لماذا نرفض اتفاقية خور عبدالله؟

لماذا نرفض اتفاقية خور عبدالله؟

اشتد اوار الجدل حول اتفاقية خور عبدالله، والغالبية العظمى من الشعب العراقي رافضاً لها، الا ان البعض وهم الأقلية ومنهم من المختصين بالقانون ومن السياسيين وغيرهم، لهم رأي اخر بان تلك الاتفاقية قد تم التصديق عليها وأصبحت قانون، وتم الطعن بها في عام 2014 امام المحكمة الاتحادية العليا وقد ايدت دستورية قانون التصديق عليها، ومن ثم لا يجوز للمحكمة ذاتها ان تصدر قرار اخر يقضي بعدم دستورية قانون التصديق، واستند هؤلاء على ان الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا بات ولا ينقض، والقرار الأخير هو ليس عدول وانما نقض للحجية، وفي هذا الاطار القانوني الصرف المتجرد عن أي معايير أخرى، صحيح، لكن رفض الشعب لهذه الاتفاقية له سبب اخر، ولا اظن انه قد فات على القابضين على السلطة في العراق، وهذه الأسباب على وفق الاتي:
ان التصديق على اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله مع دولة الكويت ألموقعة في بغداد بتاريخ ٢٩/٤/٢٠١2 هو تصديق واعتراف بكل فقراتها، وحيث انها تتضمن اعتراف صريح بترسيم الحدود الذي تم بموجب قرار مجلس الامن رقم 833 وعلى وفق النص الوارد في المادة (6) من الاتفاقية الذي جاء فيه (لا تؤثر هذه الاتفاقية على الحدود بين الطرفين في خور عبد الله المقررة بموجب قرار مجلس الأمن رقم ٨٣٣ لسنة ١٩٩٣) . وهذا يعني ان الاتفاقية لها مساس مباشر بالأراضي والشواطئ العراقية التي اقتطعها الترسيم من العراق ومنحها الى الكويت.
ان ترسيم الحدود لم يتم بالطرق التي رسمها القانون الدولي او الأعراف الدولية، وانما بموجب قرار قسري ارغم العراق على التقيد به دون ان تكون له إرادة في ذلك، حيث استند الترسيم الى قرار مجلس الامن رقم 833 لسنة 1993 الذي صدر استنادا لقرار مجلس الامن رقم 687 لسنة 1991 والذي الزم العراق بقبول الترسيم للحدود، والعراق ليس له رأي او قبول وانما خضع مرغماً، وفعلاً اصدر النظام السابق قرار جمهوري بالقبول، ولم ترضى الدول الكبرى، فاصدر قرار اخر عن مجلس قيادة الثورة المنحل، ولم يرضيهم ايضاً، فاصدر قانون عن المجلس الوطني المنحل ويمثل السلطة التشريعية في حينه، والمراقب يلاحظ مدى الاذلال الذي كان عليه النظام السابق، ومدى فقدانه لإرادته
وحيث ان العرف والقانون الدولي يعتمد وسيلتين لترسيم الحدود اما عن طريق ابرام اتفاقية ثنائية بين دولتين، او عن طريق قرار قضائي يصدر عن محكمة العدل الدولية عند تصديها للنزاع الحدودي وتكون الدولتين لهما حق الدفاع امام المحكمة بالتساوي.
لكن الطريقة الهجينة التي تم بها الترسيم لم تكن مألوفة ولا أساس لها، كما لا تدخل باختصاصات مجلس الامن الواردة في البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بل على العكس وردت فيه المادة (40) التي اكدت على عدم جواز المساس بحقوق الأطراف المتنازعة او مراكزهم وعلى وفق النص الاتي (منعاً لتفاقم الموقف، لمجلس الأمن، قبل أن يقوم توصياته أو يتخذ التدابير المنصوص عليها في المادة 39، أن يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضرورياً أو مستحسناً من تدابير مؤقتة، ولا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم، وعلى مجلس الأمن أن يحسب لعدم أخذ المتنازعين بهذه التدابير المؤقتة حسابه.)
ان مجلس الامن في ما يتعلق بحل النزاع ودياً ليس له الا ان يوصي ولا يجبر الأطراف على القبول، ويترك الحل الى الطرفين باللجوء الى القضاء وعلى وفق ما ورد في المادة (36) من ميثاق الأمم المتحدة التي جاء فيها (منعاً لتفاقم الموقف، لمجلس الأمن، قبل أن يقوم توصياته أو يتخذ التدابير المنصوص عليها في المادة 39، أن يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضرورياً أو مستحسناً من تدابير مؤقتة، ولا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم، وعلى مجلس الأمن أن يحسب لعدم أخذ المتنازعين بهذه التدابير المؤقتة حسابه)
لكن القرارات (687 و833) كانا قرارين من صدرا عن مجلس الامن باختصاصه الحربي والعسكري تحت بند استعمال القوة، وهو ما يؤكد فقدان الإرادة لدولة العراق، كما ان العراق في ظل الفترة التي صدرت بها تلك القرارات لم يكن كامل السيادة بل كانت سيادته منقوصة، فهو يعاني من حصار شامل وعقوبات تمنعه من التصرف بموارده، ويحظر عليه الطيران في ثلثي اجوائه، وثلث من ارضيه خرجت عن سيطرة الحكومة المركزية بانفصال كردستان وادارته بإدارة ذاتية محمية من الدول الكبرى،
وحيث انه العراق آنذاك كان منقوص السيادة، فانه سوف لن يوفر الغطاء الشرعي لاي قبول باي ترسيم للحدود، وفي حال اعتبار القبول الصادر عنه بما قررته لجنة قرار مجلس الامن 833 بمثابة الايجاب لإبرام الاتفاقية، فانه كلام مردود على قائله، لان العراق كان مكرهاً في ظل الوضع العسكري القائم الذي أدى الى استسلام النظام السابق لكل ما يطلبه التحالف الدولي،
وفي اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 حيث اعتبر الاكراه سبب من أسباب بطلان أي اتفاقية وعلى وفق ما ورد في المادة (52) التي جاء فيها (تكون المعاهدة باطلة إذا تم التوصل إلى عقدها بطريق التهديد أو استخدام القوة بصورة مخالفة لمبادئ القانون الدولي المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة)
كما يعتبر قبول النظام السابق بهذا الترسيم المذل باطل لوقوعه تحت الاكراه، حيث كان رئيس وأعضاء النظام السابق في خوف على حياتهم وعلى نظامهم السياسي، والقبول كان بالإكراه، وتتم ملاحظة ذلك من وسيلة القبول التي تقررت بثلاث قرارات صدرت عن النظام السابق، تحت التهديد وهذا ما يجعل من القبول باطل وغير ذي إثر قانوني على وفق احكام المادة (51) من المعاهدة التي جاء فيها (ليس لتعبير الدولة عن رضاها الالتزام بمعاهدة والذي تم التوصل إليه بإكراه ممثلها عن طريق أعمال أو تهديدات موجهة ضده أي أثر قانوني.
لذلك فان الرفض الشعبي لاتفاقية تنظيم الملاحة هو رفض الاعتراف بترسيم الحدود، لان المصادقة على تلك اتفاقية الخور، سوف يؤدي الى الاعتراف بمخرجات قرار مجلس الامن رقم 833 لسنة 1993 حيث ورد في المادة (6) من اتفاقية الخور اعتراف صريح بترسيم الحدود مثلما تم توضيحه في أعلاه،وهذا هو الأساس الذي اعتمده الشعب،
وسبب الاحتجاج وهذه الغضبة الشعبية أُرغِمت السلطة التنفيذية على الاستجابة الى مطالب الشعب وسحب الدعوى(طلب ابطال عريضتها) ثم امتنع مجلس النواب عن التصويت عليها مجدداً انسجاما مع المطالب الشعب الغاضب، ونامل ان لا يختلف موقف السلطة القضائية عن مسار السلطتين التشريعية والتنفيذية والاستجابة للمطلب الشعبي الرافض لتلك الاتفاقية، بل ندعو الجميع الى اتخاذ التدبير اللازم لتحرير العراق من قرار مجلس الامن رقم 833 الجائر اما بإصدار قرار جديد من مجلس الامن او باللجوء الى محكمة العدل الدولية لإبطال ما ورد فيه، استنادا الى نص المادتين (51 و52) الواردتين في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969.
وفي حال الظرف الدولي لا يسمح في الوقت الحاضر، فلا ضير من التريث الى ان تحين الفرصة المناسبة، على ان لا نمنح الخصم الفرصة بان العراق بحكوماته التي تلت عام 2005 قد اقر بما كان قد قبل به النظام السابق، ومن ثم يصبح الدفاع عن الحقوق صعباً،
كما ننوه الى ان بعض مواقع التواصل الاجتماعي للدولة جارتنا قد هللت وكبرت لما كان قد عرضه السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى حول اتفاقية الخور، فان الشعب العراق وهو يدرك ان ما قام به ذلك النظام لا يمثل إرادة الشعب، ومع ذلك قدم العراق التعويضات التي فاقت الاضرار المزعومة بعشرات المرات ومن أموال الشعب العراقي وتحمل العوز والجوع، لذلك فان الشعب قد اعلن عن موقفه الرافض لهذه الاتفاقية ولسان حاله يقول، ان كان العراق قد اخطأ في الهجوم على الدولة الجارة، فانه لن يخطئ في الدفاع عن حقوقه مهما كان الثمن، ويعلم الجميع ان العراق له القدرة على المطاولة والتضحية من اجل حقوقه، وافضل مثال معاصر موقف الشعب في تحرير أراضيه التي اغتصبها الإرهاب، وكيف استعادها، بإرادة شعبية وليس بإرادة حكومية رسمية، مع ان حجم الأراضي التي استعادها تعادل اضعاف مساحة ما سار به الترسيم الحدودي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات