23 ديسمبر، 2024 11:29 ص

لماذا هي حقوق وليست مطالب ؟

لماذا هي حقوق وليست مطالب ؟

سبق أن حددنا التعبير العلمي الدقيق عن مطالب المتظاهرين في العراق وقمت بإعادة صياغة مطالب المتظاهرين آخذين بنظر الاعتبار ( سلمية التظاهراته وقانونية المطاليب) وفي كل الاحوال فأن الصراع بين المعارضة بشكل عام والحكومة (والمتظاهرون هنا معارضة جماهيرية وليست سياسية بالمعنى الحرفي للمعارضة وهي معارضة “الحالية” ليست معارضة للحكومة أو السلطة فقط بل هي في خصومة واضحة مع السلطة والحكومة والبرلمان والقضاء!) صراع يتسم بكل تأكيد (بالمرحلية) معتمداً على درجة تفهم ومستوى التجاوب مع تلك المطاليب فقد تتحول العلاقة من علاقة حدية حادة إلى علاقة تفاهمية وإيجابية ومن علاقة واقعية ساخنة إلى علاقة جدلية هادئة حال التاكد من حسن النوايا لدى كل الاطراف وبداء التحرك الإيجابي نحو الاصلاح المستمر ؛  وقد يتحول الصراع الى اقصى درجات السلبية والقطيعة والفصام عندها تتغير المطاليب وتتصاعد باتجاه التعبيرعن الإستياء وزيادة درجات الخصومة نتيجة لفقدان الثقة بالحكومة.

ومن مصلحة الطرفين الحكومة والمعارضة ( المتمثلة هنا في المتظاهرين) الوصول الى مشتركات تسهم في تهدأة الأوضاع ونزع فتائل الأزمة طالما أن الطرفين لا يملكان إسقاط الأخر أو إلغائه .

وبغض النظر عن إقتناع الحكومة بحقوق وطلبات ( المتظاهرين ) ومدى قناعة (المتظاهرين) بإستجابة الحكومة ومصداقيتها فإن أي منهما لو تمكن من إلغاء الأخر أو إسقاطه لفعل ولكنهما يدركان أن ذلك محال أو أن ثمنه باهض يعجز الشعب العراقي عن تقبله لذا يبقى الحوار و تفهم الآخر و (المعايشة ) هو الحل الأمثل للطرفي الصراع خصوصاً إن عجزا عن الوصول الى (المشاركة).

وهذا يعني بالضرورة سلوك طريق الإصلاح بالمفهوم (السلمي)  بعيداً عن إستخدام (القوة) بالمنظور الأمني و للمتظاهرين الحق بالبحث عن طرق الإصلاح الثورية إذا ما أستخدمت القوة في مواجهتهم ولهم الحق عندها والمبرر طالما خرجت السلطة عن الشرعية الدستورية  في البحث عن (توازن قوة) يعصمهم ويحميهم من بطش سلطة الحكومة وتعسفها ؛
 لذا فإن من مصلحة العراقيين بشكل عام عدم وصول الصراع إلى هذا المستوى لكونهم سيكونوا ثمناً باهضاً لصراع الإرادات ؛
 وعلى الطرفين أن يدركوا أن ثمن ذلك سيكون غالياً ولا أحد يستطيع تحمله بغض النظر عن حقيقة الصراع العقائدي الذي لا يحتمل الحيادية ولا يبرر حجم الدمار والخسائر الباهضة التي يترتب عليه ذلك الصراع (سوريا مثلاً) فقد يكون الحق مع أحد الطرفين دون سواه ولكن الحقوق لا يمكن أن تتجزاء وهي إستحقاق عادل للجميع ومن هنا كان روعة الإختراع العظيم (التظاهرالسلمي) وخطورة وأهمية شعار(سلمية) وهي فرصة كبيرة ورائعة للمراجعة والتمحيص و فرصة للعبور من فوق نيران العنف ومأسيه وهي فرصة للحاكم قبل المحكوم يمكنه إستيعابها و(فهمها) قبل فوات الأوان ؛ ولا بأس على المتظاهريين أن يعطوا فرصة للحاكمين إذا ما أقنعتهم الحكومة والدولة أنها بدأت تتفهمهم و أعترفت لهم بالحقوق المطلوبة ومنحتهم الخطوة الاولى التي لا يمكن تجاوزها وهي تحقيق العدالة وإقرار القانون ومنع التعسف وأمتهان حقوق الإنسان وتلك كلها ليست مطاليب معارضة أو متظاهرين ضد الدولة بل هي حقوق دستورية لكل مواطن لابد من محاسبة من إرتكب جريمة حجبها وسبب للدولة أذاً باهضاً حين إنتهك الدستور والقانون ؛ وعلى سبيل المثال على الدولة بكل مكوناتها (البرلمان والحكومة والقضاء) أن تعي وتتحقق لتتأكد من انه لا يملك أي إنسان في الدولة أن يظلم أبسط مواطن بأبسط شيء (مجرد إهانة) لا أن تعطى الصلاحيات المفرطة للإعتقالات العشوائية والإحترازية التي لا معنى لها ولا يسمح بها الدستور إلا في حالة الطواريء  و الإعتقال يتم بموجب مذكرة قضائية ولمدة قصيرة ومحددة  وبوجود محامي منتدب من المتهم أو ذويه ولا يمتلك الضباط والأجهزة الأمنية سوى الصلاحية الضبطية وليس لهم سلطة تحقيقة وليس لهم الحق في فتح معتقلات يعتقل فيها المدنيين وحقوق الإنسان مصانة بغض النظر عن جنس الإنسان ومعتقده وله الحرية المطلقة في إعتناق أي فكر؛ والعدالة حق إلاهي وشرعي وقانوني ودستوري والظلم جريمة شرعية وقانونية ودستورية وكل تلك الامور  مبتدآت بالدستور العراقي الحالي والذي تنتهك كل يوم من قبل أجهزة الحكومة بل ويحدث أكثر من ذلك على مدار الساعة حتى كفر الناس بالدستورالدولة ليس لما فيه من عوار واضح بين بل لكونه لم يحقق العدالة والامان لهم والكثيرين لا يعرفوا ان في الدستور من المواد ما تحميهم لو طبقت فعلا ولم تنتهك من قبل أجهزة الدولة المتعسفة  ؛ ولن يخرج الناس للتظاهر وبهذا الشكل بناء على أمر خارجي بل هي تأكيد وتعبير عن معانات كبيرة وشعور بالإضطهاد والتمييز .

والخطوة الأولى التي يجب على الدولة بمكوناتها أن تتخلص من ركام الظلم الذي تحقق على أيدي نفر ظال ومظل من بعض القائمين على أجهزة الدولة مما يسيء للدولة ويهدد العملية السياسية القائمة الآن فعلاً ويهدد سمعة القضاء كما يهدد سمعة كل القادة السياسين من المعارضة ومن الحكومة أيضاً ويعلن عن فشلهما وفشل الدولة برمتها لا أن تتحمل جريمة من أفسد ودمر بحق العراق والعراقيين .

نعم لابد من الإعتراف أولاً بوجود إنتهاكات خطيرة للدستور وللقوانيين ولحقوق الإنسان يمارسها ضباط فاسدون ومفسدون وعلى الدولة أن تفرض إحترامها وهيبتها وتقصيهم عن  مناصبهم التي سبوا العباد والبلاد من خلالها وتسخر كل أجهزة الدولة لرصد كل تلك الإنتهاكات وإزالتها ومعالجة آثارها ومحاسبة مرتكبيها ولا حصانة لهم بعد اليوم ( الغريب أن أسماء الكثير من هؤلاء المجرمين معروفين وعليهم قضايا وجنايات متعددة فكيف تسلم لهم رقاب العباد ) ؛ نعم لقد حفلت السجون خلال الفترة الماضية بآلاف من الأبرياء أخذوا من غير جريرة وأعترفوا من غير جريمة وحكموا بما وقعوا عليه بغير علم ! إذا لم تعترف الدولة من خلال البرلمان والحكومة والقضاء وتعزم عزما آكيدا وحقيقياً على إنتزاع هذا الظلم وإزالته وإزالة مخلفاته وإطلاق سراح الآف الأبرياء من السجون والمعتقلات ( ومنهم من قاوم الإحتلال الأمريكي وأخذ بجريرة ذلك)  فسيكون ذلك إعلان بفشل الدولة ( وفشل الدولة اخطر بكثير من فشل الحكومة) التي يقودها التيارات الدينية المختلفة وبذلك سيكون إعلان بفشل تلك التيارات عن قيادة الامة بكل مكوناتها وهذا أمر لا يقل خطورة عن فشل الدولة إذ يعلن فشل المكونات في التعايش السلمي عبر دولة لها صبغتها الدينية وتأتمر بأمر مرجعيات دينية ! . وهو رسالة سيئة للمتظاهرين تدفعهم نحو اليأس من الدولة والحكومة ومن مبداء (السليمة) التي بني على خلفية المعايشة والأمل الإجتماعي بالحل العادل وذلك أمر خطير لا تحمد عقباه كما قدمنا وعلى الدولة أن لا تقتل الأمل في نفوس المتظاهرين من شعبها ولا تدفعهم نحو المجهول و أن تبشرهم بالخير والتفهم لما يطالبون به من حقوق بل على الحاكم الأمين أن يتبنى ما يريد شعبه فهل في تحقيق العدالة وإجتثاث الفاسدين والمفسدين والجناة جريرة بل هو واجب الحاكم
وهكذا إصلاح القضاء وإجتثاث المفسدين والمرتشين والحاقدين والطائفيين والمتخلفين والجهلة منه واجب لا يمكن أن يكون هناك دولة لا يوجد بها قضاء عادل و منصف وفي القضاء الآن (بعض الدخلاء) عليه والمسئين له لابد من إصلاحه عبر آليات وتشريعات وقوانيين و وسائل و لا يؤتمن أي مجتمع لا تتحقق فيه العدالة وأنتظر الدمار والعنف والجريمة والرجوع إلى عصور التخلف والوحشية مع الظلم وغياب العدلة .
وهكذا تكوين أجهزة الدولة ليس بتوازن مكوناتها لكن بمقدار العدالة المتحققة والفرص المتساوية ولا يمكن ان تنجح الدولة وتنجوا من الفشل إذا ما أسند الأمر إلى غير أهله من الخبراء والمختصين ولابد من إختبار الأفضل بغض النظر عن معتقده وجنسه
وهكذا على الدولة أن تحقق أهم أركان العقد الإجتماعي مع شعبها وهي تحقيق القانون والعدالة لا كما يريدها البعض بل كما هي وأعدكم متى ما شعر الناس بعدالة الدولة سيعودوا آمنين إلى دفء بيوتهم وحنان عوائلهم الذي أفتقدوهما .
 عندما تكون هناك دولة عادلة يعتقد الناس إنها تمثلهم وتحميهم فسيرتمون في آحظانها فهل سينجح البرلمان والقضاء والحكومة ورئيس الوزراء في تحقيق ذلك وإطفاء النيران وحقن الدماء؟! وإنصاف المظلومين الذين لا تعترف الدولة حتى الآن بمظلوميتهم !!!
 الأمر متاح لمن يريد صناعة مستقبل مشرق آمنٌ للعراق

[email protected]