يكاد ان يكون السيد جواد ظريف واحدا من اشهر وزراء خارجية دول العالم ، وهو يحظى بالقبول حتى من قبل خصوم ايران ، وحقّق لأيران ماكانت تصبو اليه في مفاوضاتها مع الغرب بشأن برنامجها النووي ، اذ لم يكن بمقدور ايران ان تتمدد بهذا الشكل في المنطقة من دون التوصل الى ذلك الاتفاق . فالاتفاق لم يكن محصورا في برنامج ايران النووي بقدر ما هو خطة عمل مشتركة لأنفتاح ايران على العالم يتناول الجوانب المالية والاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية وقضايا أمن واستقرار المنطقة ودور ايران فيها وغير ذلك . وفي هذا الوقت يجري السيد ظريف مع الغرب ، وتحديدا بريطانيا وفرنسا والمانيا حوارا ذا ثلاثة محاور . المحور الأول ، يتناول برنامج ايران للصواريخ البالستية ، والتجارب التي تقوم بها ايران ضمن هذا البرنامج، ويرى الغرب ان الاستمرار في هذه التجارب أمر يتعارض مع روح الاتفاق النووي الذي تمّ التوصل اليه ، وربما يقوّضه . المحور الثاني ، يتناول دور ايران الاقليمي والذي يرى الغرب فيه انّه تجاوز الحدود المرسومه في ضوء بنود الاتفاق النووي المتعلق بدور ايران في أمن المنطقة واستقرارها. أما المحور الثالث فيتعلق بالآلية المالية الاوربية ( أنستكس ) ، وجوهر هذه الالية هي الالتفاف على العقوبات الامريكية على ايران ، وترى ايران ضرورة تطويرها وتوسيع نطاقها. وهذه الآلية في بداية عملها ، وهناك قلق كبير من تعثرها بوجود الضغوط الامريكية على الدول الاوربية .
واذا أخذنا في الاعتبار هذه المعطيات ، فان وجود السيد ظريف على رأس وزارة الخارجية الايرانية في هذا الظرف أمر ضروري . وعندما يقدّم استقالته في مثل هذا الوقت ، فلا بد ان يكون شيء كبير قد دفعه الى ذلك، فلا توقيتها كان مناسبا ولا طريقة تقديمها أمر عادي في ظل نظام محافظ ومنضبط ومتشدد مثل النظام في ايران . فمن حيث التوقيت جاءت الاستقالة وايران تعيش أجواء الذكرى الاربعين لثورتها ، وفي يوم استقبالها الرئيس السوري بشار الاسد . وعندما التقى الرئيس الايراني حسن روحاني بالأسد، لم يكن معه وزير خارجيته بل كان معه الجنرال قاسم سليماني ، قائد فيلق القدس والمسؤول عن ادارة عمليات الحرس الثوري الايراني في المنطقة ، ورأس حربة الجناح المتشدد في ايران . أما طريقة تقديمها فقد أعلن عنها عبر حسابه على انستغرام ، وهذا أمر غير مطروق ، وغير معروف لا في أيران ولا في دول المنطقة. ومثل هذا الاسلوب يظل غير معترف به رسميا ما لم يتمّ وفق ضوابط العمل الحكومي الرسمي .
من جانب آخر ، وفي تصريحات للجنرال سليماني خلال مراسم أقيمت في محافظة مازندران احياءا لذكرى الشهداء يوم الخميس 21/2/2019 ، تساءل فيها الجنرال عن دواعي الاتفاقات الاقليمية الرامية الى الحد من قدرات ايران ، وقال ايضا انهم ، يقصد الغرب ، يحاولون من خلال هذه الاتفاقات القضاء على تحرك ايران الاسلامية ، وانه لو توصلنا الى اتفاق يماثل الاتفاق النووي فانهم ، يقصد الغرب ،سيعملون على تمرير اتفاقات اخرى وتفريغ البلاد من هويتها ( وكالة الانباء الايرانية ) . انّ تصريحات الجنرال سليماني كشفت عن قصد الحوار الذي يجريه السيد جواد ظريفي بدعم من الرئيس روحاني مع الغرب . وهو يريد ان يقول علنا انّ هذا الحوار غير مجد وفيه ضرر لأيران .
في ضوء السياق العام الذي اشرنا اليه في أعلاه ، واذا اخذنا في الاعتبار تصريحات الجنرال سليماني ، يبدو لنا ان في ايران الآن ، وفي هذا الظرف الدقيق والمعقّد الذي تمرّ به ، مسارين متعارضين حول كيفية التعامل مع الغرب ومع المنطقة. مسار منفتح يعبّر عنه السيد جواد ظريف ، ومسار متشدد يعبّر عنه الجنرال سليماني . وان التعارض بين هذين المسارين وصل الى مستوى ان ينسحب احدهما لصالح الآخر . لذا فان طريقة تقديم الاستقالة ، يبدو وكأنه ردّ من الجناح الاصلاحي الذي يعبر عنه الرئيس روحاني على الجناح المتشدد ، يشير الى ما يلي : اذا رغب الجناح المتشدد في مواجهة المجتمع الدولي فان الجناح الاصلاحي مستعد للأنسحاب ، وسيتحمل الجانب المتشدد ما سيؤول اليه الوضع في ايران في ظروف اقتصادية قاسية بسبب العقوبات وبسبب عزلة دولية ليس للشعب الايراني مصلحة فيها .
وعلى اساس ذلك فان من يقرر استقالة السيد ظريف ليس ارادة السيد ظريف نفسه ، ولا موافقة الرئيس روحاني على الاستقالة أو عدمها . انّ من يقررها هو المرشد . فالمرشد سيختار ان يبقى السيد ظريف ام يرحل . فاذا قرّر المرشد أن يقبل الاستقالة فعلى الثورة الاسلامية الايرانية ان تواجه امريكا والغرب والمنطقة ، وهذا خيار من يقرر الانتحار، وان أراد المرشد أن يبقي على السيد ظريف ، فسيبقيه على مضض، مثلما قبل المرشد الاول وقف الحرب العراقية – الايرانية على مضض .