23 ديسمبر، 2024 8:28 م

لماذا لا يعلن السيستاني نفسه ولياً فقيهاً في العراق ؟!‎

لماذا لا يعلن السيستاني نفسه ولياً فقيهاً في العراق ؟!‎

لا يخفى على الجميع مدى تأثير مرجعية السيستاني على المشهد السياسي العراقي بشكل خاص, وبالتحديد منذ عام 2003 وليومنا هذا, ودائما ما نجد لها تدخل في كل تحرك سياسي يحصل في العراق, ففي الانتخابات هي من يتصدر المشهد وهي من تحرك الناس نحو الاقتراع وتحدد من ينتخبون, وكما لها دور في تحديد أو تنصيب من يكون رئيسا للوزراء, وكذلك تستخدم لغة الأمر في كل خطاباتها الموجهة للسياسيين, وله دور في دعم العديد من الكتل والأحزاب السياسية, كما نلاحظ كيف إن الساسة يتهافتون على أبواب تلك المرجعية الإيرانية المقيمة في العراق, وهي بذلك تمارس دور يشابه لحد كبير الدور الذي يقوم به كل من حمل أو يحمل عنوان ” الولي الفقيه “.

فمن المتعارف عليه إن الولي الفقيه يشرك السياسة بالدين والدين بالسياسة, أما من لا يقول بولاية الفقيه فهو يفصل بين الدين والسياسة, لكن الغريب بالأمر إن كل تلك الأفعال والتدخلات في الشأن السياسي التي تقوم بها مرجعية السيستاني والتي لا يمكن لأي أحد أن ينكرها وفي الوقت ذاته لا تعتقد هذه المرجعية بمبدأ ” ولاية الفقيه ” !! فعلى الرغم من أنها تتدخل في السياسة وتمارس أدواراً سياسية كثيرة وهذا هو مايقوم به الولي الفقيه لكن السيستاني رغم ذلك لا يعتقد ولا يقول بولاية الفقيه, وهذا يجعلنا نتساءل عن سبب عزوف السيستاني عن إعلان نفسه ولياً فقيهاً في العراق ؟!.

وجواب ذلك السؤال هو : الكل يعرف هوية السيستاني, فهو شخصية إيرانية دخلت للعراق في ثمانينات القرن الماضي, وهو إلى الآن لا يملك الجنسية العراقية والتي رفضها بعد أن أراد ساسة العراق بعد عام 2003 أن يمنحوها له, وفي إيران وخارجها كل رجال الدين من مرجعيات وقيادات إيرانية تدين بالولاء والسمع والطاعة لمن يحمل عنوان ” الولي الفقيه ” هناك, والذي يحمله الآن خامنئي, وبما إن السيستاني رجل دين إيراني فهو يدين بالطاعة والولاء للولي الفقيه في إيران, فلا يمكنه أن يعطي لنفسه عنوان يتعارض مع عنوان خامنئي, فإعلان السيستاني نفسه ولياً فقيهاً, هذا يعني إنه لا يقر بولاية الفقيه الإيرانية التي يدين بالولاء لها, وهذا يضر بإيران وتحركاتها في المنطقة العربية وبالعراق على وجه الخصوص, لذلك نجده نأى بنفسه عن إعلان ولاية الفقيه في العراق, على الرغم من قيامه بدور الولي الفقيه كما بينا وكما يشهد بذلك واقع الحال العراقي.

فهو أي السيستاني, يقوم الآن بدور ولاية الفقيه بدون إعلان عنها, من اجل خدمة المشروع الإمبراطوري الفارسي في المنطقة, حيث نجد إن كل ما صدر ويصدر من السيستاني يتماشى وفق رغبات إيران ووليها الفقيه خامنئي, فالمجرم المالكي منذ اللحظة الأولى لتسنمه الحكم في العراق كان يحظى بدعم السيستاني الذي أوجب انتخابه وانتخاب قائمته ” دولة القانون ” كما إنه حرم على الشعب العراقي الخروج بتظاهرات ضد فساد حكومة المالكي في عام 2011 م, حتى إنه لم يعطِ رأيه في تغيير المالكي بالعبادي إلا بعدما تم تعيين الأخير في منصب رئيس الوزراء, وكل هذا وفق الإرادة الإيرانية التي لم يخرج عنها السيستاني.

وكذا الحال بالنسبة لفتوى الجهاد الكفائي التي أصبحت أكبر غطاء للتدخل الإيراني في العراق, إذ تشكلت مليشيا الحشد بفتوى من السيستاني, وأخذت هذه المليشيا ومنذ اللحظة الأولى لتشكيلها بالعمل تحت إمرة قادة وأمراء وزعماء إيرانيون كقاسم سليماني, حتى إن إيران وبتوجيه من خامنئي أخذت بتحريك تلك المليشيات من العراق إلى سوريا دون الرجوع إلى السيستاني وهو قد أمضى ذلك بسكوته وعدم رفضه لذلك الأمر. كما إن السيستاني قد دعم موقف إيران من التدخل الروسي في العراق, فبعد إعلان تشكيل اللجنة الإستخباراتية المكونة من الروس والإيرانيين والعراقيين, أعلن السيستاني ومن على لسان ” احمد الصافي ” في إحدى خطب الجمعة التي تلت إعلان تشكيل تلك اللجنة, بأن السيستاني يرحب بكل تدخل دولي من شأنه أن يقدم الدعم للعراق. 

فلا يمكن أن يخرج السيستاني عن طاعة إيران ويخالفها الرأي والعقيدة والفكر والمنهج, لأنه وكما يقول المرجع العراقي الصرخي في لقائه مع قناة التغيير ((… من خلال تجربة الثلاثةَ عشر عاماً تيقَّنتم أنّ إيران تلعبُ بالمرجعيات كما تلعبُ بآلات ورُقَع الشطرنج، والخارج عن فلَكِها ومشروعها فليضع في باله أن يكون حاله كحالي، يعيش التطريد والتشريد، فليبحث عن قلوب الشرفاء كي يسكن فيها، ويستمتع بصدقهم وإخلاصهم وحبّهم وإيمانهم وأخلاقِهم…..(….)….، فراجعوا كل ما صدر من فتاوى ومواقف المرجعية التي تُرجِمت على أرض الواقع، فستتيقنون أنه لم يصدر شيئاً وتُرجِم على الأرض إلّا وهو يصب في مصلحة إيران ومنافعها ومشروعها…)).

وهذا هو السبب الرئيسي في عدم إعلان السيستاني نفسه ولياً فقيهاً في العراق, كي لا يتعارض مع ولاية سيده الولي الفقيه في إيران خامنئي الذي دعم السيستاني من أجل خدمة المشروع الإمبراطوري الفارسي في العراق وفي غيره من البلدان العربية, فعدم إعلان السيستاني ولاية الفقيه في العراق ليس لأنه لا يعتقد بها, بل لأنه لا يريد أن يضر بولاية الفقيه في إيران وهذا طبعاً بأمر وتوجيه منها.