قبل أيام من جلاء المحتل كتبت مقالا بعنوان ” خرج المحتل والعراق حزين” أردت منه أن يكون مقالا استفزازيا للأحزاب والحكومة والجماهير، وتمنيت أن يخيب ظني فتخرج الأحزاب والحكومة والناس في مظاهرات عارمة تعبر عن الفرحة الكبرى برحيل المحتل الذي طالما انتظره الشعب بفارغ الصبر؛ يخرج المحتل وتسقط كل المزايدات على السيادة والحرية، وكل من كان يتحجج بوجود الغزاة الأمريكان ويستهدف أبناء شعبه، وليس أفراد الجيوش الأجنبية الغازية، وكان عليه أن يعلن عن انتهاء أسباب هذه الحرب غير المقدسة وينخرط مع الجماهير معبرا عن فرحه وعزمه على بناء بلده المنكوب مع كل بُناته الشرفاء ويشرع في محاربة الفساد، وكان على الحكومة أن تسارع وتدعو إلى الوحدة الوطنية الشاملة، وأن تساهم في حل الاستعصاء المزمن وعقد مؤتمر وطني يحضره كل الفرقاء ويجلسوا حول طاولة تقربهم من بعضهم عبر نقاشات وتنازلات متبادلة، وتجرد عن الحزبية الضيقة والطائفية والإثنية. على مبدأ الكاسب الأعظم هو الوطن والمواطنين.
كنت أتمنى أن لا تكون الاحتفالات وفق ما حصلت عليه، حيث احتفلت بعض الأحزاب في قاعات ضيقة ومنعت أخرى من الاحتفال في ساحة التحرير كما حصل مع التيار الديمقراطي والحزب الشيوعي العراقي حيث اضطر الأخير للتعبير عن فرحته في مقر حزبه في بغداد بينما حصلت بعض منظماته في المحافظات على الإجازة وخرجوا إلى الشوارع يوزعون الحلوى وأعلام العراق على أبناء الجيش والشرطة، لكن الاحتفالات لم تكن واسعة كما ينبغي، إذ لم تخرج جموع الشعب، وكأن الأمر لا يعنيهم، لم تسهم الحكومات المحلية ولا المركزية في تنظيم احتفالات تعيد الثقة لأبناء الوطن الذي لم يعرف الفرحة منذ زمن، ولم يبادر رجال الدين ويأخذوا دورهم المفترض في دعوة الناس للاحتفال، لم يربطوا بين عاشوراء وخروج المحتل، ألم تكن الرسالة المحمدية والرسالات السماوية كلها تدعو إلى القضاء على الظلم والطغيان مهما كان نوعه، ألم تكن ثورة الحسين (ع) تصب في هذا الاتجاه، إذاً لماذا لم تفرح هذه الأمة عند رفع هذه الغمة؟
الاحتفال ليس شكليا كما يتصور البعض، فهو تعبير عن رفض قاطع للاحتلال، تعبير عن موقف يخص كرامة الإنسان، وسيادة الوطن، ومستقبله، تعبير عن شكل الدولة التي يريدها الشعب وهي الدولة المدنية الديمقراطية المستقلة. للاحتفال الكبير أهمية كبيرة لأنه سيبقى في ذاكرة الأجيال العراقية بمعانيه الجملية وأهدافه الرائعة، وهذا السبب الذي جعلنا نتذكر احتفالات ثورة 14 تموز المجيدة، بكل تفاصيلها ونتقصها على أبنائنا وعلى الأجيال القادمة… لكن يبقى السؤال يلح: لماذا لم يحتفل العراق بقدر المناسبة العظيمة. ولماذا صمت الكثيرون؟ ولماذا كان الاحتفال باهتا من قبل الحكومة والناس؟ وكأنه حدث عادي، أليس نحن شعب مثل كل شعوب الأرض التي لازالت تحتفل بتحرير أراضيها وبالحرارة ذاتها كل عام؟ وصار عندهم من أكبر الأعياد الوطنية وأهمها، لماذا لا يصبح يوم الجلاء عيدنا الوطني؟ أسئلة كثيرة تشغل بال الكثيرين… وبهذه المناسبة أدعو البرلمان العراقي أن يسن قانونا بمقتضاه يكون هذا اليوم مناسبة وطنية، يحتفل بها العراقيون سنويا، رسميا وشعبيا…