أفرزت الأحداث الأخيرة في تركيا جملة تساؤلات بشأن اسباب فشل الإنقلاب العسكري ، وما يستخلص من هذه التجربة ، باعتقادي أن القوة العسكرية وحدها ليست كافية لإنجاح إنقلاب في دولة ما ، خاصة حينما تتوفر موانع عديدة منها الثقافة الدستورية والسياسية بمعنى وجود ثقافة مجتمعية ناضجة لا تتقبل الإنقلاب على الشرعية ومصادرة الحقوق الإنتخابية ، وما حصل في تركيا يؤشر على وجود هذه الثقافة التي منعت تحقيق الإنقلاب ، حيث الجموع الشعبية التي خرجت ضده ، إضافة الى ذلك تنديد الأحزاب السياسية ومن بينها المعارضة للرئيس أردوغان ، فضلا عن رفض قيادات في الجيش والأمن الداخلي التي لها ثقلها في فهم هذه الثقافة ، كل ذلك أسهم في احباط الإنقلاب .
الجموع الشعبية التي نزلت الى شوارع اسطنبول وانقرة وولايات اخرى ، كالسيل الجارف بعد دقائق من طلب الرئيس أردوغان رفضا للإنقلاب صحيح انها نزلت لتنتصر لإرادتها ، ولكنه مؤشر واضح على أن الرجل أي الرئيس أردوغان له شعبية واسعة ، وقائد من الطراز الاول في العصر الحديث ، وذي تأثير واضح على شعبه ، لما يمتلكه من حنكة وشجاعة في التعامل مع الأزمات برباطة جأش وهدوء قل نظيره ، وهو عامل يضاف الى ما سبق في وأد الإنقلاب في مهده ، وبهذا يكون الشعب التركي وقائده كتبوا ملحمة الحرية بعناوينها العريضة ، تجربة تستحق أن تستقِ الشعوب العربية منها الدروس والعبر في خلق مجتمع ذي ثقافة دستورية وسياسية ناضجة ، من خلال الوقوف بوجه الوصوليين الطامعين في السلطة للتحكم بمصير البلاد والعباد ، ولا عزاء للمستكينين والمروضين على فقدان الإرادة .