19 ديسمبر، 2024 2:45 ص

لماذا لاتحتاج بغداد الى كنية جديدة ؟

لماذا لاتحتاج بغداد الى كنية جديدة ؟

* ذبح الثقافة بسكاكين الإقصاء والطائفية والمذهبية
* رواد ثقافة بغداد يجوعون ويحتضرون وببغداد يحتفون               

بعيدا عن جميع المفردات الغثّة التي اجتاحت حياتنا السياسية والإقتصادية والثقافية , عليّ وعلى غيري من حاملي الهم العراقي ,ان نفتح (كوة ) لفرح حتى لو كان محدودا, باعلان بغداد عاصمة للثقافة العربية , برغم ان تلك (الكوة ) المانحة لبعض نسيم منتظر, مالبثت تقطر دما, وألما ,وقلقا ,مثل ذبيحة عزاؤها انها ذبحت بعد ريّة ماء وبسكين حادة !

احتفل ماتبقى من مثقفين وفنانين , تمكنوا من لي أعناق الألم والحاجة ,المغمسة بالخوف من مصير مجهول , وحاضر ملغوم , ومشهد تقافز فيه وعليه مدججون بالسلاح , من اجل حماية عرض مسرحي ,او قصيدة ,او واحة كتب!

يقولون.. بغداد عادت الى ثقافتها , وثقافة بغداد عادت الى روافدها !..وأقول ليس بدعوة المئات من الملبين , لدعوة بغداد تعود الثقافة الى منارتها, وتعود منارتها الى الزهو بثقافة عراقية وبغدادية رصينة , انزوت بفعل قرارات جاهلة قاصرة عن استيعاب مفهوم العراق وبغداد للثقافة !

بتركيزشديد ,كيف لفرحة الثقافة العراقية ان تكتمل؟ ومانسبته 80% من مثقفي ورواد الثقاقة العراقية خارج مطارح هذه الثقافة , التي لايمكن الا ان ينظر لها اليوم بمنظار العجز عن اللحاق بقيم مفترض سيادتها للمحتفي بالثقافة ! أين هم رموز الثقافة العراقية ؟ الذين أوصلوا تلك الثقافة , الى ان تنتصر على الميليشيات والأحزاب الطائفية ونذر الموت والإقصاء ؟ التي حفلت بها قوائم (فيلق بدر) وفرق الموت ,من شتى المصادر والجهات ,التي وضعت اسماء المئات من المثقفين والمبدعين والفنانين , على حافة السكين من دون فحص وتمحيص ورويّة , فيمن يكون حقيقة قد آذى ثقافة الشعب العراقي , وأساء الى مفاهيمها وقيمها ..فجاءت تلك القوائم عمياء ومزورّة عن اتيان الحق والعدالة  ,حتى انها خلطت الحابل بالنابل ,والمسئول المترف بالصعلوك الكادح ,الذي تناول مع عائلته الخبز والدبس , في وقت علا  فيه شأن المدللين لكتابتهم مقالة يتيمة ما , أرضت المسئول ليرتفع مستوى كاتبها الدنيوي الى مالم يبلغ احلامه !

قوائم مترادفة شملت المثقف المهني معسّر الحياة , كما شملت اعضاء فرقة الفنون الراقصة .. وموتى كثيرون , وكأن منظمو هذه القوائم أرادوا اللحاق بالموتى لذبحهم على (الصراط المستقيم ) ..في وقت ظهر لنا التناقض الواضح بين تقييمات تلك الجهات التي اصدرت قوائم الموت على المثقفين والصحفيين والكتاب , لنجد بينهم ايضا اسماء مثل ثامر ابو رغيف الذي  نجده اليوم ناطقا بأسم الإحتفاء ببغداد عاصمة للثقافة العربية , ومديرعاما للشئون الثقافية , ولنجد عليها آخر عمالقة الشعر العربي الأحياء عبد الرزاق عبد الواحد الذي يمارس حياته احتضارا بعد ان رماه فرسان بغداد الجدد خارج حدودها فريسة للحاجة والعوز!..فكيف لبغداد ان تحتف بصيرورتها عاصمة للثقافة العربية وهي بنصف اجنحتها الثقافية ؟

ومتى يتاح لمثقفيها الشباب , التعايش ومواكبة مثقفي بغداد, وفرسان شعرها ,وفنها ,وتشكيليها ,وموسيقاها, وكلمتها الصادحة ؟ وأنّا لبغداد ان تفرح بمايحاول الفرحون جرها اليه ..ليقولوا هاهي بغداد , جذلة , فرحة بكونها عاصمة للثقافة العربية ! لا تريد بغداد حقيقة هذه الكنية اليوم ! فهي كنيتها منذ صافح اسمها الزمان , فالثقافة مرتعها, تجارب , وكتابة وطباعة وقراءة ..واليها والى نجف العراق وكاظميتها وموصلها ودار حكمتها وأزقة صعاليكها المثقفون , ترادف ادباء العرب ,وفنانونها ,ومثقفوها متزودين من فكر بغداد, وفنونها وتراجمها و وابداع كلمتها ..اذن بغداد كنيت ب(عاصمة الثقافة العربية) قبل نشوء مدن الثقافة العربية المعاصرة بكثير,  بل قبل صياغة مثل هذا المفهوم  , وهي ليست في حاجة الى اسقاط اسماء المئات من مبرزيها , ليقتصر امر الإحتفاء على معاصرين وشباب , لم يقتنعوا هم بعد في قرارة انفسهم , انهم فرسان لبغداد بفكرها وفنونها وثقافتها !

اليس كان مفترضا , ان تصرف هذه الملايين من الدولارات المهدورة على جلسات  تتضح قصديتها الدعائية , من دون تأثير مؤثر في بنية الثقافة العراقية , على توفير الظروف الموضوعية, لإعادة حوالي الف مبدع الى ديارهم؟  بدلا عن دعوة مئة فنان مصري , ومئات الطلبة العراقيين الدارسين ,وغيرهم كثير !

ترى هلى نسمع ان خطباء احتفاء بغداد بكونها عاصمة للثقافة العربية , سيقرون التوجه الى ذوي القرار والسلطة في ما يسمى بلجنة الثقافة ب(مجلس النواب ), من اجل اعادة مثقفي بغداد وعلماءها وفنانيها ومبرزي كلمتها, الى سوحهم , ورياضهم , ومرابع منافساتهم , لتصبح بغداد فعلا عاصمة لثقافة العرب ! وهي كذلك , بكنية مستحدثة , او من دون كنية !

عيب ان تبقى (قوائم العار) معلقة , ترهب , وتحذر , وتقلق , من واصلوا تأسيس ثقافة العراق , وبغداد منها في القلب , بدعاوى السياسة , والتمذهب , والتحزب ..فالثقافة ..وان أثّرت فيها سلطة مرحلية او حاكم ادار جوئية من كليتها ..فكل تلك أمور مؤقته , جبل عليها الحاكمون , ويذهب تأثيرهم ما أن يذهبوا خارج منطقة التأثير والتأثر . والباقون هم المثقفون , المبدعون بكتبهم ,و نتاج شعرهم , وقصصهم , ومنتجهم الفكري . فهم ملح الأرض ! وهم عناوين لفكر أي شعب .

لترتفع اصواتنا , ولتترادف كتاباتنا , من دون خوف او وجل , لنعيد المثقفين والمفكرين والصحفيين , ومعتنقي الكلمة الهادفة الى مرابعهم ومراتعهم ..فالحياة الثقافية والفنية عطشى انتاجهم ..الشعب المألوم والمأزوم في أمس الحاجة الى ابداعهم , لتحلو بهم الحياة , رغم محنة

فرّج الله كربها !

ورود الكلام …

……………..

عندما كتب النصر لضباط مصر في ثورة 23/ يوليو 1952, كانت أمامهم مهمة تصفية كافة الصحفيين والأدباء والفنانين , الذين عرف بهم عهد فاروق,ولكن الرئيس عبد الناصر , كانت له رؤية تتمثل باعتبار هذه النخبة (ثروة الامة من اجل البناء ), فأطلق يد محمد حسنين هيكل , ومصطفى وعلي أمين , وأنيس منصور ..وصار مطربون من أمثال (ام كلثوم) مطربة البلاط المصري , وعبد الحليم حافظ , وعبد الوهاب ,وفريد الأطرش , عناوين لثقافة وفن ذلك الزمان , خدموا ثورة مصر وعهد عبد الناصر ,وبعد عقود خرجت مصر ..كل مصر لتوديع عبد الناصر وتلك الرموز الى مثاويهم الأخيرة بكل تقدير ..أنه الزمن , والحكمة !

أحدث المقالات

أحدث المقالات