محاضراته ومداخلاته الجريئة وصراحته التي بلا حدود، هي التي فتحت باب جهنم على المفكر الإسلامي المستنير احمد القبانجي، وهناك أيضاً التحليل الدقيق لفترات حرجه من تاريخ الإسلام ، التي دائما ما كان البعض يغلفها بخطب صاخبة من اجل التعميم على الحقائق، في كل ذلك اعتمد احمد القبانجي على مناهج التحليل العلمي للتاريخ.. الامر الذي دفع البعض الى اتهامه بالكفر.. وتقف وراء الاتهام أحزاب لا تتحمل الخوض في التاريخ.. فأخرجت فتاوى الإقصاء والتحريم لتمنع الأفكار الجديدة من ان تنتقل عدواها الى مجتمع يريد ساسته أن يعيش عصر “حزام العفة” من اجل ان يبقى المواطن كارها لمتع الحياة التي يسعى ساستنا لان تكون حكرا عليهم.. ولهذا ظل احمد القبانجي يعيش وسط فوضى وصخب وشعارات دينية جردت من مضامينها الحقيقية.. فنرى سياسيين يدعون قربهم من الدين ومحافظتهم على شعائره.. لكنهم بالمقابل يساهمون في تضخم حالة الفساد.. فساد في الشارع، في مؤسسات الدولة، وبين أعلى مستوى في النخب السياسية.. هذه الازدواجية دفعت القبانجي أن يدينها ويكشفها ومن خلال المنهج الديني نفسه.. حيث يسعى البعض إلى احتكار الحق في التفكير والسلوك مثلما يحتكر الحق في التلاعب بمصائر الناس وأمنهم.
أدرك القبانجي وعلى نحو مبكر أننا يجب أن نعيش عصر المستقبل، هذا المستقبل الذي لا يمكن بناؤه بأفكار معاد تصنيعها من منتجات الماضي. ولهذا واجه قوى سياسية “نفعية” مازالت مشدودة إلى الماضي، وغير قادرة على إدراك أن المستقبل، بالنسبة لنا، أهم من الماضي.
ينتقي احمد القبانجي من حقول التاريخ، الأحداث والشواهد التي تثري ذاكرتنا وتعمل على إنضاج الوعي وشحذ الإرادة وتأكيد إيمانها بالديمقراطية والحرية. ولعلها متعة ما بعدها متعة أن يستمع الواحد منا إلى محاضرات السيد القبانجي وهي متعة لها مذاق مختلف، فيها يمسك المحاضر بأنفاسنا وأيدينا في رحلة زاخرة بالثقافة والتراث والسياسة والتاريخ والذكريات. ولعل محاضراته وكتاباته تأتي من شخصيته الرافضة للافكار الخاطئة والمعوجة، وعلى قدر معرفتي بالسيد احمد القبانجي ومحاورتي له وقراءتي لبعض كتبه، احسب ان احلامه الوطنية ظلت دوما متأججة وترفض ان تخبو او تتوارى امام توالي الهزائم والانكسارات، مع تفاؤل باجتياز العراق محنته والنهوض من كبوته. ولعل صراحته أحياناً يعتبرها البعض نوعاً من القسوة التي تفضي الى انفضاض البعض من حوله.. فالرجل مصر على النبش في الماضي لإيجاد توافق صحي بينه وبين الحاضر، لذلك كلما استمعنا او قرانا لأحمد القبانجي، كلما فهمنا العمق الحقيقي لهذا الماضي من اجل تحديد رؤية غير مزيفة للمستقبل.
احمد القبانجي امتداد لمفكرين أحرار سعوا إلى بث المعرفة العقلية بين صفوف الناس.. وهم يقفون بالضد من ثقافة رسمية تريد من الشعب ان يصبح جيشا من الجاهلين.. ثقافة تسعى الى حجب فضيلة التفكير وبث الشعور بالذنب عند البسطاء من اجل أن يعيشوا حياتهم في التكفير عن ذنوب الماضي.. إنها السلطة باسم الدين وليست الدين الحقيقي.
اليوم نعيش في ظل سياسيين يصرون على أن يكونوا حراساً لمعبد الماضي.. لا يؤمنون بأن العالم تغير وأصبحت الدنيا غير الدنيا، فهم مازالوا مصرين على أن أي تفكير حر هو ملعون في الدنيا والآخرة، سياسيون لا يعرفون أن المتمردين عن السمع والطاعة هم الذين يغيّرون الأفكار والمجتمعات.. ولهذا سينتصر احمد القبانجي وهو يخوض معركته في احدى المعتقلات الايرانية وسيصبح رمزا في معركة بين دعاة الماضي وصناع المستقبل بين عبادة النص والتفكير فيه وفهمه.
لم يكن احمد القبانجي خارجا عن الإسلام كما يتهمه اليوم قناصة التفكير، لكنه رفض ان يرتدي الاقنعة ، ولم يدخل المعركة من اجل تصحيح الماضي بملابس تنكرية. بل دخلها بملابس حديثة، ونافس كهنة المعابد بالحجج الحديثة، ولهذا نراهم اليوم ينقلبون عليه
ويصرخون “انه مرتد” مطالبين باستباحة دمه.. غير مدركين أنهم أكثر خوفا منه لأنهم لم يقرأوا التاريخ جيدا.
* من الفيسبوك – صفحة الكاتب الشخصية