المرجعية الدينية ؛ مفهوم شيعي ، معناه رجوع المسلمين الشيعة إلى من بلغ رتبة الاجتهاد و الأعلمية ، لأجل الإفتاء باستنباط الأحكام الشرعية ، في مسائل العبادات والمعاملات ، ومن أصبح مؤهلاً لمنصب الإفتاء ، بأن يوثق آراءه في الأحكام الفقهية بكتاب يسمّى (الرسالة العملية)،يعبّر عنه بـ(المرجع الديني) أو(آية الله العظمى) في المصطلح الشيعي .
يرجع الشيعة إلى المراجع أو مراجع التقليد لمعرفة الأحكام الفقهية، وقد يمتد نفوذ المراجع إلى التدخل في مسائل سياسية واجتماعية ، كما وقع ذلك مراراً في تاريخ المرجعية الشيعية.
والمرجع ؛ هو طالب علوم دينية درس في الحوزات العلمية (النجف وقم غالباً) وقضى سنيناً في الدراسات العليا حتى حاز على رتبة (الاجتهاد) وأصبح مؤهلاً للإفتاء.
يُستدل على مشروعية المرجعية ؛ بالدليل العقلي القاضي بأن يرجع الجاهل في الأمور التي لا يعلمها إلى المتخصص العالم بها، وبما روته الكتب الحديثية الشيعية عن الإمام المهدي(ع) آخر أئمة الشيعة من قوله: وأما الحوادث الواقعة ؛فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجّة الله.
لقد كان الشيعة في القرون الإسلامية الأولى يرجعون إلى أئمة أهل البيت (ع) .. يستفتونهم في مسائل الحلال والحرام. وقد استمر هذا الحال إلى زمان الإمام الثاني عشر المهدي(ع)، الذي يعتقد الشيعة بأنه قد غاب غيبيتين؛ الأولى كانت الغيبة الصغرى ، وكان له سفراء أربعة يشكّلون حلقة التواصل بين الإمام المهدي (ع) وبين شيعته في مختلف الأقطار، فكانوا يحملون إليه رسائل شيعته ومحبيه وأسئلتهم ، ثم يأتون إليهم بالجواب ، ومن مهامهم أيضاً أنهم كانوا يستلمون الحقوق الشرعية (الخمس) .. (هو غير الزكاة) .. {هو 1/5 من المغانم التجارية التي يحصل عليها المسلم الشيعي من ريع سنة كاملة ، تقدّم إلى آل بيت رسول (ص)(حصراً) .. لتصرّفهم بها في حاجة القياد والأولاد والعباد} ويحملونها إلى المهدي(ع) أو يتصرفون بها بإذنه حسب ما تقتضيه المصلحة. وقد استمر عصر الغيبة الصغرى من سنة 260 هـ حتى سنة 329 هـ ، والسفراء الأربعة هم على التوالي: عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمد بن عثمان العمري، والحسين بن روح النوبختي ، وعلي بن محمد السمري، وجميعهم مدفونون في العراق ، ولهم مزارات معروفة .
بوفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري(رض)؛ انتهى عصر الغيبة الصغرى ، فبدأ عصر الغيبة الكبرى ، حيث بدأ الشيعة يرجعون في أحكام الدين والفتاوى الشرعية إلى علماء الدين الذين تصدّوا للمرجعية ، واستمر عصر الغيبة الكبرى إلى زماننا الحالي .
من هنا ؛ جاء الخضوع والولاء والإذعان إلى رأي المرجعية الشيعية .. دون أن يكون أي اهتمام بجنسية المرجع أو شكله أو طوله ، على أساس القاعدة الإسلامية العامة ((إنَّ أكرمكم عن الله أتقاكم)) . لكن ؛ عندما تتحيّر المرجعية بين أعلمين في الحوزة العلمية .. هذا (سيّد) قرشي وهذا
(شيخٌ) ؛ تؤول الأفضلية إلى المرجع الهاشمي النسب .. من آل بيت رسول الله (ص)، ويتميّز السيد القرشي بعمامته السوداء ، والشيخ بعمامته البيضاء ، وكلّهم علماء وفقهاء إفتاء أجلاء مقلَّدون.
بعد الغيبة الصغرى للإمام المهدي (ع) (ثاني عشر أئمة أهل البيت عليهم السلام) ، وأوان عصر الغيبة الكبرى ، بقيت الأمّة الإسلامية بمذهبها الشيعي الإمامي الإثني عشري دون قيادة روحية معصومة .. فهي تأجّلت حتى موعد الظهور المنتظر ، وهذا لا يبرر أن تبقى الأمّة دون إفتاء لما يستجد من المسائل والأحكام الشرعية ، لذا ؛ فقد جُعِلَ المرجعُ نائباً للإمام المهدي(ع) في عصر الغيبة الكبرى.. يتولى استنباط الأحكام الشرعية للمسلمين الشيعة في العالم أو الدول.. حسب صيغة تسمى (التقليد) ؛ وهي تعني أن يقلِّدَ المكلَّفُ العاقل البالغ (ذكراً أو أنثى) مرجعاً .. مجتهداً .. عادلاً .. معروفاً ؛ يتبعه المقلِّدون من المسلمين الشيعة في الرأي الشرعي الذي يتبعونه في عباداتهم ومعاملاتهم كافة ، ولا يُعذر المكلفون بعدم التقليد ، لكنهم يعذرون في قناعاتهم بتقليد الأعلم .. حتى وإن نأى عن الوطن الأمّ .
عليه ؛ فليس من اللائق وطنياً ؛ أن نحشر المرجعيات الفقهية الشيعية في تعقيدات وخصومات العملية السياسية العراقية. المرجعيات الشيعية ؛ جهات تفقيه العباد بأمور الدين .. المعاملات والعبادات. هم ليسوا سلطة مبسوطة اليد في البلاد الإسلامية.جاءوا إلى العراق من إيران وباكستان وغيرها ، لكي ينهلوا من الفكر الرسالي المحمدي الإمامي في النجف الأشرف .. جوار ضريح أمير المؤمنين علي (ع). فلماذا تحمّلون المرجعيات الشيعية هذه المسؤولية .. التي هي مسؤولية السياسيين الداخلين في العملية السياسية ومسؤولية الجماهير العراقية ؟!!!
نعم ؛ لا ينكر أحد ، إنَّ المرجعيات الشيعية في العراق والعالم الإسلامي لعبت أدواراً بارزة في مقارعة ومواجهة المحتلين والمستعمرين ، وتصدّت لهم بكل بسالة وإباء ، لأجل الحفاظ على بيضة الإسلام وحياضه المقدّس ، إلا أن هذا لا يعني أن نزج المرجعيات الشيعية .. الأجنبية والعراقية ، بأمور تتعلق بالشأن السياسي الوطني . إنه شأن سياسي عراقي متعدد الرؤى والميول والتوجهات .. الأحزاب ليست كلها شيعية .. هنالك الشيوعيون .. القوميون .. الكرد العلمانيون .. السنة .. المسيحيون ، ماذا يفعل المرجع الشيعي إزاء هذه التناقضات ، نعم هو صمام أمان الشيعة ، لكنه ليس صمام أمان كل العراق ، فللآخرون مرجعياتهم الدينية والمذهبية والسياسية الأخرى.
التجربة الحكومية لولاية الفقيه في جمهورية إيران الإسلامية شيءٌ مختلف عن تجربتنا هنا في العراق ، ففي إيران ؛ قادت المرجعيات الشيعية الثورة المسلحة ضد حكم بهلوي الشاهنشاهي ، بينما هنا في العراق ؛ حصل إحتلال لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، أسقط حكومة صدّام حسين الدكتاتورية ، ومن ثم ؛ عادت المعارضات العراقية من منفاها في خارج العراق ، لتشترك .. وفقاً لأجندات وطنية وإقليمية ودولية .. كلاَ حسب مبتغاه ومأربه ، ليؤسَّس مجلس ٌ يحكم العراق بعد عملية التغيير السياسي في 9/4/2003، ثم آلت الأمور إلى ما آلت إليه اليوم ، من تشكيل حكومة وطنية عراقية 100% عبر صناديق الإقتراع ، ولثلاث دورات.
والحالة هذه ؛ فليس من المبرر إطلاقاً ؛ أنْ نورّط المرجعيات الشيعية في النجف الأشرف ، بأخطاء وسلبيات حكومة وصلت إلى مقاعدها التشريعية والتنفيذية عبر أصابع الجماهير البنفسجية ، لا عبر عمائم المراجع السوداء أو البيضاء .
لنترك النجف الأشرف تهنأ ببركات المراجع الأعلام .. يتفقهون ويفقهون .. يستنبطون ويفتون للأمّة بما يحتاجه المسلمون الشيعة من مسائل في العبادات والمعاملات .. دون مساس بقدسيات مقاماتهم المباركة العالية .. ليكونوا لنا صلوات ودعوات وبركات تفيض على الوطن والمواطنين ببركات الصلاة على محمد (ص) وآل بيته(ع) . ولتبقَ النجفُ الأشرفُ دائماً .. لا يطالها المتطاولون على حرمة مراجعنا الأعلام الكرام ، الوافدين من مشارق الأرض ومغاربها ، طلباً للعلم والتبرك بنفحات وفيض الروح الزكية العابقة لأمامنا الخالد العظيم ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
والله من وراء القصد ؛؛؛