18 ديسمبر، 2024 6:22 م

لماذا يحب الروس رئيسهم ؟

لماذا يحب الروس رئيسهم ؟

بحكم عملنا في التغطية للوقوف على رأي الشارع الروسي ، حول من سينتخب هذه المرة ، في الانتخابات الرئاسية الثامنة في تاريخه من تفكك الاتحاد السوفيتي ، وأقول وبدون مبالغة ، ان جميع من التقينا بهم ( 9 لقاءات) وفي أماكن مختلفة من العاصمة الروسية موسكو ، اجمعوا ، بأنهم سيصوتون بالتأكيد للرئيس الحالي فلاديمير ، الذي اعتبروه رجل المرحلة القادمة ، والوحيد القادر على قيادة دفة البلاد نحو الأمان ، كما قادها خلال الفترة الماضية .
وما ان سمعنا الكلمات من هؤلاء الذي التقيناهم ، وجدنا فيها نوع من التحدي للغرب ، الذي يحاول بكل السبل ، ان يتدخل في نتائج هذه الانتخابات ، ومحاولة زرع التظليل الإعلامي في عقول شباب الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى ، و رأينا في أوساط الشباب أيضا ، رفض كبير منهم محولات التدخل الغربي في نتائج الانتخابات ، واكدوا ضرورة ان يترك للشعب الروسي حق الاختيار ، في اختيار وجهته المستقبلية ، مع الرئيس الحالي فلاديمير بوتين ، ويشددوا على ضرورة ان يكون لصناديق الاقتراع كلمة الفصل للشعب الروسي وحده ، دون تدخل او ضغوطات خارجية .
وجلب انتباهنا خلال جولتنا الصحفية شخصية روسية ، يشع من وجهه الشعور الوطني الكبير ، فعندما سألناه الى من سيعطي صوته في الانتخابات ، انفجر في وجهنا وقال ” ان هذه الانتخابات لن تكون انتخابات 2024 ، بل هي انتخابات ما بين الحياة والموت ” ، الحياة برأيه هي دعوته لجميع الروس للوقوف صفا واحدا تجاه العدوان الانغلوسكسوني والغربي الخارجي ، والتصويت الى جانب الرئيس بوتين ، ومثل هذه الوقفة ستكون الرد الحاسم ، وصفعة قوية بوجه الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها ، وبعكسه فإن الموت سينتظر الجميع ، لأن الغرب يحاول زعزعة الاستقرار والأمان الروسي ، وتفتيت البلاد ، التي ترتبط شعوبها بعلاقات حميمية اجتماعية واخلاقية ، وتاريخ ودم واحد ، وبالتالي يتم تدمير روسيا ( لا سامح الله ) كما هو الحال في ليبيا وسوريا والعراق واليمن ، والقائمة تطول .
وطيلة فترة اللقاء مع هذه الشخصية ، جلب انتباهنا نظرات سيدة في نهاية الاربعينيات من العمر ، كانت واقفة ليس ببعيد عنا ، وتسترق النظرات والسمع ، وما ان انتهينا من اللقاء ، دنونا منها ، وحاولنا استفزازها قليلا للتعرف على شعورها ، وقلنا لها ” بالتأكيد لم يعجبكم كلام الشخص الذي التقيناه ، وانتي ستصوتين لغير الرئيس بوتين ” ، ندمت كثير الندم في ذلك ، لأنها سارعت بالقول ، بانه لا يمكن تخيل روسيا بدون بوتين ، فهو الرئيس الحقيقي والمخلص لبلده ( والكلام لازال للسيدة ) ، وأكدت بان الرئيس بوتين ، سيحصل على جميع الأصوات ، ” لأننا نحبه ولا نريد رئيسا غيره”.
وبحكم كوننا نعيش وعائلتي واحفادي في روسيا منذ 27 عاما ، ونعمل في المجال الصحفي منذ ثمانينيات القرن الماضي ، اكثر من نصفها قضيناها ولازلنا نعمل مراسلا للعديد من وسائل الاعلام ، فإننا لم نستغرب من كلام ممن التقيناهم ، وحبهم الكبير للرئيس بوتين ، فقد عشنا الفترة في زمن الرئيس الأسبق ( يلتسن ) ، وكنا شهود عيان عما كان يعاني منه الشعب الروسي ، من الجوع والفقر ، والتخلف والامراض المنتشرة ، الصحية منها والاجتماعية ( كالفساد ) ، فالرئيس السابق كان مريضا ، ولا يدري ما يجري في البلاد ، وأوقع البلاد أسيرة القروض الغربية وخصخصة كل المعامل والمؤسسات ، بداعي الإصلاح ، وصار بلدا مثقل بالديون للغرب ، والتدخلات في الشؤون الداخلية في روسيا .

وهنا لابد لنا من الوقوف للحظة ، ونحاول بهذه الكلمات القليلة تلخيص مكونات نجاح الرئيس الحالي فلاديمير بوتين ، وبادئ ذي بدء، فإن فلاديمير بوتين هو الزعيم الوحيد في بلد ذو نطاق روسي بالكامل وحتى عالمي، والذي يعترف الجميع بسلطته ، وفي الآونة الأخيرة، أصبح يُطلق عليه بشكل متزايد لقب الزعيم الوطني، وهذا ليس من قبيل المبالغة، لأنه لا توجد شخصية بديلة له تقريبًا ، ويمكن اعتبار القائد الوطني ليس فقط الشخص الذي يحصل على دعم الأغلبية المطلقة لسكان البلاد، بل هو الذي يوحد الشعب ويقوده بثقة إلى الأمام خلال جميع الأزمات، ويعزز قوة الدولة، ويطور الاقتصاد ويحسن رفاهية الناس.
وبالتأكيد ان فاز فلاديمير بوتين على منافسيه بفارق كبير ، وهذا نتيجة تحشيد مسار المواطنين الروس حوله ، والتي ترتبط بالعديد من الإنجازات والانتصارات وآفاق التنمية الناجحة لبلدهم باسم بوتين ، ولا شك أنه يتمتع بأكبر مخزون من المعرفة في السياسة والعلاقات الدولية ، والمجالات الاجتماعية والاقتصادية، ويتمتع بخبرة واسعة في الحكومة ، وعلى عكس بعض الحكام والسياسيين الآخرين، لم يبيع أو يدمر البلاد ، أو يخون مصالح الشعب ، وعلى العكس من ذلك، فقد وصل إلى الرئاسة في وقت صعب للغاية، حيث كانت البلاد، بعد أزمة أخرى، وعلى وشك الإفلاس، وكانت هناك حرب أهلية، وكانت الدولة في حالة خراب وكانت تنهار أمام أعيننا.
فقد حكم المستشارون الأمريكيون والأوليغارشيون الحكومة ، ولكن بوتين وفي وقت قصير أصلح كل شيء ، وأوقف الحرب في شمال القوقاز، دون أن يستسلم، وأوقف انهيار روسيا، وعزز قوة الدولة والقدرة الدفاعية، ونفذ عدداً من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ، ولم تكتمل هذه الإصلاحات بعد، لكن نتائجها واضحة للجميع ، وبطبيعة الحال، وهذا لا يعني ان البلاد خالية من المشاكل التي لم يتم حلها بعد ، ولكن الرئيس بوتين في رسالته الأخيرة للجمعية الفيدرالية العامة ، كانت بمثابة برنامج عمل مستقبلي تسمح بتنفيذ العديد من المقترحات في جميع المجالات ، وببساطة ، لقد جلب بوتين إلى البلاد، الثقة الأكبر والأفضل في المستقبل .
ومن خلال التصويت لصالح بوتين، يعني سيصوت الشعب لصالح الاستقرار ، الذي اعتدنا عليه مؤخرًا ، وبعد تحقيق الاستقرار، أصبح من الممكن وضع الأساس للتنمية، وهذا مستمر منذ عدة سنوات ، و دون خسائر كبيرة، والتي يُنسب الفضل فيها إلى الحكومة الفيدرالية برئاسة بوتين، وتمكنت الدولة من الحفاظ على جميع التزاماتها الاجتماعية والوفاء بها ، ووجدت الفرص لدعم الاقتصاد ، رغم كل المعوقات التي يفرضها الغرب بعقوباته ( الظالمة ) على روسيا بعد بدأ العملية العسكرية الخاصة ، ولكن كل هذه المحاولات قد فشلت في تعطيل روسيا ، بل على العكس عمل بوتين على جعل هذه الفترة هي فترة الانتقال النوعي في جميع المجالات الرئيسية – وقيادة عملية تحديث الرعاية الصحية والتعليم والصناعة والزراعة ، وإدخال أحدث التقنيات وتطوير صناعات التكنولوجيا الفائقة، بالإضافة الى تحديث الجيش وقوته ، وزيادة القدرات الدفاعية .
إن فلاديمير بوتين هو حقًا السياسي الأكثر شعبية والأكثر خبرة والأكثر نجاحًا في روسيا الحديثة، فقد أظهر هذه الصفات خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، تبين أن برنامجه الانتخابي هو الأكثر شمولاً وتفصيلاً ويغطي جميع مجالات حياة المجتمع والدولة، وكل ذلك لأنه كان يعتمد على الخبرة والمعرفة الشخصية، وواصل خلال القيام بواجباته وتحمل مسؤولية الوطن في إجراء انتخابات أكثر انفتاحا ونزاهة قدر الإمكان، وفقا لنص القانون، وشرعية إلى أقصى حد ممكن.
ان ما شاهدناه خلال جولتنا الصحفية، أكد لنا ان الغرب حتى الان فشل في تحشيد كل موارده ضد بوتين وحده، وإنهم لم يحققوا النتيجة المرجوة ، ولم يقع غالبية الناخبين في حب “الشيرنوخا” وفضلوا استقرار بوتين وإمكانية التنبؤ بالتطور السياسي في البلاد ، وإجراء مزيد من الإصلاحات في الاقتصاد والمجال الاجتماعي من أجل زيادة رفاهية الشعب على الثورات والانقلابات ذات العواقب غير المتوقعة.