كثيراً ما نتساءل ونحن نعيش وسط هذه الأجواء الضبابية والمحيطة بنا نحن العرب،ما إذا كنا قد فقدنا القدرة على التمييز وصاخت أسماعنا عن قعقعة أسلحة العدوانات الغاشمة، وأعشت عيوننا عن رؤية الأحداث والتطورات وإفرازاتها… كلها تدعونا إلى البحث والتقصي والتغيير بعد أن مللنا تكرار أسئلة:- لماذا وصلنا إلى هذا الحال؟ وكيف الخروج من المأزق التاريخي الذي وصلنا إليه؟
قد ملت الأسماع الأجوبة التي تتكرر دون جدوى على طول وطننا العربي وعرضه ذلك إن معظم الأسئلة بات يطرح من قبل رفع العتب، أما الأجوبة فإنها تزوغ عن الحقائق التي تدعي وتبتعد عن الواقع خوفاً من العاقبة أو تهرباً من المسؤولية. وإلا فكيف نفسر سكوت العواصم العربية تجاه الاحتلال الأمريكي للعراق؟ والعدوانات اليهودية ضد اخواننا الفلسطينيين ؟ وبماذا نبرر السكوت والعجز العربيين أمامهما.. وكذلك غيرها من العدوانات والاحتلالات والأحداث الخطيرة العاصفة بالوطن العربي والتي أثرت في مكانته ودوره في العالم وبددت الثروة والطاقات العربية بشكل لم يحلم ألد أعداء العرب بمثله؟
فمن غير المعقول أن يتحرك العالم من حولنا ومن أجل قضايانا بينما نحن أصحاب الشأن كأننا لسنا هنا، ونحاول أن نتجاوز رنين الأصوات الخارجية التي تتداخل وتتصارع لتلتقي في النهاية وتصب في ساحتنا العربية.
فعلاً، ماذا دهانا كي نعيش في الجمود بينما الآخرون يتراكضون وكأنهم في سباق نحو الفوز بجائزة أو كسب كبير. كيف نطالب دول العالم بالانتصار للشرعية الدولية بينما الشرعية العربية نفسها غائبة ومشغولة في قضايا ثانوية وجانبية؟
لماذا استوطنت الحروب أرضنا بينما الصفقات والمساومات التي تطيل في أمد هذه الحروب والتدخلات العدوانية تزيد من نيرانها ومن قسوتها التدميرية تجري على حسابنا ومن فوق رؤوسنا؟ كيف نسكت عن الألم بينما الجرح ينزف والسكين تمعن تقطيعاً وكأنها تنساب في جسد فقد القدرة على الإحساس والقدرة على الرد؟
هذه الأسئلة وغيرها تتزاحم في كل لحظة من لحظات عمرنا ثم لا تلبث أن تغيب وتذوب أمام تدافع الأحداث لترتفع مكانها علامات استفهام جديدة عبر حلقات متتابعة تبقى قاصرة عن البلوغ بفعل توالي التطورات والأزمات من كل جهة وزاوية. وكثيراً ما يخيل إلينا إن هناك من يريد استئصال وجودنا من على الخريطة لحساب مجموعة قوى ومصالح جديدة، وعندما ننظر إلى ما نحن عليه من تشتت وتشرذم وتقوقع، نستغرب كيف خانتنا الذاكرة إلى الحد الذي جعلنا ننسى التاريخ وننسى إن في الزوايا والأركان في تاريخنا العربي صفحات وإنجازات عظيمة وهي جديرة بالدرس والتمحيص والاستنباط.
إن هناك شيئاً ما أو خطأ ما في المسألة العربية لابد من اكتشافه وحصره ومن ثم معالجته فتجاوزه أو التغلب عليه إذ ليس من المعقول أن نعد أنفسنا أمة ثم نتصرف كقبائل وطوائف وأقاليم متصارعة متحاربة؟ وليس من المعقول أن يحاسبنا كمجموعة واحدة أو كشعب واحد ثم يتعامل معنا أو يعاملنا كدويلات صغيرة؟
ليس من المعقول أن ندعي الانتماء إلى أمة واحدة وثقافة واحدة وحضارة واحدة ولغة واحدة، ونطمح لمصير مشترك في الوقت الذي نحيا فيه صراعات قبلية وأحقاداً مذهبية وثارات عشائرية تزيد في تعميقها وتفجيرها نظريات اقتبسناها عن الغرب دون أن نهضمها، وطموحات أكبر من طاقاتنا ومعارك تفرض علينا أو ندخل فيها دون تقدير أو تخطيط أو رؤية مستقبلية؟
ترى ألم يحن الوقت لكي نطرح بعض الأسئلة التي يخش كثيرون من طرحها خوفاً على أنفسهم من طرح السؤال أو من عاقبة الجواب؟
إننا الآن أمام منعطف خطير، فالأحداث تتسارع والتطورات تتلاحق والفصل فيها يجب أن يكون سريعاً وواجباً ملزماً. ففي اعتقادنا إن الدعوة اليوم إلى تضامن عربي تمثل أقل القليل من الواجب عمله في هذه المرحلة الخطيرة والدقيقة من تاريخنا السياسي المعاصر إذ لا يجوز أن يزاول العالم طقوسه ومناوراته ويتحرك دفاعاً عن وجوده ومطامعه في أرضنا العربية ونحن واقفون نتفرج ونتمنى أن يأتي من يدفع عنا الخطر ويزيل الأذى عن طريقنا.
إن الطريق أمامنا مفتوح والمبادرة الإيجابية متاحة لقيام عصر جديد من الشرعية العربية تزامن أو تواكب الشرعية الدولية بحيث تلتقي الشرعيتان لوقف كل التدخلات العدوانية مهما كانت مسمياتها وتضع الأسس وتعين الخطر وبتكافؤ نحو تسويات شاملة وعادلة للنزاعات والصراعات التي استوطنت أرضنا دون سائر الأراضي والساحات وعن جدارة واستحقاق.
إن التضامن العربي في هذه الظروف لابد من أن يفتح الباب أمام لقاءات عربية وعلى مستويات عليا ليصار إلى إنهاء حالة الانقسام في الصف العربي والانصراف بشكل علمي وجدي إلى ترتيب شؤون بيتنا بما يضيف جديداً على صعيد المعادلات والتوازنات ويغير من طبيعة اللعبة وأطرافها.