23 ديسمبر، 2024 8:33 ص

لماذا مُررت حكومة الكاظمي؟

لماذا مُررت حكومة الكاظمي؟

تساؤلات وتصورات مختصرة
شهد تكليف رئيس الجمهورية لـ”مصطفى الكاظمي” توافقاً غريباً ومفاجئاً للعديد من مراقبي المشهد السياسي في العراق، إذ شهد تكليفه وتمرير حكومته عمليةً سلسة بعيدة عن التعقيدات مقارنةً بالمشاهد الأخرى التي اعتاد المشهد السياسي داخل المنطقة الخضراء رؤيتها.
لعل هذه الشخصية الغامضة استطاعت نيل ثقة المتضادين بحكم تعاملها مع العديد من الأطراف خلال رئاسة جهاز المخابرات في ظرف حساس كان أبرزهما: الحرب على تنظيم الدولة “داعش” و الحرب الباردة بين واشنطن وطهران.
لكن ما يثير التساؤل هل استطاع الكاظمي حصد ثقة أطراف دولية واقليمية وداخلية حتى استطاع حسم ملف تكليفه وتمرير حكومته ؟!
وكيف تحول “الكاظمي” من العميل والخائن والمجرم إلى حليف سياسي مدعوم بقوة من أوساط شيعية كانت تعتبره عدواً لها؟
قبل الخوض بالتفاصيل جدير بالذكر ان الكاظمي رُفض مرتين ، في المرة الاولى تداولت اوساط في اروقة مرجعية النجف عن رغبة المرجعية بالكاظمي عام 2018 كبديل للعبادي لقيادة العراق مابعد داعش، الا ان عدم موافقة الاحزاب الشيعية حالت دون ذلك متهمةً الكاظمي بانه رجل الولايات المتحدة في العراق،
وفي المرة الثانية كان أبرز المواقف المعلنة لرفض ترشيح الكاظمي ما صدر عن المسؤول الأمني في ميليشيا كتائب حزب الله العراقي أبو علي العسكري في اذار/مارس الماضي واتهامه للكاظمي بمساعدة الولايات المتحدة لتنفيذ عملية مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.
يأتي هذا التكليف والتمرير في ظل ظروف تنهك النظام في ايران بعد تشديد العقوبات عليه ومقتل شخصية مهمة بحجم “سليماني” الذي عقّد كثيراً الحسابات الايرانية في المنطقة وتفشي فيروس كورونا الذي زاد الطين بلة، إذ تجاوز مجموع الإصابات بالفيروس أكثر من 100 ألف والوفيات أكثر من 6 آلاف في ظل شح التجهيزات الطبية والتجهيزات الوقائية، لذا يمكن القول أن هذه الظروف مجتمعةً أدت بإيران -على مايبدو- الى الموافقة على شخصية لا تنتمي لها كلياً أو تميل لها بشكل كبير.
بيد أن هذه الموافقة أتت على مراحل بدأت بزيارة “علي شمخاني” الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني إلى بغداد في مارس/اذار ولقائه بالكاظمي، وهي زيارة رحب بها الإعلام الإيراني واثارت شعوراً مضطرباً ما بين هذا اللقاء وموقف الفصائل الموالية لطهران من شخصية الكاظمي!!
وعلى ما يبدو فان زيارة قائد فيلق القدس الايراني الجديد “اسماعيل قآاني” الأخيرة الى بغداد وضعت اللمسات الأخيرة للموافقة على الكاظمي، ما جعل “حزب الله العراق” الأشد كرهاً للكاظمي يجلس للتباحث معه ليخرجه بشكل ضمني من دائرة التهمة.
تسلم الكاظمي رئاسة جهاز المخابرات عام 2016 و هذه المدة شهدت حدثين مهمين: الأول الحرب على تنظيم الدولة داعش، والثاني فرض العقوبات على ايران، مايعني الأول ان علاقاته مع قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن والدول المشاركة في التحالف وطيدة والثاني هو حفظ التوازن بين الطرفين (الامريكي – الايراني) اذ تعاملت بغداد في وقت ما مع هذا الصراع كساعي البريد، وبالتأكيد فإن التنسيق الأمني والاستخباراتي لهذين الطرفين بشكل مستمر مع العراق والذي كان لجهاز المخابرات برئاسة الكاظمي دور مهم فيه عزز تلك العلاقات، اضافةً الى ان تاريخه القديم يشهد له انه كان معارضاً لنظام صدام حسين وخرج من العراق عن طريق ايران، وفي وثائق ويكليكس يتبين ان الكاظمي ما قبل 2009 كان على علاقة بالسفارة الأمريكية بالاضافة الى علاقاته المتنوعة في الاوساط الشيعية.
تكليف الكاظمي جاء لأسباب عديدة أولها وأهمها بالنسبة للإيرانيين قدرته على حفظ التوازن بين الطرفين الأمريكي والإيراني بعد أن شهدت فترة “عبدالمهدي” اختلالاً كبيراً في هذا التوازن، بالإضافة الى منح انتصار معنوي للأحزاب الشيعية في العراق امام جماهيرها بعد ان كلف رئيس الجمهورية “الزرفي” الذي تراه طهران شخصية موالية جدا لواشنطن عدا انه جاء خلافاً لارادتها وهذا يظهر جلياً من تصريحات هادي العامري الذي قال بعد تكليف الكاظمي:”السياقات الدستورية عادت إلى طبيعتها وأن الكتلة الأكبر أخذت استحقاقها” أما قيس الخزعلي فقد صرح ان تكليف الكاظمي هو انتصار في الحفاظ على الحق الحصري للمكون الشيعي بترشيح رئيس الوزراء، وهنا نلمس خطابات شعبوية واضحة مُورست لاستمالة الشارع الشيعي بعد ان فقد الكثيرون ثقتهم بهذه القوى السياسية الولائية لطهران بل طالبوا باسقاط حكمها وهذا ما شهدناه خلال المظاهرات العارمة منذ مطلع اكتوبر.
ولكن يبقى السؤال لماذا شهد تكليف الكاظمي امتعاضاً وبيانات شديدة اللهجة من الفصائل المسلحة الموالية لطهران اول الأمر؟
الجواب يحمل عدة تحليلات، لكن يبدو أن الأرجح هو إيصال رسالة للكاظمي والولايات المتحدة أن الموافقة لا تعني الرغبة، ولن تصبح تهمة الكاظمي بالاشتراك بمقتل سليماني طي النسيان وهذه التصريحات هي تحذيرات بعدم اخلال التوازن في علاقات بغداد مع واشنطن وطهران ووجوب ان لا يغيب عن رئيس الوزراء الانتقالي مراعاة مصالح ايران في العراق، ومصالح الكتل السياسية التابعة لها، ولعل مفاوضات التشكيلة الوزارية الجديدة وتمريرها يعزز هذا الخيار، ويبقى سحب الثقة من حكومة الكاظمي وارد في اي وقت وان اكتنف ذلك صعوبات.

أما بالنسبة للولايات المتحدة وموقفها فقبل تكليف الكاظمي بيومين غرد وزير الخارجية الامريكية بومبيو عن خشية واشنطن من ان تفرض ايران شخصيات معينة لتولي حقيبة رئاسة الوزراء، وماعزز من تصريح بومبيو حول رؤية واشنطن لشخصية رئيس الوزراء في العراق هو تقرير صحيفة “فورين بوليسي” الذي نص على أن:
الموقف الأمريكي من تكليف رئيس وزراء للعراق أصبح يركز على الحد الأدنى، وهو أن يكون “وطنيا” عراقيا وليس تابعا لإيران. وأشارت الصحيفة إلى أن الكاظمي نجح في الامتحان وهذا لا يغير من مسار السياسة الأمريكية التي تترك الأمر للعراقيين كي يتوصلوا للطريق المناسب لهم. لذا وبناءً على هذه الرؤية فقد صرح بومبيو بعد الموافقة على تمرير الحكومة الجديدة دعم واشنطن للكاظمي وتمديد فترة استيراد العراق الطاقة من إيران لـ4 شهور أخرى لتخفيف الضغط على بغداد ومساعدة الكاظمي في تجاوز الأزمات الداخلية.
يُذكر أن واشنطن وبغداد ستعقدان جلسة حوار استراتيجي مشتركة لمناقشة موضوع إعادة القوات الأمريكية إلى العراق والتباحث في إمكانية إعادة العلاقات إلى مجراها.
وبما أن حكومة الكاظمي هي الأولى بعد مقتل سليماني وانطلاق زخم التظاهرات فقد تشعر واشنطن وطهران بارتياح نسبي بدلاً من اتجاه العراق إلى مجهول.

إذاً بعد تمرير حكومة الكاظمي فإن نجاحه واستمراريته مرهون بقدرته على حفظ التوازن والمصالح في علاقات بغداد مع واشنطن وطهران، فهل سيستطيع الصمود في ظل هذه المتغيرات؟

المصادر :
١- (بغداد اليوم) السيرة الذاتية لرئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة مصطفى الكاظمي
اقرأ الخبر كاملا
‏http://baghdadtoday.news/news/116149/116149

٢- (فرانس 24) مصطفى الكاظمي ثالث محاولة لتشكيل حكومة جديدة في العراق

https://www.france24.com/ar/20200409-%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%B8%D9%85%D9%8A-%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84-%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82

٣- تقرير فورين بوليسي
‏https://www.alquds.co.uk/فورين-بوليسي-لا-أحد-في-واشنطن-يريد-مساع/

٤- هادي العامري: السياقات الدستورية عادت إلى نصابها

https://www.nasnews.com/view.php?cat=28418