16 سبتمبر، 2024 9:56 م
Search
Close this search box.

لماذا كردستان آمنة وبغداد تحترق .. نصائح للحكومة للتعامل مع الارهاب

لماذا كردستان آمنة وبغداد تحترق .. نصائح للحكومة للتعامل مع الارهاب

الموت والدمار المتنقل يوميا بين مدننا العراقية يصيب الحياة الطبيعية بالشلل ، ويسد منافذالابداع والتطور والتنمية التي لا تزهر الا في جو الامن والامان…والعيش فترة طويلة في ظروف انعدام الامن يصيب الانسان بالكآبة والاحباطووتصبح الحياة عبثية ،فيقتل ذلك في نفسه كل حافز للتغيير والتطوير، وفي حالات معينة يفقده ذلك توازنه النفسي ويدفعه الى سلوك ضار بالنفس اوعنف تجاه الاخرين، قد يتحول في ظروف مواتية الى ارهاب سافريصيب المجتمع بافدح الاضرار .
ألا يحق لاي منا ان يتسائل ، لماذا بعد عشر سنين من البناء الجديد والمصروفات الهائلة في مجال ألامن ومكافحة الارهابمازلنا نراوح عند خط الشروع ؟ ولماذا تفشل الدولة رغم كل ماتبذله من جهود ، في حفظ امن الناس والمجتمع ، وهي المهمة الاساسية لاية دولة؟ وفشلها في هذه المهمة ، الا يضعها في عداد الدول الفاشلة  في العرف الدولي ؟ وبالتالي الا يقوض ذلك شرعيتها ؟الا تصبح كل العملية السياسية بدءا من مهرجان الانتخابات الى تشكيل الحكومة وكل العملية السياسية  مجرد ملهاة وضحك مستمر على الذقون ؟
هل يليق بدولة عريقة كالعراق ،لا تنقصهاالاالموارد المادية والبشرية ولا الخبرات للتعامل مع هكذا ملف مهم؟ …ولان الفشل فيه ، يستجر حتما تداعيات كارثية في كل نواحي الحياة العامة ، أهمها الشلل في التنمية والخدمات وانتشار الجريمة والفساد بكل انواعه.
نتسائل لماذا نجحت كوردستان ان تجعل الامن يستتب في ربوعها وان يعيش شعبها بامان وحرية وانتبني ارضية صلبة لتطور حقيقي يعم ارجائها ؟فيما بغداد ومدننا الاخرى تحترق بنار الارهاب وتعيش ظروفا معيشية وخدمية بائسة حتى انه من الظلم حقا تسميتها ” مدنا ” ، بعد ان فقدت مقومات مدنيتها واصبحت نهبا للضربات الارهابية شبه اليوميةوعبث المجموعات المسلحة التي تستبيح حياة وامن المواطن وتستهين بهيبة الدولة ، ونهبا للفسادا المنظم الذي يستغل الظروف وينخر الدولة من الداخل ليقيم دولته الخاصة على اشلائها ويهدر ويسرق امكانياتها ..(يتم ذلك برضى الدولة او سكوتها او عجزها عن التدخل)… ولم يبق الا أن ننتظر وقت الانهيار الكامل .
الجواب لا يتضمن اية اسرار . القيادة الكوردية كانت واعية منذ الاساس لمتطلبات بناء المرحلةالمستقبلية بعد 2003 . فلم تنساق خلف سياسات المحاصصة والاجتثاث والمسائلة والتجريم بحق من كان عدوا او معارضا لها . بل اعطت الجميع فرصة للمصالحة والحوار وجعل التاريخ هوالحكم …وبذلك نجت من الشرك الذي خلقه المحتل الاميركي لنا وسارت الحكومات المتعاقبة على خطاه بشكل اعمى تدفعها غرائز الثأر والانتقام من أعداء حقيقيين ( وهم قلة ) ووهميين أبرياء ( وهم الكثرة ) ،فخلقت شريحة كبيرة معادية  يغذيها التهميش والاقصاء والالغاءوالاجراءات الحكومية التعسفية بحقها ، فكانت ردة فعلها الطبيعية معارضة وحتى معاداة الواقع الجديد الذي ظلمهاوظهور المجموعات المتشددة والارهابية من بينها ، فللارهاب بيئة يجب توفرها وقامت الحكومة بتوفير الكثير من مستلزماتها ونفخت فيها الحياة في حين قامت التنظيمات الدولية ومصالح الدول الاقليمية المتضاربة من الوضع الجديد في العراق الذي يؤججه الخطاب المذهبي بتوفير الباقي .
القيادة الكوردية سمحت للجميع بالعمل السياسي من اقصى الاسلاميين الى القوميين المتشددين مرورا  بالليبراليين اليساريين بشكل متساوي فاصبح الجميع..الموالي والمعارض يعملون ضمن سقف القانون والدستور سلميا ، وتجنبت العملية السياسية اية خضات عنيفة تؤثر جديا على مسارها المتقدم. وراينا كيف ان الخلافات يتم احتوائها بالحوار وتقديم التنازلات المتبادبة لان مصلحة الوطن هي المقياس وليس اي شيء اخر .
أما في دولتنا العلية ، فالقوة الدافعة للخلطة غير المتجانسة من التشكيلات والشخصيات السياسية المتحاصصة في السلطة ليست صادقة النية ، وتحكمها الاختلافات الحادة في كل الامور …بدءا من هوية الوطن وعلمه ونشيده الوطني الى شكل الدولة وطريق الحكم ، ونقلت صراعها هذا الى الشارع ليتحول مجتمعنا الى كانتونات طائفية ومناطقية وحزبية وميليشياوية يتمترس ورائها كل ذوي الاغراض الانانية عدىالاغراض الوطنية وساهمت في تقسيم المجتمع افقيا وعموديا ورفع الجدران الكونكريتية والنفسية لتعزل مابين مكوناته . وسمح ذلك لكل الخارجين على القانون من ارهابيين ومجرمين وفاسدين وميليشيات لتبرير افعالهم بشعارات دينية ونصرة الطائفة او الدفاع المشروع  عنها.
القيادة الكوردية لم تعامل شعبها على اساس مذهبي او طائفي او مناطقي وفقا لمعايير مرفوضة وطنيا وانسانيا ، بل انفتحت على المسيحي والايزيدي والفيلي والشبكي وحتى التركماني ( حتى وان كان هذا الانفتاح يخدم اهدافا سياسة هيمنة طنقومية او احتواء جغرافي الا اننا يجب ان نعترف بانه يجري بسلمية تامة وليس باجراءات عنفية او ارغامية ). في حين ان ممارسات الدولة واجهزتها كلها محكومة بعقد التطييف والتحزب، وكأن منطقها عندما كانت في المعارضة مازال يتحكم بها ولم تستفد شيئا من خبرات الحكم …ومازال اي ناقد او معارض يعامل كعدو و “من ازلام النظام السابق او من القاعدة او الارهاب او البعث المجرم “… وهي التهم الجاهزة لخنق الديمقراطية والحريات المزعومة .
الهروب الى الامام لا يجدي في تعليق مسؤوليات الفشل الامني على الخارج ( التصريحات الاخيرة للسيد رئيس الوزراء مثالا) رغم موافقتنا على ان للايدي الخارجية دور فيما يحدث . لكن الا يحق لنا التساؤل : أن كنت غير قادر على حراسة بيتك فهل تلوم السارق من النط من على سوره ؟ وان لم تكن تستطيع الامساك بحرامي البيت في الداخل فهل تلوم من يطمع بك في الخارج ؟
كوردستان استطاعت تحييد اكبر عدوين لها (ايران وتركيا) يناصبون الكورد والدولة الكوردية العداء تاريخيا ، وتمكنت القيادة الكوردية من نسج مصالح متبادلة واسعة معهما لتحولهما الى شريكين ستراتيجيين فأمنت تدخلاتهما المؤذية في شؤونها الداخلية . في حين تلف سياستنا الخارجية الضبابية والمزاج  ، وتتحكم بمواقفنا الخارجية الخلفيات الطائفية والولائية ، وفي تجاوز واضح على وزارة الخارجية المسؤولة عن الملف الخارجي ( التي تبدو في كثير من الاحيان بعيدة عن المشهد وقد يعود ذلك الى ان الوزير ووكلاؤه و اكثر من 36 سفيرا يحملون جنسيات اجنبية …فهل نلومهم على ولائهم ؟) وتساهم التصريحات المتشنجة لسياسيين غير مخولين ( دون ان يلقوا اعتراضا من احد) في تعكير صفوعلاقاتنا مع الدول العربية في فوضى تصريحات غير موجودة في اية دولة اخرى . وهل نلوم هذه الدولة الاقليمية او تلك ان كان كثير من السياسيين وعلى ارفع مستوى محسوم ولائهم لهذه الدولة او تلك وبعضهم بدرجة عميل ؟
في ظل المحاصصة التي تحكم عمليتنا السياسية هناك طرفان غير متعادلان بالقوة : الطرف الممسك بكل خيوطها خاصة الامنية ..وهو قلق من محاولات الطرف الاخر من تقويض سلطته هذا فيذهب للتحالف مع القطب الاقليمي الاقرب منه طائفيا فيسكت عن كل تدخلات وممارسات هذا القطب لتحقيق وتكريس مصالحه التي تؤثر سلبيا في مصالح العراق الوطنية. في حين يسعى الطرف الاضعف في محاصصة السلطة الى دعم مواقفه بالاقطاب الاقليمية القريبة منه مذهبيا وسياسيا ، فيكون العامل المساعد والمنفذ لاجندة تلك الاقطاب على الارض العراقية ….فهل هناك من سيناريو اروع من هذا حيث يضيع الوطن تحت أقدام المصالح الانانية والفردية… وبعد ذلك نشكو من الامن المخترق عند اصطدام مصالح الاطراف المتنازعة بشكل لا يمكن احتوائه ؟
المختصون بالشان الستراتيجي يعرفون جيدا ان الامن ليس مفهوما جامدا وليس مجردا قائما بذاته ، بل هومفهوم متحرك(مع تغير ظروف التهديدات والامكانات المتيسرة لمواجهتها ) ،لذا فهومرتبط عضويا بابعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية ،… ومالم نتعامل مع الامن بمفهوم هذه الحزمة الواحدة الشاملة، سيبقى الجهد الامني مبتسرا وقاصرا عن اداء  وظيفته ويتحول الى اجراءات آنية مكلفة ماديا وبشريا وليس له تأثيرات بعيدة المدى . بمعنى أن الامن لا يتحقق اذا لم يسايره عدل اجتماعي وسيادة القانون ومصالحة حقيقية وبناء اقتصادي وتنمية بشرية سليمة ومناهج تربوية صحيحة بكل مايقتضيه ذلك من خروج الجميع من شرانق الطائفية والفئويةالسياسية وان يعملوا كشركاء في وطن واحد يتسع للجميع وليس بمنطق العصابات المتمترسة وراء ايديولوجياتها المنغلقة  (أي حلم هذا ؟).
 وحتى بناء القوات الامنية اذا ما اخذناه كعنصر قائم بحد ذاته ، فقد شابته الاخطاء الفادحة منذ البداية . فقد اعتمد البناء مفهوم العسكرة الكميةالخالصة البعيدة عن البناء النوعيوالنفسي ، ووفقا للحاجات الانية لقوات الامنبدون دراسة حقيقية لبيئة وطبيعة التهديدات  القائمة والمحتملة ومستلزمات مجابهتها بشريا وماديا وتقنيا …وهكذا تم تجنيد واعداد سريع لافراد دون معايير انتقاء جادة  وزج اعداد كبيرة من مرشحي الاحزاب وبرتب مختلفة دون ان يكونوا مؤهلين لها .
ثم كان الخطا الثاني :طريقةاستخدام هذه القوات …فبعد ان وصلت اعدادها ارقاما فلكية ( اصبح العراق الدولة الاكبر بنسبة عدد رجال الامن نسبة لعدد السكان ( وهي تصل الى 6-7% عند الاخذ بالاعتبار القوات النظامية والبشمركة وغيرها ، في حين ان النسبة العالمية لا تتجاوز 1% او اكثر بقليل ، مما يعني ضغطا هائلا على الموارد البشرية والمالية لدولة نامية كالعراق ) …فظهرت مشكلة ايجاد المهام الكفبلة باستيعاب هذه الاعداد فكان الحل البائس فينشرها على الاف السيطرات الثابتة والمتحركة( معظمها ينفذ عملا روتينيا مملا وتتسبب في زحمة سير وهدر وقت المواطن واساءة الثقة معه دون ان تكون ذات فائدة حقيقية في تقليل العنف والخروقات الامنية ) وتاليف عشرات التنظيمات الامنية التي تتبع مرجعيات مختلفة بشكل يخالف مبادئ التنظيم العسكري القائم على وحدة القيادة والسيطرة والاقتصاد بالجهد والارتباط السهل والتنسيق الجيد.
الخطأ الثالث:البناء غير المتوازن وطنيا للمؤسسة الامنية  وتسييسهاولا حياديتها المهنية هو امر خطير من حيث استغلالها من قبل البعض خارج مهامها الاصلية والى مهام شخصية وحزبية ويدفعها الى ممارسات غير مهنيةوحتى طائفية ( فض اعتصام الحويجة مثلا )….علاوة على عدم اقتصادية هكذا بناء وفقا لمفهوم الكلفة والفائدة المتحصلة ( فهل من المعقول استخدام حوالي مليون ونصف من الطاقات الشابة وبميزانية مباشرة وغير مباشرة تفوق الـ20 مليار $ -وهي ميزانية دولة او مجموعة دول صغيرة دون ان تتحقق الفائدة من هذه الاستثمارات الضخمة ؟) . الامن الحقيقي هو الامن الاستباقي وليس العمليات الانية وردود الافعال على العمليات الارهابية وعمليا مداهمة استعراضية تطلق فيها العبارات النابية التي توشي بتوجه غير مهني ومسيس ومطيف ..وقادة تمترسوا في الفساد المالي والاداري حتى اصبحوا طبقة منفصلة عن مايدور بالشارع من احداث وتحميهم علاقاتهم المصلحية المتبادلة من اية مسائلة حقيقية .
في كوردستان لا ترى اية سيطرات داخل المدن والشوارع بتاتا ، ولا يتعرض المواطن لاية مضايقات من الاجهزة الامنية ، مع ان الامن متحقق بالكامل من خلال مفارز منتشرة في اطراف التقاطعات المهمة وبطريقة عادية وغير ظاهرة للعيان وتعتمد على الامن الاستباقي من خلال الحصول على المعلومات الاستخبارية الدقيقة للتحرك وفرض الامن .وهو الاسلوب الحضاري والفعال المتبع من دول العالم الحريصة على امن المواطن وراحته ..
لتستخلص الدولة العبر من التجارب العالمية الشبيهة بحالتنا لتوفرعلى نفسها وعلى الشعب سنوات من المعاناة وانهار الدم المراق بلا مبرر. . فبعد عشرات السنوات من سياسة الاقصاء والتهميش والحزب الواحدبحقأقلية الكاثوليك في ايرلندا من قبل البروتستانت المدعومين من الحكومة الانكليزية ، وبعد تاريخ طويل من العنف الحكومي والعمليات الارهابية لم تستقم الامور في النهاية الا باعتراف الحكومة البريطانية بحق الكاثوليك واجراء المصالحة الوطنية التي انهت تاريخا طويلا من الدم والاحقاد المتبادلة.
وبعد عقود من سيطرة الاقلية البيضاء العنصرية تجاه السود في جنوب افريقيا (الابارتيد ) لم تصل الى نتيجة امام ثورة السود وصمود مانديللا الا باتفاق مصالحة وتقاسم السلطة فعم الاستقرار في البلد واصبح اكثر دولة افريفية تطورا .
ازاء ماتقدم نقوللا يمكن حكم دولة بعقلية شيخ عشيرة او قبيلة او صاحب دكان سياسي او تكية او حسينية ( ولا بعقلية ..ماننطيهة )….فبدون حوار بناء ومصالحة حقيقية واتفاق على شكل الدولة المدنية والسلطة والهوية والمواطنة الحقة..(وان لم تكن النوايا طيبة لدى الجميع فسيتحول حتى هذا الحوار الى حوار طرشان ) …وبدون سياسات حازمة لمكافحة الفساد والسرقة العامة والتخبط والتهميش والاقصاء ومحاربة وتهجير الكفاءات لا يمكن العبور الى الدولة الحقيقية وبالتالي القضاء على الارهاب .
اما الاصرار على الخطأ فلن يؤدي الاالى التقسيم ( الذي يجد فيه البعض من فاقدي الرؤية الصحيحة حلا لازمات العراق ) ولن يكون هذا الحل في ظروف عراقنا ، حيث تتشابك الروابط الاسرية والعشائرية عبر المناطق ، وتتشابك فيه حدود الارض والاقتصاد والماء وتوزع الحلفاء الاقليميين على حدوده بتوجهاتهم المختلفة ، الا مدخلا لصراعات اخطر( قائمة ومستجدة ) لا تبقي ولا تذر، تهون فيها خلافات السودان وحروبه مع جنوبه ، وحروب دول يوغسلافيا السابقة ومأسي القتل والهجرات المتعاكسة بعد انقسام الهند وباكستان …الخ .
المشكلة الامنية تتألف من مكونين : الاول هو الحكومة واجهزتها وايديولوجيتها ، والثاني هو هو الارهابيون وحواضنهم وداعميهم ، لذا فان حل المشكلة يتعلق بتفكيك مسؤولية كل طرف في المشكلة . وبما ان الحكومة جزء من المشكلة عليها اولا تفكيك مسؤوليتها الذاتية فيها . ويكون ذلك من خلال تبديل اتجاه بوصلتها في السلوك الداخلي والخارجي من سياسة خلق الاعداء واستعداء الاصدقاء والمحايدين الى سياسة كسب الاعداء او تحييدهم على الاقل ، وتعزيز ثقة الاصدقاء والحلفاء والمحايدين بها. وعند ذلك تكون الحكومة قد اجتازت نصف الطريق نحو الحل.
وعندما يشعر الجميع بحق المواطنة بشكل متساوي دون تمييز لاي سبب من الاسباب وعندما تعود حقوق من اهدرت حقوقهم ، وذلك يدفعهم للاعتدال ونبذ التطرف…والانغماس في تيار الحياة وبذلك يتم فرز ذوي الاجندات المتطرفة والموجهة ذاتيا او خارجيا بعد تجريدهم من حواضنهم وبالتالي يمكن تشخيصهم من قوى الامن والتعامل الفعال معهم …وهذا هو نصف الطريق المتبقي للحل الامني ..

أحدث المقالات