يقول اهل المنطق اذا اردت ان تطاع فأمر بالمستطاع، لذا فأن كثرة المطالبة دون تنفيذ او صدى موافق عليها يذهب بوجه المُطالب والمَطالب.
كثيرا ما نسمع من قادة اقليم كردستان العراق دعوات بل وتهديدات مستمرة بأنفصالهم عن العراق، وواقعا هم يتصرفون بلحاظ ذلك الانفصال، حتى انك كعراقي اذا اردت ان تدخل احدى محافظات الاقليم عليك ان تخضع لطابور مذل من الازدحامات والكلمات النابية والقاسية، هذا ان حالفك الحظ ووجدت من يكفلك هناك، بينما المواطن الكردي يصل الى الزبير والرطبة وبدرة وكل مناطق العراق بأية هوية تعريفية إن طُلبت منه في سيطرة ما، والسؤال الابرز بعد كل ذلك لماذا لا ينفصل الاكراد بسلام اذا كانت هذه رغبة للشعب الكردي بل وحلم يحلمون به، نعم لنضحي بذكرياتنا عن “لبن” اربيل “وكرزات” شقلاوة ومصايفها الجميلة وكاكا حمه، وهذا التراث الجميل، لنضحي من اجل ان ينعم اهلنا في كردستان العراق بنظام سياسي ودولة يحلمون بها، ولن يتغير شيء فكما ندخل الان كعراقيين من بلد واحد من خلال ورقة وتأشيرة دخول ونحتاج الى كفيل سندخل الاقليم كذلك، وكما ان لهم علمهم وجيشهم الخاص، وتمثيل دبلوماسي خاص، لم يبق لهم سوى اصدار عملة نقدية خاصة وما تقدم هي ابرز مقومات السيادة.
مالذي يمنعهم ولماذا لا ينفصلون؟ اذا اجبنا على هذا التساؤل سنعرف عندها ان ما يطرح وعيدا او تبشيرا او تهديدا بالانفصال هو مجرد اوراق يعتقد مطلقيها انها اوراق ضغط ضد النظام السياسي في بغداد ومخرجاته لاجل الحصول على مكاسب اكبر.
والجواب ان هناك معوقات داخلية وخارجية تمنع اقامة دولة كردية حدودها كمرحلة اولى سليمانية اربيل ودهوك.
المعوقات الداخلية :-
١- للاقليم في بغداد اكثر من الف درجة خاصة بين وزير ونائب ووكيل وزارة وسفير ومدير عام وكل ذلك حالي او سابق، وعند تأسيس الدولة الكردية فأن هؤلاء سيكونوا تابعين لدولتهم ” رواتب وامتيازات” وغيرها، وسيصبحون ابناء بلد اخر وجنسية اخرى فلا يحق لهم التمتع براتب جاري او تقاعدي فهل سمعتم ان اجنبيا يأخذ راتبا تقاعديا من دولة اخرى؟.
٢- تحدي وجود مناصب تكفي لكل هذه الطبقة السياسية في الاقليم فالعدد الذي ذكرناه لا يقل عنه عدد القيادات والمناصب المهمة في اقليم كردستان حاليا، فكيف ستوزع بينهم المناصب هناك، ولاحظنا مع دخول لاعب سياسي وهو ” حركة التغيير” منافسا للحزبين الكرديين ” puk,bbk ” اشتعلت دائرة التنافس على المناصب حتى مُنع رئيس اقليم كردستان المنتخب دستوريا والممثل للسلطة التشريعية من دخول اربيل كونه يتبع حركة التغيير الكردية المنافسة، عُطل العمل التشريعي في الاقليم بل ومنع رئيس من دخول عاصمته، لا بل اصدر القضاء الكردي مذكرة قبض بحق رئيس حركة التغيير ثالث اكبر حزب سياسي مشارك في سلطة الاقليم، كل هذا والدرجات الخاصة الموجودة ببغداد ماتزال تأخذ حصتها من كعكعة بغداد لم تصل يدها لكعكة الاقليم فكيف اذا وصلت؟
٣- وجود اكثر من خمسة افواج عسكرية منتسبيها من القومية الكردية ومن سكنة الاقليم هم حمايات لشخصيات حكومية سابقة وحالية وهؤلاء سيعودون الى الاقليم بمجرد تحقق الدولة الكردية، فهل تستوعب ميزانية البيشمركة الكردية كل ذلك، وهي التي تعاني تضخم كبير في هذا الجانب.
٤- في تجربة طُبقت منذ عام تقريبا وهي ان يستلم الاقليم امواله اذا اوفى بالتزامه بتصديره ل ٥٥٠ الف برميل يوميا وبخلاف ذلك لم يستلم ال ١٧ التي كان بستلمها، ماذا حصل؟ موظفوا الاقليم منذ شهور بلا رواتب لان حكومتهم لم تصدر ال٥٥٠ المتفق عليها لذا بغداد لم تمنح الاقليم ال١٧ وهذا مأزق كبير قاب قوسين او ادني ان يطيح بحكومة واحزاب الاقليم، وهذا يعني ان اقليم كردستان العراق غير مهيأ اقتصاديا للانفصال الان وكان وما زال يستلم ” عالجاهز” اكثر من استحقاقه الطبيعي وتجربة العام كفيلة ببيان ذلك.
٥- لم يتجاوز ساسة الاقليم حروب الماضي بينهم وان خرج قادة تلك الحروب مبتسمين امام الكاميرات، لكن شجار بسيط بين شاب من البارتي والبيوكي، حتى تشتعل منطقة الاقليم من جديد، كما ان البيشمركة منقسمة الولاء والقيادة والتنظيم بين البارتي والبيوكي، فكيف اذا اختلف الطرفان من يحكم ويضبط ايقاع تحركات كل منهما؟.
اما المعوقات الخارجية فهي ببساطة تكمن من خلال الاجابة على التساؤل التالي، هل ستقبل كل من ايران وتركيا وسوريا اقامة دولة كردية ولديهم شعب كردي طامح لاقامة هذه الدولة ووجوده الجغرافي بمحاذات تلك الدولة يسهل ذلك؟ ففي كل من ايران وتركيا وسوريا اكراد يحلمون بدولتهم الكردية وهم على مقربة جغرافية منها، بل كثير منهم يدعي التهميش والاقصاء من دولته الحالية والواقع ان اكراد هذه الدول سيكونوا اول الداعمين للدولة الكردية المنشودة، فهل سترضى هذه الدول ان تُقتسم اراضيها وشعبها لصالح اكراد العراق، والمعروف ان ايران وتركيا من الدول المحورية في المنطقة وليست البسيطة او الهامشية ولديهما نظم سياسية مستقرة وترسانة عسكرية عريقة وكبيرة، فهل ستضحي بسهولة بشعبها وارضها؟
عندها سنعرف ان دعوات وتهديدات الانفصال لا تعدوا كونها تصدير لمشاكل داخلية واشغال الرأي الكردي الداخلي بوهم الدولة الكردية لا اكثر لان تهديدات الانفصال لم تعد تلك الورقة الضاغطة المؤثرة على النظام السياسي ببغداد.
شخصيا اتمنى ان يجد اكراد العراق طريقهم بتأسيس دولتهم الكردية بسلام ولا يدخل اي عربي لدولتهم الا بجواز وتأشيرة دخول ولا يدخل اي كردي الى العراق ” الشقيق” الا بجواز وتأشيرة دخول، ويلتزم كل منهما بقانون الدولة الاخرى، فلا يهان العربي هناك، ويحترم الكردي هنا، الحلم والطموح بدولة كردية مشروع وكفله الدستور بل وكفلته كل المسوغات العقلية والمنطقية اذا ارادت ارادة امة الاكراد ذلك. اما اذا كان البعض يتذرع بالمناطق المتنازع عليها، فعلينا جميعا ان نمضي الى الشرعة الدولية ” الامم المتحدة” والتي تمتلك تجارب مماثلة في العالم وتشكل لجان وتصل الى نتيجة يلتزم بها الجميع، حتما النتيجة ستكون وسطية لا تلبي كل طموح الاكراد ولا العرب ولا التركمان.
كركوك العقدة الابرز في القضية تبقى منطقة مُشتَرك فيها وليس متنازع عليها، ومن شاء من اهلها ان يلتحق بالاقليم فله ذلك ومن اراد البقاء مع العراق الدولة الام فله ذلك، وحتما سيجد الحريصون حل سلمي للمشكلة وبمساعدة الشرعة الدولية حلا لها.
لذا ادعوا حكومة اقليم كردستان ان تطرح مشروع تقرير الانفصال على الشعب الكردي واذا حصلت موافقته نعمل جميعا على تحقيق هذا الطموح والحلم لهم.
ان نعيش جيران متحابين
خير من اهل متحاربين.