23 ديسمبر، 2024 7:35 ص

لماذا لم يلتزم الامام الحسين ع بالتقية؟

لماذا لم يلتزم الامام الحسين ع بالتقية؟

ونحن نعيش الثورة الحسينية المباركة ترد هناك الكثير من التساؤلات والشبهات التي تثار من هنا وهناك بحسن نية وبعضها بسوء نية ومن هذه التساؤلات انه لماذا يلتزم الامام الحسين ع بالتقية على الرغم من تواتر الاحاديث حولها والآيات القرآنية التي تحث وتدل عليها ولحساسية هذا الموضوع وحاجته الى عالم ذو بصيرة لم يتصدى له سوى شهيدنا العظيم محمد الصدر (رض) حيث ذكر عدة احتمالات وناقشها بطريقة رائعة جدا وذلك في كتاب أضواء على ثورة الامام الحسين (ع) وانا سأذكر ثلاث احتمالات ذكرها رضوان الله تعالى عليه وبدون تصرف وهي :-
الأمر الاول: أن الحسين عليه السلام كسائر المعصومين عليهم السلام، عمل بالتقية ردحاً طويلاً في حياته. وانما ترك العمل بها من ناحية واحدة فقط، هي الناحية التي أدت إلى مقتله في واقعة الطف. وهي رفض الطلب الصادر من قبل الحاكم الأموي بالبيعة له وتهديده بكل بلاء اذا لم يبايع. الأمر الذي استوجب صموده عليه السلام ضد هذا المعنى حتى الموت.
الأمر الثاني: ان الأدلة في الكتاب والسنة على مشروعية التقية، ليست دالة على الألزام والوجوب بل على الجواز على ما سنرى. أو – بتعبير آخر- : ان العمل بالتقية رخصة لا عزيمة . ومن هنا يمكن القول :- ان الإمام الحسين عليه السلام كان مخيراً يومئذ بين العمل بالتقية وبين تركها ولم يكن يحب العمل بالتقية في حقه. وما دام مخيراً فقد اختار الجانب الأفضل في نظره، وهو فعلاً الأفضل في الدنيا والأفضل في الأخرة، وهو نيله للشهادة بعد صموده ضد الانحراف والظلم والظلال.
الأمر الثالث: ان حكم التقية وان كان نافذ المفعول عليه (عليه السلام) وغيره من البشر. الا أنه مخصص في حقه عليه السلام، فهو خارج عن حكمها بالتخصيص والاستثناء. وقد ثبت لديه التخصص اما بالإلهام وأما بالرواية عن جده رسول الله (ص) . ولذا لم تكن التقية في حقه واجبة ولا تركها عليه حراماً. وربما عد من الأدلة في هذا الصدد، ما ورد من بكاء النبي (ص) على مقتل الحسين عليه السلام يوم ميلاده، لعلمه المسبق بذلك. وهو ما يستفاد منه جواز حركته واحترام ثورته. فيكون مخصصاً لما دل على حرمة التقية لو وجد.
وهذا الوجه اكيد الصحة لو تم بالدليل كون التقية عزيمة لا رخصة. وهو الوجه الذي يشمل أهله وأصحابه وأهل بيته الذين رافقوه في حركته وآزروه في ثورته. فإن التقية أن كانت واجبة في حقهم أساساً، فهي لم تكن واجبة عندئذ، بل مستثناة عنهم بأمر امامهم الحسين نفسه. حيث أوجب عليهم المسير معه والقتل بين يديه. بل التقية لم تكن واجبة من هذه الناحية على أي واحد من البشر على الأطلاق، تمسكاً بما ورد عنه سلام اله عليه: (( من سمع واعيتنا ولم ينصرنا اكّبه الله في النار)). وهو دال بوضوح على لزوم نصره ووجوب ترك التقية من هذه الناحية. وكذلك ما ورد عنه أنه قال عليه السلام حيث بقى وحيداً بعد مقتل أصحابه وأهل بيته: ((هل من ناصر ينصرنا وهل من ذابّ عن حرم رسول الله )). وسنذكر بعونه تعالى ان هذا انما قال الحسين عليه لأجل اقامة الحجة على الأخرين كما يشمل أهله وأصحابه رضوان الله عليهم وجوه آخرى لترك التقية مما سبق. كالأمر الثالث الذي ذكرناه وهو كونها تخييرية وليس الزامية. والأمر الثاني والأمر الرابع ، فراجع.
والسر في سقوط التقية، كما أشرنا عن جميع البشر في ذلك العصر، من هذه الجهة، لا ينبغي ان يكون خافياً وحاصله: ان الناس لو كانوا قد استجابوا بكثرة وزخم حقيقيين، وإذا كانت أعداد مهمة منهم قد أدركت مصالحها الواقعية في نصر الحسين عليه السلام لتحقق النصر العسكري له فعلاً، ولفشل عدوه الأموي الظالم. بل في المستطاع القول بأنه مع حسن التأييد يكون زعيماً فعلياً على كل بلاد الأسلام، فيحكمها بالعدل وبشريعة جده رسول الهف. غير ان المجتمع في ذلك الحين كان متخاذلاً جاهلاً. ولله في خلقه شؤون.