7 أبريل، 2024 7:21 م
Search
Close this search box.

لماذا وكيف قصفتنا طائرات “إسرائيل” بعنف ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

إنتشار تشكيلات جيشنا في الأردن
كانت سرايا فوجنا المشاة الآلي/1 مع كتائب دبابات لوائنا المدرع/6 وتشكيلات فرقتنا المدرعة/3 وكتائب مدفعيتها قد أُستُجمِعت بعد (3) أشهر من نكبة (حزيران/1967) بأوقات مختلفة وإنتشرت لدواعٍ شتى في بقاع عديدة من أرض المملكة الأردنية الهاشمية.
ساد الهدوء الجبهة الأردنيّة-الإسرائيلية بشكل عام بعد النكبة ولم يقع سوى البعض من القصف المدفعي المتبادل قبل نشوب “معركة الكرامة” التي دارت رَحَاها ببقعة محدودة من شماليّ “البحر الميّت” ولم تَدُمْ -على أهمّيتها المعنوية- سوى (10) ساعات من نهار (الخميس-21/3/1968) وأسفرت عن خسارة إسرائيلية مشهودة -ولربما للمرّة الثانية في تأريخ جيشها بعد “معركة جنين” عام 1948- مصحوبةً بمقتل العشرات من جنودها ودمار البعض من دباباتها ومدرّعاتها التي تُرِكَت في أرض المعركة لتُعرض أمام الأنظار فترة ليست بالقصيرة قبل أن تُنقل إلى معرض يرتاده المواطنون ويزوره كل زعيم عربي وإسلامي بصحبة جلالة الملك الحُسَين.
البعث على سدة حكم العراق
وفي “بغداد” مع فجر يوم (17/تموز/1968) كان أقرب أصدقاء رئيس جمهوريتنا “الفريق عبدالرحمن محمد عارف” من كبار المسؤولين الذين إعتمدهم لحماية شخصه ونظام حكمه قد إنقلبوا عليه، قبل يستحوذ البعثيون على سدة الحكم في (30/تموز/1968)… ولم يَنْقَضِ سوى بضعة أسابيع حتى إنفلقت عبوة ناسفة وسط الشطر الغربيّ المُحتَلّ من مدينة “القُدْس” منذ عام (1948)، والتي أعلَنَتْها “إسرائيل” عاصمة رسمية لها بُعَيْدَ إنتصارها الكاسح في حرب (حزيران-يونيو/1967)، وأوقع الإنفلاق عدداً من القتلى والجرحى في صفوف اليهود الذين سارعوا إلى قَذف التهمة نحو “بغداد” كونه وراء ذلك التفجير، مُهَدّدين القوّات العراقية المنتشِرة في الأراضي الأردنيّة بأن يُنْزِلوا بحقّها عقوبة شديدة.

أقصى درجات الإنذار
لذلك أُبْلِغْنا بأوامر مشددة لإتّخاذ أقصى درجات الحيطة والحَذَر وعدم السماح لتكدّس العجلات وتجمّع الأفراد لأيّ غرضٍ كان، ورفعت درجة الإنذار إلى أقصاها ومُنِعَت الإجازات الدورية بعد أن غدونا نشاهد بالعين المجرّدة طائرتين إسرائيليّتين من طراز (سوبر ميستير-R أو ميراج-R3) -فرنسية المنشأ- في أجواء “قضاء المَفْرَق” -الذي يتمركز في ضواحي مدينته المتواضعة وحدات جحفل لوائنا المدرّع/6 وقيادة فرقتنا المدرّعة/3 وفوجنا المشاة الآلي/1 المكلّف منذ (أيلول/1967) بحماية “قاعدة الحُسَين الجويّة” من إحتمالات إنزال جوّيّ إسرائيلي بالمظلات أو محمولاً بالهليكوبترات- وهما تحومان بإرتفاع شاهق وببطؤ ملحوظ فوق قطعاتنا بمعدّل مرّتين في الأسبوع الواحد بمهمات بدت أنها لأغراض إستطلاعية، ولكن أي من الطائرات المقاتلة الأردنيّة -طراز هوكر هنتر- لم تقلع من هذه القاعدة لتشتبك معها تحت ذريعة كونها قديمة غير مقتدرة، كما لم تنجدنا كذلك مقاتلات “ميك-21” من (قاعدة الوليد-أيج-3) العراقية لمجابهتها، في حين لم تستطع مقاوِماتنا الأرضية من مدافع (37 ملم) بما فيها مدافع (100ملم-الموجهة بالرادار) من إيصال قذائفها المقاوِمة للطائرات إليهما في ذلك العُلُوّ الشاهق.
كان مضي الأيام كفيلة بأن نُبَسِّطَ الأمور على أنفسنا، بل أصابنا الملل والبرود بعد طول إنتظار ومراقبة ويقظة وحذر بعد إنقضاء شهر كامل على حدث التجير، حتى عدنا إلى حياتنا العسكرية شبه الطبيعية وأُعيد التمتع بالإجازات الدورية.
إنقضت (4) أشهر نَسّبَني خلالها آمر فوجنا “المقدّم الركن محمود مصطفى السامرّائي” لأعمل مساعداً له، وودّعتُه فجر (الأربعاء-4/كانون أوّل/1968) بعد تناولنا لوجبة “السُحُور” في ذلك اليوم الذي وافق (14/رمضان المبارك) ليتمتّع بإجازته الدَوريّة في “بغداد”، ومن دون أن نعلم -بالطبع- ما بَيَّتَتْه لنا “إسرائيل” في ساعات النهار.

ووقع ما كان في الحسبان
كانت السماء مُلَبّدة بالغيوم السوداء المُنخَفِضَة مصحوبةً برياح بطيئة في ذلك اليوم الشتائيّ البارد ذي الطقس الصحراوي القارس، إذْ يُفْتَرَض معها أن يكون الطيران وسط الغيوم صعباً وبالأخص في الإرتفاعات الواطئة، وكان صديقي العزيز “الملازم أول حازم ناجي السَّعْدون” -آمر الثانية بفوجنا- معي في ذلك الملجأ المحفور تحت الأرض والمُسَقَّف بطبقة هزيلة من الصفيح المضلّع والتراب لا يقاوم صخرة، والذي تجمعني معه هواية الطيران ومتابعة أنواع طائرات الركّاب المدنيّة الكبيرة والعملاقة الأمريكية والبريطانية والفرنسية والسوفييتية وسواها من تلك التي كانت تَمْخُر عباب سماء مدينة “المَفرَق” تحديداً لكونها ممرّاً جوياً دوَليّاً لجميع الطائرات -ومعظمها من طرز “بوينغ”- والتي تنقل المسافرين عبر سماء المملكة الأردنيّة، حيث كنّا نتَراهَن ونتَسابَق في التعَرّف على أنواعها بمجرّد الإستماع إلى أصوات محرّكاتها.
كان معظم الضباط والجنود الصائمون عموماً قد إستعدّوا لأداء فريضة صلاة الظهر جماعةً قُبَيل منتصف النهار بـ(5) دقائق تماماً -وهذا ديدَنهم بمعظم أيام شهر رمضان- وقتما إنتبهنا لهدير محرّكات نفّاثة ليس من النوع المألوف، تصوّرناه في أوّل الأمر تَضْخِيماً للغيوم لصداه، ثمّ إعتقدناه لأكثر من طائرة نفّاثة ضخمة يتَزامَن عبورها في سمائنا بوقت واحد… ولكن، ما أنْ أخرج “حازم السعدون” رأسه من سُلّم الملجأ حتى صاح ((قصف جوّي….قصف جوّي))؟؟!! رَاكِضاً بكلّ سرعته نحو مواضع سريّته.

الضربات الجوية المتلاحقة
قفزتُ إلى خارج الملجأ لأشاهد جنودنا يهرَعون نحو مدرّعاتهم، وهناك على بعد حوالي (5) كيلومترات غَرباً شاهدتُ (4) من المقاتلات/هجوم أرضي تنقَضّ تِباعاً على الرادار العراقيّ المنتصب على تلّة عالية، رأيتُه والحسرة تنهش صدري وقد أمسى يتناثر قبل أن ينشب حوله الحريق بفعل ضربة أخيرة من الطائرة الرابعة، وفي لحظة عبور قائد التشكيل بطائرته الأولى فوق رؤوسنا تماماً تَتبعها الأخريات -وجميعُها من طراز (المقاتلات-هجوم أرضي “سوبَر ميسْتير”) فرنسيّة المنشأ- وسط إطلاق عدد من جنودنا صليات غزيرة بلا توقف من رشاشاتهم الثقيلة بإتّجاهها، حتى أهْمَرَتْ المنطقة الإداريّة لفوجنا بحُزَم من صواريخها الحُرة، وكَرّرتـها الثانيةً، لتتصاعد من أوساطها نيران كثيفةً لخزانات الوقود المحترقة والأعتدة والقنابر المنفلقة إمْتَزَجَت من خلالها التُراب الأغْبَر بالدخّان الأسود مع اللون الرُمادي، وقبل أنْ تتوجّه جميعاً وبالعنف نفسه نحو مواضع سريّتنا الثالثة.

المقاتلة-هجوم أرضي الإسرائيلية “سوبر ميستير” التي قصفت فوجنا بواقع (8) طائرات

وفيما أوْشَكَتْ هذه المقاتلات الأربع على ((توديعنا)) فقد ((أشرَقَت)) علينا تشكيلة ثانية تضمّ (4) قاصفات خفيفة طراز “فُوتُور” -فرنسيّة المنشأ كذلك- لِتَتَشَبّثْ بقذف مجاميع قنابلها الخفيفة ومن إرتفاع مُنْخَفِض للغاية على بقعة محدّدة فقط من مواضع السريّة نفسها ومن دون أن تستهدف العشرات من ناقلاتنا المدرّعة طراز (M-113) والمُبَعثَرة هنا وهناك!!! وتُكرِّرها وجبة قاصفات مُشابهة أعقَبَتْها فوراً بلا إنقطاع.
ومن المُستَغْرَب جدّاً أن تنحو (4) مقاتلات-هجوم أرضي والشبيهة بالأولى جاءت ضمن الوجبة الأخيرة، المنحى ذاته!!! حتى كانت الساعة الواحدة إلاّ عشر دقائق حين وَدَّعَنا الطيّارون الإسرائيليّون الذين كنّا نشاهد رؤوس بعضهم المُغَطّاة بقُلُنْسُوَة الطيران واضحةً بالعين المجرّدة، وقتما كانوا يُجازِفون حقيقةً وبكل جرأة ومخاطرة بالإقتراب من سطح الأرض كثيراً حتى خلال الدوران، وقد أن أذاقونا عقوبتهم المُبَيَّتَة لـ(55) دقيقة متواصلة، ومن بينهم طيّار واحد فقط من التشكيلة الثالثة رأينا قاصفته الـ”فوتور” وهي تجُرّ وراءها ذيلاً من الدخّان الأسود.

القاصفة الخفيفة الإسرائيلية “فوتور” التي قصفت فوجنا بواقع (8) طائرات

شمول القصف لكل اللواء
لم يَتلَقّ فَوجُنا تلكم القصفات الجويّة بمفرده، بل كانت معنا كتائب الدبابات الثلاث “خالد، المِقْداد، والمُعْتَصِم” التابعة للوائنا جميعاً والمُنتشرة بمواضعها في مُحيط مدينة “المفرَق” ومعسكرها الشاسع، وبالتوقيت نفسه، ولكن بإستخدام مقاتلات-هجوم أرضي “مِيراج- 3C” فرنسيّة المنشأ كالأُخْرَيات، وبتنسيق لم نستغرِبْه أبداً من سلاح طيران معروف بقدراته وكفاءَة طيّاريه وطائراته في حربَي (سيناء-1956) و(حزيران/1967) السابقتَين.

المقاتلة-هجوم أرضي الإسرائيلية “مِيْراج- 3C” التي قصفت كتائب الدبابات الثلاث للوائنا المدرع/6 بواقع (16) طائرة على كل كتيبة

طائرة واحدة فقط أُسقطت!!!
الذي أحزَنَنا، إضافة إلى إنعدام مجابهة الطائرات الإسرائيليّة بمقاتلات سواء كانت أردنيّة أم عراقيّة، أنّ (64) طائرة إسرائيلية متنوّعة على الرغم من تعرّضها لنيران كثيفة للغاية تصبّها ((70 رشاشة ثقيلة لفوجنا+50 رشاشة ثقيلة لكل كتيبة دبابات+54 مدفع مقاومة طائرات عراقيّة تحيط بمقر الفرقة)) شاركَتها ((18 مدفع م/ط أردنيّ منتصب خلف سياج القاعدة الجويّة الأردنيّة))، فإن أية طائرة إسرائيلية لم تُسْقَط أمام أنظارنا، عدا تلك القاصفة الخفيفة اليتيمة التي لم يَشْفِ غليلنا منظر إنهوائها على أرض جرداء في طريق عودتها وسط بقعة نائية من محافظة “أرْبِـد” الأردنية، بعد أنْ قَذَفَ قبطانها بالمظلّة هابِطاً بالقرب من راعٍ للغنم، والذي سيقتله قبل أن يختبئ حال مشاهدته لطائرة هليكوبتر مُعادية أتَتْ من “إسرائيل” لنجدته حيّاً قبل إخلائه ميتاً.
وقد يكون السبب الرئيس في ذلك الإخفاق -فضلاً عن تحقيق المباغتة لعدم إنذارنا بأية وسيلة قبل بلوغ الطائرات فوق رؤوسنا جراء التشويش العام على الرادارات الأردنية والعراقية، وضُعْف رُماة رشاشاتنا الثقيلة في التهديف وتَهَيُّبهِم من هدير محركات الطائرات النفاثة وإنفلاقات القنابل والصواريخ التي لم يُصادفوها بهذه الكثافة- يعود إلى التحليق الواطئ للغاية للطيّارين الإسرائيليّين والذي يؤدّي بالتالي إلى محدوديّة إفساح المجال لرماة المقاومات الأرضيّة من إستهداف طائراتهم ذات التدريع في بعض أجزائها والتسديد نحوها ببعض التَرَوّي.

تضحيات مُؤلِمة وخسائر مضحكة؟؟!!
كانت تضحياتنا بالأرواح من مجموع كتائب دبابات اللواء تُعَدُّ ضئيلة (3) شهداء و(13) جريحاً والخسائر المادّية لا تُذكَر (3) دبابات مدمّرة و(5) مصابة، إذا ماقارَنّاها مع هَوْل القصف ومُدَّتِه ومئات الصواريخ والقنابل التي إنهمرت علينا… يُضاف إليهم في فوجنا إستشهاد (5) جنود كانوا طائفة رشاشة م/ط وإحتراق كدسَين أرضيّين أحدهما للعتاد والآخر للوقود مع عدد من الشاحنات العاطلة وسط منطقتنا الإداريّة إستهدفتهم إنقضاضات الدُفعة الأولى لوجدها.

خسائر السرية الثالثة
أما في سريتنا الثالثة فلم يُصَب سوى (3) جنود بجروح بسيطة وحدث حريق في ناقلة مدرّعة واحدة فقط، ناهيك عن خسائر مادّية لديها طالما أضْحَكَتنا لتفاهتها، فالتركيز الذي أبداه الطيّارون الإسرائيليّون في دفعاتهم الثلاث على تلك البقعة المحدودة من قاطع السريّة ذاتها، لم تكن سوى حفرة واسعة فُرِشَت فوقها خيمة كبيرة وجُعِلَت مكاناً لأوقات الراحة يتناول الجنود فيها الشاي والقهوة، ومن المؤكّد أن الطيّارين الإسرائيليين ظَنّوها مُستَودَعاً مهمّاً وصيداً ثميناً يجب أن لا يُفَوّت، فإنهالوا عليها بكامل حمولاتهم فدَمّروا فيه العشرات من الأقداح وأوعية الماء والأباريق وكيس من السكّر وصندوق من الشاي الأسود وعدداً من المناضد الخشبيّة وأدوات الطبخ وقناني الغاز السائل!!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وتلك من نوادر الحروب التي لا تُنْسى على عِظَم مآسيها على الإنسان الذي أنعم خالِقُه عليه نعمة النسيان.

نثار شهدائنا
ولكن، وبينما كان “الرائد فَوزي ناجي الحِلّي” آمر السرية الثالثة فَرِحاً لتلك النتيجة التي آل إليها قصف قاطعه بـ(16) طائرة ولساعة كاملة، فقد كنّا نحن بالمنطقة الإداريّة ننظر بأسىً بالغ نحو تلك الأجساد الشابّة الطريّة المتناثِرة شُتاتاً في دائرة لا يقلّ قطرها عن (15) متراً قُصِفَتْ بما يربو على (50) صاروخاً حول رشّاشتهم الأرضية “دشكا” الثقيلة والتي تحوّلت إلى كومة من قطع من الحديد المحترق، وقد أصابتنا -بمن فينا طبيب فوجنا “الملازم إبراهيم أحمد تُوتُونْجِي” ومضمّديه- حيرة غير مسبوقة عمّا يمكن أن نَقْدِمَ عليه أزاء أولئك الشهداء الأعزّاء، حتى بادَرَ بفَرش (5) من بطّانيّاتهم على الأرض مُكَبّراً بإسم الله وداعياً إيّانا لِلَمْلَمَة أعضائهم وأصابعهم وأحشائهم ونِثار جماجمهم وأضلاعهم، حتى لَوْ لَمْ نَستَطِعْ التعَرّف تحديداً على عائديّتها لأصحابها الشهداء، وذلك ماسيُكْسِبنا أجراً من الله عظيماً في هذا اليوم الرمضانيّ… تلك الأجساد التي سيكلّف “الملازم سهيل أحمد الجلبي” بمرافقتها إلى جامع “المفرق” ثم إلى “قاعدة الوليد الجوية العراقية” قبل حملها بطائرة نقل عسكرية إلى “بغداد”.

حديث صريح قبالة “العميد حماد شهاب”
وناهيك عن آمر لوائنا “العقيد الركن عبد المُنعم لَفْتَة الرِيفِي” وقائد فرقتنا “العميد الركن حسن مصطفى النَقيب” وضباط أركانهما الذين تفقّدونا بعد ظهر ذلك اليوم، فقد زارنا ظهيرة اليوم التالي “العميد حمّاد شهاب” -عضو مجلس قيادة الثورة/قائد قوات بغداد- مبعوثاً خاصّاً للرئيس “أحمد حسن البَكر”، ومن عِظَم محبَّتنا له فقد كان لنا معه حديث عتاب صريح للغاية ومفتوح، وخصوصاً عندما قال:-
((أنّ قادة العراق والقادة العرب يحاولون الإحتفاظ بطائرات قوّاتهم الجويّة ليوم تحرير عزيز سيأتي قريباً حين تُجْهِز جيوشهم للإنقضاض على العدوّ الإسرائيليّ!!!!؟؟؟؟؟)).

أذِنَ لي “العميد حمّاد” فتفوّهتُ أمام الجميع:-
((سيّدي العزيز… إسمح لي أنْ أكون صريحاً بعض الشيء، فنحن جميعاً على يقين من تَقَبّلك لمثل هذه الآراء منذ كنّا بإمرتك في شماليّ الوطن قبل عام ونصف وقتما كنتَ آمراً للواء المدرّع/10، ومتأكدون أنّك وأمثالك لا تُغيّرهم المناصب مهما عَلَت… فالقيادات العربيّة تركت أبناءَها ليل نهار وطيلة أيّام تحت رحمة الطيران الإسرائيليّ في حرب حزيران متشبّثة بهذه الذرائع ومثيلاتها من تلك التي لم تَعُدْ تنطلي علينا وعلى المجتمع، لذلك يجب أنْ لا يرى قادتنا شيئاً مَعيباً إذا تحدّثوا بصراحة وأعلنوا على الـمَلأ أنّ الطيران العربيّ كان وما زال غير قادر على مواجهة سلاح الطيران الإسرائيلي، ويجب أنْ تُطرَح الأسباب والجذور من حيث مستويات التسليح والتجهيز وكفاءة الطيّارين وخلفيّاتهم الثقافيّة والعلميّة، فهذا أفضل بكثير من إطلاق حُجج واهية وبيانات لا تُصدّق، وخصوصاً بعد أنْ لمسنا -نحن الضباط على الأقل- مدى التناقض الذي كان يُفَرِّق الوقائع والحقائق الميدانيّة التي عشناها ظهر يوم أمس وسط هذه الأجواء عن تلك المزاعم والإدّعاءات التي أُقْحِمَتْ عمداً لتطرق أسماعنا ليلاً في البيان الرسميّ الذي أصدرته القيادة العراقيّة عن مجريات الأمور في هذه الحملة الجويّة، بحيث يبدو أنّنا لم نتَّعِظْ أو قد نسينا ما أصابنا من نكبة كبرى قبل سنة ونصف من جرّاء هذه التصرّفات قُبَيْلَ حرب حزيران/1967 وما تلاها من نكسات)).

وكم خجلتُ من السيّد “العميد حمّاد شهاب” فور تلفّظي لتلك العبارات، والتي يصعب على عموم القادة إستهضامها، حين بادر مُشَجِّعاً الضبّاط الحضور جميعاً بأنْ يكونوا صريحين وشُجعاناً في طرح الآراء والأفكار، بل وأهداني ساعة يدويّة ثمينة في ذلك اليوم، مُحَمِّلاً إيّاي تحيّاته لوالدي الذي إرتبط معه بعلاقة زَمالة بسيطة في مدينة “كركوك” التي قضى فيها “حمّاد شهاب” (4) أعوام متتالية قبل (17/تمّوز/1968).

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب