19 ديسمبر، 2024 3:30 ص

سؤال يقدح في  الاذهان, ويترقرق على شفاه العاشقين,لماذا نعشق عليا بن ابي طالب؟
 هل نعشقه لانه وليد الكعبة؟ أم لانه شهيد المحراب؟أم لأن الله كرم وجهه فلم يركع لصنم؟ أم لأنه ابن عم الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ أم لانه زوج فاطمة الزهراء بنت النبي الكريم وسيدة نساء العالمين؟ أم لانه ابو الحسن والحسين ولدا رسول الله الذي قال (ان الله تعالى جعل  ذرية كل نبي في  صلبه, وان الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن ابي  طالب)؟ أم لأنه وصي رسول الله وخليفته الشرعي في أمته (انت اخي وخليفتي)؟ ام لأن الله سبحانه وتعالى انزل فيه قرأنا وأمرنا بولايته يوم قال(إنما وليكم الله ورسوله والذين امنوا, الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)؟ ام لأنه اول الناس اسلاما وأشدهم دفاعا عنه حتى قال فيه الرسول ما مضمونه ( بني الاسلام بثلاث: بنبوتي وبمال خديجة وبسيف علي)؟أم لأن النعمة تمت, والدين اكتمل بولايته التي قال فيها الله ( اليوم اكملت لكم دينكم, وأتممت عليكم نعمتي,ورضيت لكم الاسلام دينا)؟ ام لأن آية التبليغ نزلت فيه يوم خاطب الله نبيه الكريم بالقول( ياأيها النبي بلغ ما أنزل اليك من ربك, وان لم تفعل فما بلغت رسالته) فما كان من الرسول الا ان امر ان يبنى منبرا من سراج الخيل عند غدير خم وارتقى المنبر ومعه علي, فأخذ بيده ورفعهاحتى بان بياض ابطيهما وهتف بالناس قائلا  ( ايها الناس من كنت مولاه فهذا علي مولاه,اللهم والي من والاه وعادي من عاداه) فتهافت الناس يبايعون عليا ولياً لهم ويباركون له حتى قال له قائلهم بخ بخ لك يابن ابي طالب اصبحت مولاي ومولى كل  مؤمن ومؤمنة.
هل  نعشقه لانه خليل رسول الله وامين سره واخوه في  المؤاخاة والقائل له ( اما  ترضى ان تكون مني  بمنزلة هارون من موسى الا انه لانبي  بعدي)؟ والقائل  له ايضا( انت اخي  ووزيري وخليفتي  من بعدي)؟
كلا لانعشق عليا لذلك فقط, وان كان ذلك يكفينا لانه نعشقه ونواليه ونشايعه ونتبعه, ولكن نعشق عليا لانه الامتداد الطبيعي لرسول الله في  اخلاقه وسيرته وسنته وسلوكه, في حركاته وسكناته, ولأن عليا يمثل مع الرسول الكمال  الانساني الذي تجسد في النوع البشري الذي خلقه الله والذي لأجله أمر الله ملائكته الكرام بالسجود لآدم (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون, فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين, فسجد الملائكة كلهم أجمعون,  إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين,  قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين, قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون ) اذ لايعقل ان الملائكة سجدوا لفرعون او النمرود, او أبي لهب او هند بنت امية آكلت الاكباد, أو لمعاوية بن حرب بن ابي  سفيان, او ليزيد بن معاوية قاتل ابناء الانبياء, او للحجاج بن يوسف الثقفي, او لابي العباس السفاح مؤسس الدولة العباسية, او للمتوكل  العباسي, او لطغاة العصور والدهور او المتجبرين والمجرمين؟ لايعقل  ذلك, اذ لابد ان يكون سجود الملائكة لمن يحمل الكمال الانساني ومن غير الرسول محمد ووصيه علي يتحلى بهذا الكمال. بكلمة اخرى اننا نعشق علي ومن قبله نعشق نبينا محمد لانهما يمثلان الانسان الانموذج الذي  فضله الله على اهل السماء والارض وعلى ملائكته, اذا نحن نعشق الخَلق والخُلق الالهي المتكامل (وانك_يامحمد_ لعلى خلق عظيم) وان تلميذك علي واخيك وصنوك في  الخلق لهو على خلق عظيم ايضا.
نعشق علياً لانه امتداد الوحي الالهي الذي  انقطع برحيل  الرسول  الاعظم محمد (ص), ولانه يحمل روح الوحي وتعاليمه الراقية التي اخذها عن الرسول (ص) الذي قال فيه (أنا مدينة العلم وعلي بابها, ومن اراد العلم فليأت من بابها) ومعلوم ان من يأتي المدينة يلجها من بابها, فعلي باب الرسول, والرسول باب الوحي, والوحي باب الله جلَّ جلاله, وعليه فإن عشقنا لعلي هو عشقنا لله الخالق  المبدع.ان حديث الرسول المتقدم  فيه أمر ارشادي ان لم يكن الزامي بإتباع علي  لأنه صاحب  العلم والمعرفة والحكمة, ولما كانت (الحكمة ضالت المؤمن) فعليه ان يأتخذها من منبعها الاصلي اي من علي عليه السلام الذي يحمل علم الرسول  وحكمته وهو باب  ذلك العلم وتلك الحكمة.
نعشق  علياً لأنه (النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون) فلم يعرف التاريخ الانساني برمته شخصاً اختلف فيه وعليه كعلي بن ابي طالب, والذي لاتزال الناس حتى يومنا هذا فيه مختلفون. فأي  سرٍ يحمل عليُ حتى اختلف  فيه الناس؟ وكيف لا وقد اخبره بذلك حبيبه رسول  الله محمد يوم قال له (ياعلي هلك فيك اثنان محب غال ومبغض قال) اي محب غال فيك حتى اوصلك الى درجة الالوهية فكفر  فهلك, ومبغض متقول عليك , شانئ لك فهو منافق والمنافقون في الدرك الاسفل  من النار.
نعشق علياً لانه اليقين ولانه الحق وفي ذلك يقول الرسول (علي مع الحق والحق  مع علي) وهل من بعد الحق واليقين الا الضلال والظن والله تعالى يقول (ومايتبع اكثرهم الا ظنا, إن الظن لايغني من الحق  شيئا, ان الله عليم بما يفعلون). ولكم هو الفرق كبير بين من يتبع اليقين والحق وبين من يتبع الظن.
نعشق علياً لانه العلم والفقاهة والحكمة والروعة, فهو ايقونة الدهر.علي القائل (سلوني  قبل ان تفقدوني,سلوني عن طرق  السماء فأني اعلم بها أكثر من طرق  الارض), ما قالها احد من قبله ولا من بعده, فأي علم وفقاهة وحكمة هذه التي يحملها علي بين جنبيه, لم لا وهو ربيب رسول الله الذي زقه العلم زقا وفي ذلك يقول علي ( علمني  رسول  الله الف باب من العلم يفتح من كل باب الف باب), فهل نلام اذا ما عشقنا وشايعنا رجلاً علمه رسول  الله الف الف باب من العلم, بل هو العلم والحكمة تمشي على الارض؟ 

نعشق عليا لانه رمز العدالة الاجتماعية ونصير المستضعفين, كيف لا وهو القائل (الناس  صنفان اما اخ لك في  الدين او نظير لك في  الخلق), فعلي لايميز في موضوع العدالة والمساواة بين مسلم وغير مسلم, فالناس عنده سواسية كأسنان المشط ,وقد ورد عنه عليه السلام قوله ( الذمي  والمستأمن والمسلم في الدية سواء) وهذه هي العدالة والمساواة بعينها, فنظرته لهؤلاء جميعا على انهم بشر وخلق  الله, فهم عيال  الله ومن هنا فهم متساوون بغض النظر عن معتقدهم, او دينهم, او عرقهم او اصلهم. وفي عقيدتي ان قريشا واتباعها من اصحاب الفكر الشوفيني في  عصرنا الراهن كرهوا علياً لانه رفض ان يميزهم بالعطاء او التعامل, او ان يفضلهم على غيرهم. فعلي  يتعامل  مع الانسان بما هو انسان وكل الناس  بالتالي من اصل واحد ( كلكم من آدم وآدم من تراب, لافضل  لعربي على اعجمي الا بالتقوى, ان اكرمكم عند الله اتقاكم) هذه هي القيم والمباديء التي  ينطلق منها علي في تعامله مع الاخرين, الامر الذي  اثار عليه نقمة المتجبرين اولئك الذين يرون انفسهم افضل من الاخرين وأعلى شأنا منهم, وهذا احد الاسباب التي جعلت القوم يقدمون المفضول على الفاضل,اي  يقدموا من هو اقل علما ومعرفة وفقاهة وتقوى وشرفا وجهادا ومنزلة على علي بن ابي  طالب لا لشئ إلا لأن علي رفض الانصياع الى رغباتهم التي تتعارض والاسلام المحمدي النقي والفطرة الانسانية السليمة.
هل  تعرفون شخصا من بعد رسول الله عبر التاريخ الانساني تحلى بهذه الصفات غيرعلي بن ابي طالب؟ هذا غيض من فيض في عشقنا لعلي وما من عاقل منصف الا وعشق علياً واتبعه وشايعه واتخذه اماماً وولياً, فأشهدوا لي عند الله وعند رسوله انني أشهد ان علياً ولي الله, عليها نولد, ونعيش وعليها نموت, ونسأل الله ان تشفع لنا( يوم لاينفع مالٌ ولا بنون الا من أتى الله بقلب  سليم).
وصدق القائل:
علي الدر والذهب المصفى   وباقي الناس كلهمُ تراب.
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات