تشكيل الحرس الوطني؟

لماذا يخافون من تشكيل الحرس الوطني؟

كان سقوط الموصل العام الفائت على يدى مسلحي ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وما آلت الأحداث بعد ذلك، هو إيذان بنهاية حقبة من الأوهام التي قام عليها ما يسمى بـ(العراق الجديد) حول وجود جيش وطني يمثل كل العراقيين؛ بعد أن تهاوت قوات المالكي بتشكيلاتها المختلفة أمام مجموعة من مسلحي (داعش) مخلفة وراءها أطنانا من الأسلحة والذخيرة والعتاد، لم يسأل أحد من مؤيدي المالكي وتابعيه نفسه أين ذهبت صفقات التسليح المليارية؟ وأين هي استعراضات الجيش الحالي وما يسمى بـ(الفرقة الذهبية) وتهديداتها؟ وكيف سيكون الحال لو تعرض العراق لتهديد خارجي مباشر ومنظم؟ إذا كان الجيش لم يصمد أمام بضع مئات من المسلحين القادمين من الصحراء!!.

 

لقد كان تعدي إيران على الحدود العراقية واحتلالها لحقل نفط الفكة اختبارا حقيقيا لوطنية هذا الجيش وقدرته في الدفاع عن حدود البلاد وردع المعتدين، لكنه فشل وقيادته في هذا الإختبار فشلا ذريعا ومخزيا، وبانت سوءات العقيدة العسكرية التي زرعها بول بريمر وأنشأ على أساسها الجيش الجديد.

 

لقد أثبتت الأحزاب الشيعية الحاكمة أنها ليست أهلا للحكم ولا لبناء دولة عصرية، فهي ما زالت تعيش بعقلية المعارضة التي تربت عليها، وتحمل ذاتا مليئة بالهواجس والارتياب تجاه مخالفيها في الانتماء والمعتقد، وما زال العراقيون يتذكرون كيف تعاملت الحكومة السابقة مع (الصحوات) التي حاربت القاعدة وحجمت خطرها، حيث ترك هؤلاء المقاتلون رهينة للقتل والاعتقال والفاقة، بعد أن وقفت في وجه أي صيغة قانونية يمكن أن تشرعن وجودهم وتحفظ لهم حقوقهم وتدمجهم في الجيش والأجهزة الأمنية.

 

ولا بأس من التكرار أن عقلية (السنة فوبيا) لا تزال تتحكم في العقل الباطن لأحزاب التشيع السياسي وتوجه سياساتها العامة، هذه العقلية هي ذاتها التي دمجت آلاف الضباط من المليشيات ممن لا يستطيع بعضهم فك الخط في الجيش وأسبغت عليهم أعلى الرتب والنياشين، في حين لم تتسع صدورهم للصحوات الذين هزموا تنظيم القاعدة وحجموا خطره لسنوات، وهي ذاتها التي تداعت مستجيبة لفتوى السيستاني في تأسيس الحشد الشعبي لكنها تقف اليوم أمام أي محاولة لتشكيل الحرس الوطني وتأطيره قانونيا.

 

واليوم يعود الحديث عن ضرورة أن يقوم أبناء المحافظات السنية بمحاربة (داعش) وحماية مناطقهم منها، ويبدو أن الحكومة وأحزابها ما زالت تستخدم نفس عقلية المالكي في التعامل مع الأحداث، فوقوف الكتل الشيعية الكبيرة ضد قانون الحرس الوطني ومحاولة تفريغه من مضمونه عبر حذف أربعين مادة من مجموع سبعين يعني أن هؤلاء الساسة لا يريدون للحرس الوطني أن يكون أكثر من حرس حدود أو شرطة نهرية،، وفي نفس الوقت فإن عليه أن يواجه (داعش)!!.

 

ويبدو السؤال الأكثر إلحاحا اليوم هو: هل على أهل السنة أن يكونوا أكباش فداء مرة أخرى لمن يتربع على عرش السلطة في بغداد بدون مقابل؟ ولماذا يستكثر عليهم القائمون على هذه السلطة أي وضع قانوني يحمي أبناءهم ويقيهم الجوع والاستهداف في الوقت الذي يتسابق فيه نواب الكتل الشيعية إلى إعلان فروض الولاء والطاعة لمليشيات (الحشد الشعبي)؟.

 

 ولكي نكون عمليين فإن على شركائنا في الوطن من الشيعة أن يفهموا جيدا أن السنة لن يقبلوا بتكرار تجربة الصحوات مرة أخرى، ولن تستدرجهم الوعود الحكومية إلى المربع الأول الذي جر عليهم الوبال في عهد المالكي، هل تريدون يا شركاءنا في الوطن أن يحارب السنة (داعش)؟ وهل أنتم جادون في الدعوة لوحدة وطنية تجمع العراقيين في مواجهة الأخطار الخارجية؟ فلتعلموا إذا أن أي دعوة كهذه لا بد أن تسبقها إجراءات سياسية وقانونية، بعيدا عن الوعود الوردية والتخدير الذي ولى زمنه، ولا بد من الشروع على الفور في التصويت على مسودة قانون الحرس الوطني بنسخته الأصلية قبل أن تحذف الفقرات التي من شأنها تكوين مؤسسة عسكرية رصينة تكون جزءا من منظومة وطنية للدفاع عن العراق ضد أي عدوان خارجي، ولا بد من سحب مليشيات (الحشد الشعبي) التي أحرقت الاخضر واليابس في المناطق السنية، وإعادة الإعتبار إلى ضباط الجيش السابق الذي تحتفلون بذكرى تأسيسه كل عام، وتتناسون ماذا عملت قياداتكم بقياداته وضباطه، وكيف أعملت فيهم الاغتيال والاجتثاث والتشريد.

 

إن أمام مجلس النواب الحالي مهمة تاريخية في الحفاظ على تبقى من جسد الدولة العراقية، ولا بد من الاستجابة لمتطلبات اللحظة التاريخية والمتمثلة بضرورة إعلان تشكيل الحرس الوطني في المحافظات السنية ومنحه صلاحيات حقيقية للقيام بدوره في حماية أهله ومحافظاته.

 

إن على القيادات الشيعية الحالية أن تعي وتدرك أن دعم المليشيات الطائفية وتسليحها لن يسهم في بناء جيش وطني إحترافي ابدا، وأن ردات فعل المتطرفين على هذه السلوكيات المتطرفة ستكون عنيفة ودموية وسيخسر فيها الجميع لا محالة.

 

إن أبناء المحافظات السنية يعولون اليوم كثيرا على الرئاسة الجديدة لمجلس النواب ممثلة في سليم الجبوري في الاستعجال بتشريع قانون الحرس الوطني، الذي سيسهم لا محالة في وقف شلال الدم المتدفق منذ أن وطأت أقدام الغرباء أرضنا، وأن يكون قانون التجنيد الإلزامي على سلم أولويات المجلس في المرحلة المقبلة، وبخلاف ذلك فإن القادم سيكون أسوأ كما تؤكد مجريات الأحداث على الأرض.

أحدث المقالات