23 ديسمبر، 2024 8:29 ص

لماذا لم تساند أمريكا الوضع القائم في العراق عسكريا ؟

لماذا لم تساند أمريكا الوضع القائم في العراق عسكريا ؟

في بداية العام الحالي قام الرئيس الأمريكي باراك اوباما بزيارة إلى المملكة العربية السعودية , وفي مستهل زيارته سأله البعض معاتبا لماذا لم تقف أمريكا إلى جانب الشعب السوري وهو يتعرض إلى اشد حالات الإبادة والقصف من قبل النظام السوري, فأجابهم وعلى الفور بان الولايات المتحدة بوضعها الحالي ليست مستعدة لتقديم أية تضحيات خارج أراضيها بعد التضحيات الكبيرة التي قدمها المقاتلون في العراق ولم تنتج شيئا للعراقيين , كما أضاف بان استخدام ضربات جوية ضد النظام السوري سوف لا يفرق بين الإرهابي والبريء , وقد كانت لأمريكا تجربة أخرى في ليبيا أثبتت بان نتائج الحظر الجوي فيها ذهب إلى غير المعنيين .

ويبدو إن إجابات اوباما لم يكن هدفها إقناع من توجه إليه بهذه الأسئلة بل لإيصال رسالات إلى العراق حيث إن المعارك في الفلوجة والرمادي كانت قد بدأت أثناء تلك الزيارة ( للسعودية ) والجميع يعلم بان أمريكا تتابع الوضع العراقي , ( وهذا ما أشار له وزير الخارجية جون كيري أثناء لقائه رئيس الوزراء العراقي فيما بعد ) , ولهذه الأسباب أيضا فان خطاب الرئيس الأمريكي اوباما بعد أحداث 10 / 6 / 2014 لم تخرج عن هذا الإطار قط إذ أعلن بشكل لا يقبل اللبس بان أمريكا سوف لا تتدخل في العراق عسكريا لان ما يجري (من وجهة نظره ) هو شان عراقي ويعود إلى ضعف الانسجام بين السياسيين وان الحل لايمكن أن يكون عسكريا لأن هناك إمكانيات لحل هذه الأمور سياسيا لاسيما وان العراق على أعتاب عملية سياسية جديدة بعد الانتخابات يمكن من خلالها تسوية هذه الخلافات عن طريق الانسجام السياسي وعدم تهميش من يشعرون بالظلم .

وقد كرر العبارات نفسها جون كيري أثناء زيارته الأخيرة إلى بغداد , وعندما تم إطلاعه على المخططات التي ينوي داعش تنفيذها لتشمل المنطقة العربية والإسلامية وليس العراق فحسب لاسيما بعد أن أعلنت داعش عن ضم الأردن إلى مخططاتها , اكتفى كيري بالتلميح بان الولايات المتحدة تراقب التطورات وان لدى الرئيس الأمريكي خيارات مفتوحة سيستخدمها متى ما دعت الحاجة لذلك , ورغم إن الولايات المتحدة الأمريكية لديها اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع العراق الموقعة سنة 2009 والتي تضمن نص المادة الرابعة منها ( المهمات ) والتي نصت على ( 1. تطلب حكومة العراق المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة لمساندتها في جهودها من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق، بما في ذلك التعاون في القيام بعمليات ضد تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى والجماعات الخارجة عن القانون وبقايا النظام السابق.2. تجرى جميع العمليات العسكرية التي يتم تنفيذها بموجب هذا الاتفاق بموافقة حكومة العراق .ويتم التنسيق الكامل بشأن هذه العمليات مع السلطات العراقية. وتشرف على تنسيق كل تلك العمليات العسكرية اللجنة المشتركة لتنسيق العمليات العسكرية (JMOCC ) التي يتم تشكيلها بموجب هذا الاتفاق. وتُحال إلى اللجنة الوزارية المشتركة القضايا المتعلقة بالعمليات العسكرية المقترحة التي يتعذر على اللجنة المشتركة لتنسيق العمليات العسكرية البت بها. 3. تنفذ جميع تلك العمليات مع وجوب الاحترام الكامل للدستور العراقي والقوانين العراقية، ويكون تنفيذ هذه العمليات دون تجاوز لسيادة العراق ومصالحه الوطنية، حسبما تحددها الحكومة العراقية. إنّ من واجب قوات الولايات المتحدة احترام قوانين العراق وأعرافه وتقاليده والقانون الدولي النافذ. 4. يواصل الطرفان جهودهما للتعاون من أجل تعزيز قدرات العراق الأمنية، وفقاً لما قد يتفقان عليه، بما في ذلك التدريب والتجهيز والإسناد والإمداد وبناء وتحديث المنظومات اللوجستية بما في ذلك النقل والإيواء والتموين للقوات الأمنية العراقية. 5. يحتفظ الطرفان بحق الدفاع الشرعي عن النفس داخل العراق كما هو معرف في القانون الدولي )

وعودة إلى السؤال الذي طرحناه في بداية المقالة عن أسباب عدم تقديم الدعم العسكري الأمريكي المباشر للعراق والاكتفاء بإرسال المستشارين العسكريين فان القناعة الأمريكية الحالية تتلخص بما يأتي :

1. إن الوضع الذي حصل في العراق ليس كله داعش بل هو مزيج من المتحاملين على سياسات الحكومة الاتحادية ممن يشعرون بالتهميش والإقصاء والمحرومين من الاستحقاقات المعيشية .

2.إن ما حصل هو امتداد طبيعي للاعتصامات التي شهدتها بعض المحافظات والتي لم تتم الاستجابة لها في حينها رغم إن بعض منها مشروع باعتراف الحكومة الاتحادية .

3. إن القيام بأعمال عسكرية سيصيب السكان بالضرر أكثر من إصابة الدواعش لان الأخير قد فتح ممرات آمنة مع سوريا وبإمكانهم أن يكونوا بمنأى عن هذه الضربات عند استخدامهم الحدود للكر والفر .

4. إن ما يحصل هو الثمن الذي يجب أن تتحمل أعباءه الحكومة بسبب دعمها المباشر وغير المباشر للنظام السوري الذي ما كان له أن يصمد لولا الدعم الحكومي .

ورغم إن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك الأدوات في متابعة الأحداث في العراق لكي تصل إلى أكثر من هذه الاستنتاجات , ولكن يجب عدم إغفال الاتصالات التي كان يجريها السياسيون العراقيون مع أمريكا بشكل مباشر وغير مباشر لنقل هذه الصورة عن الوضع في العراق , ولو تم توجيه سؤال لهؤلاء لماذا لم يتم مناقشة هذه المواضيع وحلها داخليا من خلال العلاقة بين الكتل السياسية أو من خلال مجلس النواب أو أية قنوات عراقية أخرى , لأجابوا وعلى الفور لقد طرقنا جميع الأبواب ووجدناها موصدة ولهذا اضطرتنا ( وطنيتنا ) للاستعانة بالأصدقاء بهدف الضغط على الحكومة لإيجاد حلا داخليا قبل تفاقم الأمور , كما إن الإجابات ربما ستكون بان كل ما يقال عن داعش ماهو إلا غطاءا لتبرير الفشل السياسي فمن يسيطر على الأوضاع هم العشائر والمنتفضين (الثوار ) وان التفاوض المباشر معهم كفيل بمعالجة جميع الأمور أما من خلال الدستور الحالي أو من خلال إعطاء الوعود الحقيقية لإجراء تعديلات على الدستور بتوافق الجميع على أن يرافق ذلك مراجعة شاملة للعملية السياسية لوضعها في الإطار المطلوب .

وإذ كانت الأمور بهذه الدرجة من التبسيط فان هناك حاجة ماسة للإجابة عن الظهور العلني ( للخليفة ) في قلب المدن الموصلية وهو يطلب البيعة إذا كان ذلك الظهور حقيقيا بالفعل , وبغض النظر عن هذا الظهور الذي كذبه المتحدث الرسمي للداخلية, فان ما يجب إدراكه بالفعل هو إن الأحداث تتطور يوما بعد يوما , فعدد النازحين والمهاجرين يتضاعف يوما بعد يوما , وباستثناء الأغنياء والميسورين فان الأغلبية يعيشون مأساة إنسانية بحق ونحن في شهر تموز وفي شهر الصوم وهناك عشرات الآلاف من الطلبة لم يكملوا امتحاناتهم كما إن الجسور تهدم والطرق تقطع والبني التحتية تقع ميدانا للمعارك وسوف لايمكن إعادة أعمارها إلا بمليارات الدولارات وبعدد غير معروف من الأشهر والسنين , والأكثر من ذلك كله فان دماء عراقية تهدر وأرواحا تزهق داخل الوطن والخاسر الوحيد هو العراق وكما أثبتت معارك استعادة أجزاء من تكريت فان العودة إلى الوضع الذي يسبق العاشر من حزيران يتطلب الكثير من الوقت .

لقد عرف العراقيون اليوم وبشكل واضح وجلي , إن الولايات المتحدة الأمريكية سوف لا تكون طرفا في الحل العسكري لان الوضع داخلي على حد وصف قادتها , وهي ترفض أن تسميه إرهاب لأنها لو اعترفت بذلك لأوفت بالتزاماتها بموجب الاتفاقية أنفة الذكر , وما دام الوصف على هذا الحال لماذا لانحل مشاكلنا في البيت العراقي إذا كان ما يفرقنا لايعدو عن كونه تكابرا أو كبرياء , وباسم الله وشهر الصوم الذي تغسل فيه كل الذنوب نستحلف السياسيين لإيجاد حلا لهذه المشكلات وبما يضمن عودة العوائل إلى ديارها وإيقاف سفك الدماء , ونذكركم هنا بشيبات الرجال والنساء التي تذل في نهايات عمرها كما نذكرهم بدموع النساء التي لم تنقطع منذ سنين وبضحكات وألعاب الأطفال التي انقطعت في عطلة الصيف , وإذا وجدتم بان القضية ليست داخلية وليس بالإمكان حلها في بيتنا الداخلي العراقي فاذهبوا إلى المنظمة الدولية لعلها تعين في الحل وتصدر قرارا تجرم فيه ما يجري بحق العراقيين , وحتى يكون الحل ممكنا سوف لا تنقطع دعوات العراقيين والعراقيات بان يهدي الله القلوب والعقول وان تتوحد الدماء لقتال العدو حين يكون معروفا ومفضوحا للجميع.