22 نوفمبر، 2024 11:10 م
Search
Close this search box.

لماذا لم يتوقف مسلسل التفجيرات والارهاب  ؟  

لماذا لم يتوقف مسلسل التفجيرات والارهاب  ؟  

يمكن تحديد سببين رئيسيين للإجابة عن هذا السؤال ، أولهما خارجي والآخر داخلي ، ففيما يخص العامل الخارجي  نجد انه عندما بدأ العراقيون بالضغط على الادارة الامريكية في عهد الرئيس بوش الابن  بشأن سحب القوات الامريكية من العراق صرح بوش عبر الإعلام المرئي في 12 تموز 2007 بأن الولايات المتحدة إذا ما رضخت لهذا المطلب فهو يعني تسليم هذا البلد الى تنظيم القاعدة، حينها سوف تكون الأمور أشد سوءاً مما هي عليه وستجري عمليات قتل جماعية . وهو ما حدث  بعد عام 2011  عندما ازدادت  الهجمات الارهابية والتي توجت باحتلال الموصل وما أعقبه من سقوط صلاح الدين والانبار والحويجة ومناطق من ديالى وبابل وتهديد كربلاء منذ منتصف عام 2014 ، جميعها كانت جزءً من تداعيات انسحاب القوات الامريكية الذي حذر منها بوش وكان رغماً عن إرادة ورغبة الولايات المتحدة التي لا يمكن ان تترك ارض العراق الذي قدمت فيه مئات من القتلى والجرحى ، ودليل نيتها الاقامة مطولا في ارض هذا البلد هو إنشاءها اكبر سفارة في العالم فيه ، والاكبرفي عموم العالم منذ تأسيس الولايات المتحدة ، فضلا عن امتلاكها عدد من القواعد الجوية والبرية التي تعمل على استخدامها مستقبلاً ليس في العراق فحسب بل في المنطقة عندما ستكون بحاجة اليها. 
وضمن العامل الخارجي تظهر لنا توجهات الصهيونية العالمية ومخططاتها في تقسيم العراق التي يعتبر من ابرزها مشروع الشرق الاوسط الكبير الداعي الى تقسيم دول المنطقة الى أقاليم وكانتونات ، وكان قد صرح كاسيتش، المرشح للانتخابات الأمريكية عن الحزب الجمهوري، عام 2015 في مقابلة مع قناة بي بي سي ، ان يكون مآل الأمور في العراق والحملة الدولية ضد تنظيم داعش الى تقسيم البلاد الى ثلاثة اجزاء.
ونجد الرسالة أشد وضوحا للمتلقي العراقي ولاسيما السياسيين ، عندما يتناول السفير الامريكي السابق في العراق وافغانستان روي كروكير موضوعة التقسيم محذرا بالقول : ” عليكم  أن لا تفقدوا أكثر مما فقدتم من ضحايا ثم تعودون  للاقتناع بفكرة التقسيم ). مضيفا بانه بعد ان يتوقف نزيف الدماء اخيراً ، ستكون النتيجة ظهور (دولة شيعستان) في بغداد والجنوب تحت نفوذ إيراني ، وستنشأ (دولة جهادستان) متطرفة بدون موارد في الغرب، ودولة كردستان في الشمال تحت نفوذ ايراني.  وهو ما تم تناوله في مقالنا المنشور في موقع كتابات يوم 23 حزيران 2016 ،يمكن الرجوع اليه على الرابط:  http://www.kitabat.com/ar/page/23/06/2016/79495.htmlوهذه الرسالة وغيرها توضح لنا جلياً كيف ان الغرب وخاصة الولايات المتحدة مستمرة بالطرق على الحديد بقوة لكي يلين باتجاه تحقيق هدفها بتقسيم البلاد رغماً عن أنوف ساكنيها ومن خلال العمليات الارهابية والتفجيرات وصنع المنظمات الارهابية التي ليس آخرها داعش الإرهابي. وما التفجير الإرهابي الاخير في منطقة الكرادة الذي خطط لها على مستوى دول واستخدمت فيها مواد جديدة للإبادة الشاملة وصفها  العالم العراقي في مجال الكيمياء الفيزيائية  البروفسور جليل الخفاجي  بالقول : ” الكرادة هي هيروشيما مصغرة” . 
وبخصوص العامل الداخلي  نجد ان عمليات بغداد كانت قد اعترفت بالخرق الامني الحاصل مؤخراً في الكرادة  مبررة ذلك بانها مشغولة بعمليات التحرير ضد داعش الارهابي ! وهذا يعطي مؤشر سلبي بأن هذه الجهة الأمنية الأكثر أهمية في البلد لا تستطيع ان تشارك في معركة في منطقة ما  وتحمي مناطق أخرى ضمن صميم واجباتها ، مما يعطي استنتاج اولي بأن المخاطر ستبقى قائمة في البلد الى وقت غير معلوم.
في نفس الوقت تشير المصادر المطلعة ووسائل الاعلام الى ان عمليات بغداد كانت قد استلمت  سيارات كشف متفجرات سلّمتها واشنطن لبغداد مطلع العام الجاري، لكن الأخيرة لم تستخدمها وتركتها مركونة في مرآب تابع لقيادة العمليات وهو أمر يثير العديد من التساؤلات حول سبب هذا التهاون الكبير بأرواح المواطنين من جهة يفترض انها مسؤولة عن حماية ارواحهم.
وكان قد صرح  رئيس اللجنة الأمنية في محافظة بغداد في لقاء مع  أحد القنوات  بأن لديهم معلومات منذ يوم 13 حزيران تشير الى وجود تحضيرات لمهاجمة منطقة الكرادة وسلمت لكافة الجهات الأمنية صعودا الى القائد العام ولكن لم تتخذ اجراءات بشأنها . وهو ما أعلنه السيد العبادي قبل اسبوع تقريبا من التفجير الاخير ،  حذر فيه من ان هجمات سوف تشن على بغداد والمحافظات الاخرى في الايام القريبة المقبلة. ولكن الهجمات حصلت دون اتخاذ اي اجراء جدي للحذر من وقوعها. 
هذه الخروقات والثغرات كانت مشخصة من قبل عدة جهات منذ مدة ليست بالقصيرة . فلجنة الامن والدفاع النيابية وصفت  الاجهزة التنفيذية بعدم تعاملها بجدية وحرفية مع المعلومة الاستخباراتية. وفي أعقاب تفجيرات مدينة الصدر قبل عدة أشهر ذكر النائب في البرلمان ماجد الغراوي ” ان زيادة العمليات الارهابية تشير الى الضعف في الاداء الامني وليس فقط في الاجهزة الاستخباراتية التي من المفترض ان تسبق من خلال اجراءاتها الوقائية وانما حتى الاجهزة التنفيذية التي لا تتعامل مع المعلومة التي تصل اليها كمعلومة استخباراتية بجدية وحرفية وهذا ما ادى الى تكرار الانفجارات في العاصمة بغداد وفي محافظات اخرى” . وهكذا فان نقاط الضعف كانت معلومة لدى عدة جهات أمنية وغيرها ، فلماذا لم يجر  التعامل معها ومنع وقوع العمليا الارهابية ؟المسألة الاخرى ضمن العامل الداخلي ، تتعلق بعدم  توزيع المسؤوليات بشكل سليم بين الجهات الأمنية . فقد قال وزير الداخلية المستقيل  إنه قدم استقالته بسب تقاطع الصلاحيات الأمنية وعدم التنسيق الموحد للأجهزه الأمنية، مؤكداً ان “الخروق الامنية سوف تتكرر اذا ما بقيت التقاطعات السياسية”، مشيراً الى ان ” مسؤولية العمليات والجيش خارج المدن وما يتعلق بالامن الداخلي يكون ضمن مظلة وزارة الداخلية”. ولفت الى اهمية ان “يلحق جهاز الأمن الوطني بوزارة الداخلية”، مؤكداً ان “هذا القرار يعود لرئيس الوزراء ولا يحتاج للرجوع الى مجلس النواب”.نحن جميعاً كنا نسمع  منذ تولي القائد العام مسؤلياته الى نفس الشكاوى التي يتحدث عنها القادة في الداخلية وعمليات بغداد والجيش والحشد وغيرها من القوات الأمنية ، وهي لا أحد منها يعرف حدود مسؤولياته ومدى صلاحياته.المرجعية الدينية شخصت  ذلك ايضاً على لسان ممثلها  في خطبة الجمعة الاخيرة ، عندما قال :” لقد تكررت الدعوات خلال السنوات الماضية عقب حوادث مماثلة ولكن تلك المطالبات لم تحقق شيئا في ظل غياب الرؤية الصحيحة وتفشي الفساد والمحسوبيات وعدم المهنية في مختلف المفاصل، بالرغم من كل النصح المرجعي والضغط الشعبي ولاسيما خلال العام المنصرم لإحداث تغيير جوهري في المسؤولين ومكافحة الفساد بجدية وتطبيق ضوابط صارمة في التعيينات الحكومية لاسيما في المناصب والمواقع المهمة كالمناصب الأمنية والإستخبارية ” .
مع ان المرجعية اليوم تتحمل ايضا جزء من مسؤولية  كبيرة تجاه ما يجري في البلد الآن لأنها تكتفي بخطب انشائية مع ان لها سلطة تأثير مباشر على صانعي القرار من خلال الضغط الشعبي للمؤمنين بها ، ولكنها لم تفعل شيء للتأثير في الملف الأمني  وهي التي تدخلت في ملفات كثيرة منها مثلاً الملف الانتخابي عندما وجهت الناخبين منذ 2005  للتصويت الى كتل معينة .الغريب في الامر ان كافة الجهات النافذة في البلد وعلى لسان مسؤوليها ، تعلن وتصرح بالاسباب التي تعمل على استمرار العمليات الارهابية والتفجيرات ولكنها لا تتخذ  اجراءات لوقفها ومن ثم وقف نزيف الدم العراقي . أخر هذه التصريحات أدلى به عضو مجلس محافظة بغداد وعضو أمنيتها وهو من كتلة دولة القانون في برنامج بصراحة الذي يبث من قناة دجلة ، بأن اسباب استمرار الارهاب في العراق يعود الى عدم وجود حس استخباري والى المحاصصة والى الفساد وعدم اختيار الاكفاء لشغل المناصب الحكومية بل يجري اختيار الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب.   
خلاصة الحديث هو انه لا يمكن ان يبقى ملف الامن الداخلي بهذا الارباك والتخبط تديره  قيادات عسكرية واجهزة لا تعمل وفق رؤية ولا خطة ولا تنسيق مع استمرار نزيف العراقيين دون حسم وقرار ومعالجة لخلل يتعلق بتنازع المسؤوليات  بين عدة جهات أمنية ،  أشار اليها وزير الداخلية المستقيل في مؤتمر صحفي بمناسبة تقديمه إستقالته.
ان السياسات الطائفية والفساد المستشري في البلاد في مختلف المجالات وفي مقدمتها المجال الأمني  وأحد أهم أمثلته اجهزة السونار الفاشلة ، وتعيين من هم لايمتلكون خبرة او كفاءة في  المجال الأمني واستخدام ما يسمى بالدمج في مناصب رفيعة ومهمة وتنازع المسؤوليات بين المؤسسات الأمنية وخاصة بين وزارة الداخلية وعمليات بغداد ، وغيرها من الأمور هي التي أوجدت هذه الخروقات الأمنية ، وإن  لم تعالج بشكل فاعل يتبناه القائد العام وبدعم  الكتل السياسية بالتنازل عن مناصبها وامتيازاتها – وهي لن تفعل ذلك – فان مسلسل التفجيرات والقتل سوف لن يتوقف وضحاياه هم أبناء الشعب العراقي الأبرياء وليس المسؤولين أنفسهم أو ابناءهم المتنعمين بالجاه والمال وامتيازات السلطة .  

أحدث المقالات