التفاهم والتعاون بالآليات المصرفية التي تموّن التجارة الخارجية بين البنك المركزي العراقي ووزارة الخزانة الامريكية ممثلا في اللقاء الاخير بين السيد علي محسن العلاق ومساعدة وزير الخزانة اليزابيث روزنبرغ في بغداد بتاريخ 13 ايلول 2023 , هو نوع من التباحث في كيفية سيطرة الولايات المتحدة من جانبها على تمويل وتدفق عملة الدولار بما لا تستفيد من هذا التدفق المالي لا ايران الاسلامية بشكل خاص ولا سورية او حزب الله اللبناني وذلك لأسباب عديدة ,
لان الولايات المتحدة الامريكية وعلى الدوام تريد في سياستها وخاصة المالية منها ان تحافظ على مصالحها في هذا النطاق المهم , لذلك تعمد الى صياغة ائتلافات مع الحكومات التي تخضع لسياساتها بشكل او باخر لسببين ; اولا , لتتأكد من عدم وجود ائتلاف آخر بين تلك الحكومات واي حكومة اخرى لا تخضع لسياستها المالية , ثانيا ; انها تحاول من تلك السياسة ان يمتد نفوذها الى كل مصادر الثروات بشكل عام والعراق بشكل خاص لتفتيت كل العقد التجارية مع ايران من ناحية , وللسيطرة على تلك المصادر من ناحية اخرى ,
لا احد يعلم ما الذي تعدّه امريكا للعراق او للمنطقة منذ ان لمعت مقلتها يوم رأت تدفق ثلاث مليارات من الدولارات وقد افرج عنها العراق في حزيران الماضي الى ايران عن اثمان الغاز المستخدم في محطاته الكهربائية , وباركت على اثره الاتفاق بمقايضة النفط مقابل الغاز لكي لا تتكرر في المستقبل عملية الافراج عن مليارات اخرى تستحقها .
وهنا يبرز السؤال الأول الذي يبحث عن المبرر المنطقي والمعقول , لأننا لا نجد مبررا منطقيا معقولا بدرجة كافية عن هذا التدخل بالشأن الاقتصادي العراقي , فالدولارات عملة عالمية وقد حصل عليها العراق من مبيعات ثروته النفطية كما تحصل عليها اي دولة عربية اخرى من مبيعاتها النفطية , فلماذا اذن هذه السيطرة الامريكية ؟! وما هي الكلمات التي تقف ورائها لنعرف حقيقتها ومقوماتها ؟!
اما السؤال الثاني فهو , لماذا لمعت مقلة امريكا على الافراج عن تلك الدولارات ولم تلمع مقلة الحكومة العراقية على اتفاق بايدن مع رئيس الوزراء الهندي الذي اقر بإنشاء ممر بحري يمتد من الهند الى الامارات والكيان الصهيوني واوربا ؟! سيما ان المشروع يفتت مشروع ميناء الفاو وطريق التنمية على حد سواء ويضر بهما ضررا بليغا ؟! اليس هذا السؤال يستحق ان يقال له ” حقآ سؤال “, مثلما علّق بايدن على مشروع الممر البحري انه ” ” حقا اتفاق ” ؟
اليس الأجدر بالحكومة العراقية ان تتباحث مع امريكا التي قال فوكنر عنها ” انها مجردة من كل شرف ولياقة ومتاعبها مستمرة ” , لضمان مصالح شعبها على المدى البعيد مثلما ترى وفودها تتشبث بكل صغيرة وكبيرة لحماية مصالحها بالعراق ؟ !
ان ضيق الصفحة لا يسمح بالتوسع في هذه المسألة التي سبق ان كتب عنها الكثير من الكتاب الكبار , لأن هذه المؤامرة الاقتصادية الامريكية الهدف منها اولا واخيرا هو دعم الكيان الصهيوني واضعاف قوى الصراع العربي – الصهيوني وشق لعصا دول بريكس ومكافأة للامارات والاردن ومصر على عملية تطبيعهم مع الكيان الصهيوني وجرّ مملكة الحجاز الى التطبيع معه ولو بزمن طويل ,
اما تاج هذه الاهداف فهو يلوح ببزوغ صيرورة لعالم جديد بقطب واحد يمتزج بمنطقة النفوذ في المحيط الهادي الذي تسعى اليه امريكا لاضعاف دول بريكس من ناحية , وبمنطقة الشرق الاوسط من ناحية اخرى , وبهذا الوجود لن تتمتع الدول العربية ولا العراق بالحرية والسيادة الوطنية الى الابد .