بين النائب عن تحالف سائرون ( رياض المسعودي ) إن الشعب العراقي يمتلك داخل المنازل مبلغ 37 تريليون دينار، وهو ما يخالف ما معمول به في اغلب دول العالم وقال المسعودي في تصريح لـ /وكالة المعلومة/، إن مشكلة العراق المتعلقة بالعاطلين عن العمل يمكن أن تنتهي خلال مدة قصيرة شريطة تحريك عجلة الاقتصاد في البلاد، مع تفعيل القطاع الخاص والسياحة وسكك الحديد التي يعمل فيها 5% من العدد المطلوب للعمل في هذا المجال، وأوضح إن مشكلة العراق ستنتهي مع تحويل الأموال إلى الفيزا كارت، حيث يتواجد لدى الشعب العراقي وداخل المنازل 37 تريليون دينار، وهذا المبلغ بالإمكان وضعه في المصارف لتنمية البلد والاستفادة منه كما هو معمول به في مختلف دول العالم ، وبين إن العراق لا يعاني من أية مشكلة تتعلق بالأموال، ولكن المعاناة تكمن في سوء إدارة المال، على الرغم من إن 85% من الموازنة هي تشغيلية، وما يقدم من مشاريع استثمارية فإنها لن ترَى النور لان أموال العراق توزع مثل ( كعكة الميلاد) .
وما صرح به السيد النائب ليس غائبا عن أنظار ومتابعة ذوي الاختصاص من المسؤولين والمختصين إذ تبلغ حجم الكتلة النقدية خارج المصارف أكثر من ثلتي مجموع الكتلة النقدية الوطنية الصادرة من البنك المركزي العراقي ، رغم إدراك المواطن بمخاطر الاحتفاظ بالنقد داخل منازلهم أو في أمكنة أخرى يتم اختيارها لهذا الغرض ، ومن مخاطر ذلك تعرض الأموال للسرقة وتآكلها بسبب التضخم واحتمال تلفها في الحرائق وظروف الخزن غير الملائمة اخذين بنظر الاعتبار إن الفئات النقدية العراقية ليست كبيرة لان اقبرها من فئة ال50 إلف دينار التي يخشى الكثير التداول بها لاحتمالية تعرضها للتزييف ( ولعل هذا واحدا من أسباب إقبال البعض لتحويل ) الدينار إلى دولار الذي يعادل 1/ 1200 ، كما إن من مخاطر الاحتفاظ بالسيولة النقدية هو نقصان قيمتها بسبب معدلات التضخم الشهرية والسنوية التي من شانها إنقاص القدرة الشرائية للنقود فلو تم الاحتفاظ بالنقود في المصارف بودائع ثابتة أو ودائع التوفير لتمكن المواطن من تعويض خسارة التضخم على الأقل من خلال الفوائد التي تدفعها البنوك ، ومن المخاطر المحتملة للاحتفاظ بالنقود بكميات أكثر من الاعتيادية وتفوق الاحتياجات المنزلية هو احتمال تعرضه للمساءلة من قبل الأجهزة المعنية في حالات التفتيش والتحري والبحث عن الأسلحة والمطلوبين حيث سيكون المواطن موضع شبهات وقد يحتاج إلى تبريرات وبراهين مقنعة لأسباب احتفاظه بكميات كبيرة من النقود حيث هناك مخاوف من وجود العصابات والجهات التي تمول الإرهاب والعلاقة مع جهات ممولة داخل أو خارج العراق لأغراض تتعلق بغسيل الأموال أو غيرها .
ومن الأسباب الرئيسية للاحتفاظ بالنقود هو ما يتعلق بعمل النظام المصرفي في العراق ، فالمصارف الحكومية لم تتطور بمستوى التطور في حجوم الإيرادات والنفقات التي شهدها البلد بعد 2003 وتطبيق سياسات الانفتاح بعد الحصار الذي كان مفروضا على صادرات النفط ومعظم الفعاليات ، فقد اخفق النظام المصرفي في تحقيق تقدم ملحوظ حتى في الأبنية حيث لا توجد أماكن لوقوف السيارات ليشعر بالأمان عندما يريد الفرد أن يودع ملايين الدنانير، وهناك تقصير او قصور في أساليب التعامل فالمودع لا يعامل كزبون وإنما يعتبره البعض عبئا عليهم ، والتقنيات المصرفية الحديثة متخلفة عن تلك التي شهدها العالم منذ عقود ولا تستغرب أن تودع أموالا كبيرة وماكنة العد عاطلة ولذلك تجري العملية يدويا أحيانا ، ويشعر الكثير إن مستوى أداء العاملين في تلك المصارف يزداد بيروقراطية كلما زادت مستويات التعامل المصرفي ومدير الفرع غالبا ما يكون إلى جانب الموظف لحد كبير ، وتسود اغلب المصارف الازدحامات وطول الوقت لانجاز معاملات روتينية جدا كالسحب والإيداع كما يشكوا البعض من حالات التشكيك المبالغ بها كطلب المستمسكات التعريفية مثل تأييد المجلس البلدي والتمسك بأمور صغيرة لإيقاف المعاملة بمسوغ تقليل التلاعب والتزوير، ونذكر هنا على سبيل المثال إيقاف التعامل بالحسابات الجارية إلا لفئات محدودة وبعد استحصال وتوفر شروط غاية في التعقيد بحجة التخوف من تحرير صك بدون رصيد ، أما في مجال الخدمات المصرفية الأخرى فهي محدودة جدا بسبب ما تتطلبه من ضمانات وإجراءات والخدمة المتاحة في مجال التسليف تمر بسلسلة من التعقيد والتكلفة العالية بحيث يعزف عنها البعض لان توقيت الحاجة لها قد فات ، و لايزال العمل الورقي هو السائد في اغلب وابسط المعاملات وتمر على مجموعة من المخولين وتخضع للتدقيق بغض النظر عن مقدار المبلغ أو مكانة الزبون .
إما المصارف الأهلية فهي لا تختلف كثيرا عن المصارف الحكومية إلا في شكل وجوه العاملين وملبسهم في بعض الأحيان ، وصحيح إن هذه المصارف لديها تسهيلات وتمنح فوائد أفضل على الإيداعات إلا إن هناك شعورا لدى البعض إن مخاطرة الاحتفاظ بالنقود في المصارف الأهلية هي أعلى من الاحتفاظ بها في المنازل ، وقد تولد هذا الشعور بعد تساقط العديد من المصارف الأهلية ونكولها وهروبها عن الواقع وعدم إرجاع أموال المودعين ولم يقف البنك المركزي العراقي إلى جانب المودعين بل وقف متفرجا أو يتخذ إجراءات في فرض الوصايا وتشكيل اللجان وإرسال الخبراء ، والقضية طالت بحيث إن هناك أموالا للمواطنين في المصارف المتلكئة مرت عليها عشرة سنوات دون إجراءات غير الوعود والمحاباة ، وبذلك تحول بعض المودعين من أغنياء إلى فقراء كما تبخرت مشاريع البعض في الزواج أو الاستثمار أو شراء وحدات سكنية وكل ما ارتكبوه إنهم أودعوا أموالهم في مصارف حكومية مجازة رسميا بموجب القوانين ولا يزالون بانتظار أحلاما بإعادة أموالهم رغم تبدل ثلاث حكومات ، ولا يعني ذلك بان جميع المصارف الأهلية سيئة بل إن بعضها أحبط أمنيات الجمهور في النهوض بالواقع المصرفي العراقي لينافس القطاع الحكومي ومنها من تحول إلى دكاكين لبيع الدولار والتحويل الخارجي رغم رقابة البنك المركزي العراقي ورابطة المصارف الأهلية ، ويقال إن هناك مصارف أهلية منيعة واقوي من كل الإجراءات وإلا لماذا لا تتم تصفية المصارف الأهلية الناكلة منذ سنوات رغم ما لديها من خروق ؟ .
ومسالة الاحتفاظ بالسيولة النقدية هنا أو هناك وخارج النظام المصرفي وبهذه الكتلة الكبيرة لا تتعلق تداعياتها بالإفراد والعوائل والمصارف سواء كانت حكومية أو أهلية فحسب ، وإنما تتعلق بالاقتصاد الوطني فلا يمكن لجميع القطاعات الإنتاجية والخدمية أن تتعافى وتنهض من جديد بدون وجود أنظمة مصرفية كفوءة وفاعلة ، كما إن موضوع المصارف له صلات مباشرة مع الفساد بإشكاله المختلفة ، ونذكر هنا على سبيل التذكير إن المشاريع المتلكئة والموقوفة والفضائية التي يبلغ عددها بالمئات أو الآلاف سببه هو العمل المصرفي لان الأنظمة الصرفية هي المعنية بإصدار خطابات الضمان وانجاز عمليات المقاصة والتحويلات الخارجية بالعملة المحلية أو الأجنبية ، كما إن تحويل المصارف من طاردة للادخار إلى جاذبة له من شانه أن يقلل الاعتماد وبشكل كبير على الاقتراض والمديونية الخارجية وما يترتب عليها من تكاليف والتزامات من خلال الاقتراض الداخلي واستثمار الإيداعات الوفيرة في المصارف إلى مشاريع صغيرة ومتوسطة وكبيرة كقروض للصناعيين والمزارعين ومنتجي الدخل بفوائد تشجيعية تتحمل الدولة بعض أو جميع تكاليف الفوائد ، بدلا من أن تصرف مليارات الدولارات سنويا على مشاريع غير منفذة وتخرج الدولة صفر اليدين وتنفق الأموال لمطاردة الفساد أو تذهب لجهات تستهدف امن وحياة العراقيين ، ولان البرنامج الحكومي الحالي متوجه بشكل ملحوظ نحو مكافحة الفساد فلا بد أن يكون إصلاح العمل الصرفي في مقدمة الأولويات ، ويتطلب ذلك إعادة النظر بقوانين الحاكم المدني ( بريمر ) بخصوص المصارف والبنوك والإسراع بتشريع قانون حماية أموال المودعين واعتبار الجرائم المصرفية من الجرائم الاقتصادية الكبرى التي تفرض بحق مرتكبيها أقصى العقوبات ، مع وجوب الاهتمام بتغيير أسعار الفائدة على الادخار لتحويل النقود إلى المصارف وهي محمية وتدر الفوائد والمنافع لا بقصد زيادة غنى المودعين ، وان بهدف الإصلاح الحقيقي للاقتصاد الوطني وتحول الانجازات في هذا المجال إلى شعبنا العزيز بدلا من الحيتان .