مضى ما يقارب ثلاثة ارباع القرن على استقلال بعض الدول العربية وعلى البعض الاخر قرن على استقلالها، حالها حال اغلب دول العالم الثالث، بل ان قسم من هذه الدول، عانت من الحرب الاهلية التى سبقتها، حروب التحرير كالصين مثلا، لكن الدول العربية لم تتطور بالقدر المطلوب او بالقياس الى ما تكتنزه، اغلب الدول العربية من ثروات سواء في حقل الطاقة، النفط والغاز او في بقية الحقول الساندة، لكنها مع هذا لم تصل الى ما وصلت اليه، البعض من الدول في العالم الثالث، بل انها عادت الى ما كانت اليه قبل انتزاعها لأستقلالها؛ أذ تحولت، اغلبها الى ان تكون مناطق نفوذ للقوى الدولية الكبرى بصورة مباشرة، وتحولت الاخرى الى مناطق نفوذ بالشكل الغير مباشر؛ مما ادى بها الى ان تفقد استقلالها وسيادتها بطريقة تختلف كليا عن حقبة السيطرة الاستعمارية المباشرة او غير المباشرة، ولكنها اكثر هتكا للسيادة والكرامة الوطنية، فقد صارت الآن، تحت هيمنة القوى الدولية الكبرى وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الروسي، والأخيرة وجدت،موطيء قدم لها في المياه الدافئة، في سوريا، في البحر الابيض المتوسط، بعد ان حولت موطيء القدم هذا، من مركز امداد الى قواعد بحرية وجوية ثابتة. ان هذه الهيمنة لها تاثير اكثر بكثير من الحقبة الاستعمارية وما تلاها من حقبة التحرر الوطني الذي لم يكن كاملا، فقد حُرف عن مساراته في الاستقلال الناجز؛ من قبل الحاكم العسكري العربي الذي نزل من على برج الدبابة، ليصعد الى قمرة القيادة لمقطورة قطار الاستقلال، مع تقادم الزمن وكي يحمي هذه القمرة من الشعب اولا ومن العسكر، رفاق الامس، ثانيا؛ الذين ربما يستثمرون في بعض الحالات او استثمروا في حالات اخرى؛ غضب الشعب وقواه الوطنية، الذين صدموا بهذا الانحراف، لتبدأ في البعض منها؛ الانقلابات العسكرية، وفي توازي زمني، تفتح السجون والمعتقلات ومراكز التعذيب للقوى الوطنية التى رفضت هذا الانحراف، الذي احدث شروخا واسعة وكبيرة في بنيان الاستقلال..فقد لجأ الحاكم العربي في القسم الاكبر من الدول العربية، الى القوى الدولية الكبرى او احدها، ليحمي القصر من الشعب او من طموح رفاق الامس من العسكر، بكلفة باهضة، هي ثروة الشعب ومصيره ومستقبله وتاريخه في دول الخليج العربي، وحياة الناس في العيش المنكد بالفقر وانعدام فرص العمل بكرامة في الدول العربية الاخرى. أن مناطق النفوذ في الوقت الحاضر، في دول المنطقة العربية، توزعتها او تقاسمتها، القوى الدولية الكبرى وايضا الاقليمية الكبرى؛ فقد صارت هذه الهيمنة،على الاقتصاد والسياسة وعلى السيادة والقرار المستقل،بصورة، في الوقت الحاضر، غير مرئية، في ظل عولمة العالم وما بهذه العلومة من شيطنة من الصعب ان تكون فيها، هذه الهيمنة واضحة بما فيه الكفاية،( وهنا نقصد هيمنة القوى الدولية الكبرى وليست الاقليمية الكبرى.. فهذه واضحة كل الوضوح..) على الأقل في اوقات البدئية لهذا التحول المتسارع بسرعات، تغلف المشهد بالرماد، مما يحجب عن القسم الاكبر من الناس، الرؤية الواضحة، الا للنخب القليلة والقليلة جدا، وهذه، ربما وفي البعض منها تقدم مصلحتها الشخصية على رؤيتها للحقيقة بما يؤدي بها الى ان تكون اداة او وسيلة لحرف تلك الحقيقة مع أنها تدرك تماما؛ حقيقة الهيمنة الاقتصادية والحماية العسكرية، وبما ينتج عنهما من قيود سياسية وتجارية ومالية في ظل علومة الاقتصد والسياسة والاعلام وما يرتبط بهما على جميع الصعد في العالم المتغير بسرعة.. ان جميع دول المنطقة العربية وبلا استثناء، دولا فقدت استقلالها وسيادتها وان ظهرت كذبا وريا من انها دول مستقلة وذات سيادة، في خدعة كبيرة لشعوبها وللتاريخ وللمستقبل في ظل عالم يتغير بسرعة هائلة نحو عالم جديد في كل شيء،حتى باتت معالم هذا العالم الجديد، واضحة، على الرغم مما يحيط بهذا الانتقال والتحول من ضباب المرحلة الانتقالية بما فيها من حروب ومعارك في الاقتصاد تحديدا وفي البحث الدؤوب عن مناطق نفوذ، مؤثرة، في التغييرات، التى تجتاح الدول والشعوب في جميع زوايا وسطوح الكرة الارضية. أما المنطقة العربية التى تعاني الى الان دولها وشعوبها من التفت وضياع الهدف او الاهداف، ان كان فيها من يتفكر في صياغة اهداف تلائم هذا التحول العالمي،بما يجعل هذه الشعوب والدول عناصر فاعلة في هذا التحول، وبما يحافظ على حقوقها ومستقبلها وتاريخها وكرامتها؛ بكل تأكيد ان فيها من يتفكر في هذا المصير وفي المستقبل والتاريخ والكرامة وحق شعوب العرب في المنطقة العربية بالتطور بما يتسابق مع ما يجري في دول العالم؛ لكن هؤلاء على الرغم من اخلاصهم ورؤيتهم للطريق الذي يقود الى الاستقلال الفاعل، المنتج للمستقبل والتاريخ؛ تم والى الان يتم تغييبهم بقوة القهر والاقصى من زمر التخلف والتبعية التى تتحكم بمصائر الشعوب ودول المنطقة العربية، وبعون وأسناد ودعم، من القوى الدولية العولمية، سواء الولايات المتحدة او غيرها وان كانت الاخيرة، بتاثير قليل وقليل جدا. ان ما يحدث الان وقبل الان بوقت ليس بالقليل، من حروب اهلية ومن تشظي لدول المنطقة العربية ومن تبعية وخضوع للقوى الدولية وهنا نقصد، الولايات المتحدة الامريكية وحتى مخلب قطها، اسرائيل، كيانها الامبريالي في المنطقة العربية، يتشابه الى حد التطابق ما كان وقد حدث قبل قرن من الآن، الفرق بين ما كان قبل قرن وما هو حاصل في الوقت الحاضر؛ هو ان ما هو حاصل الان، له شكل يختلف كما اسلفنا في هذه السطور المتواضعة عن الذي سبق وحصل، فقد أخذ هذا المخطط شكل العلومة الذي بها تم تغطية الهدف الحقيقي من بسط السيطرة والنفوذ ومن ثم لاحقا الاستغلال بابشع صورة، على قاعدة، اعادة رسم الخرائط السياسية للمنطقة العربية ودولها وشعوبها بما يجعلها ضعيفة وخانعة وخاضعة، لأغوال المال الامبريالي المتوحش، ولقرن قادم، بتخادم مصلحي بين رموز التبعية، الماسكون بزمام القرار والحكم من ابناء هذه الاوطان الذبيحة. ان هذه الاوضاع المنتجة لما يريد المستعمرون الجدد، لاتختلف عن ما جرى قبل قرن من الان بل انها صور مستنسخة لما جرى في الماضي البعيد نسبيا،وكأن، خداعا، ليس للشعوب ذاكرة، بينما الحقيقة ان للشعوب ذاكرة قوية وقوية جدا، لكن ما يمتلكه الاستبداد من عناصر القوة سواء قوة الفعل لكسر الارادة، ارادة الشعوب، هو من غُيِبَ في السابق ويُغيَبُ هذه الذاكرة، او قوة الاعلام وحرف الحقائق او تغيبهاعن رؤية الناس لمصيرهم ومصير بلدانهم، تماما كما جرى وحدث في السابق بفرق كبير جدا، من مساحة التاثير الاعلامي ولوي اعناق الوقائع،على الرأي العام في الاوطان العربية التى تنحر في كل دقيقة وساعة تمر على هذه الشعوب الضحية..ان محاربة القوى الوطنية سواء في الماضي او في الوقت الحاضر، هو من افقد دول المنطقة العربية او ضُيِعَ عليها فرص التطور وجعلها نهبا للقوى الدولية بثوبها الاستعماري العولمي الجديد، وبالتعاون الاشتغالي النفعي بين رموز الفساد والخنوع في النظام الرسمي العربي، قبل قرن او في الوقت الحاضر، الأمر لايختلف كثيرا، الاختلاف الوحيد، هو فقط لجهة الخطاب وآلياته بما يتلائم مع مقتضيات وضرورات المرحلة الحالية، لكنها وفي الجوهر، لايوجد في الحالتين، اختلاف ابدا. يجري الحديث كثيرا عن المؤامرة الامبريالية الكونية المتوحشة على المنطقة العربية وهذا صحيح تماما ولكن هل هي من كانت وكأئنه الأن، السبب الوحيد، في الذي وصل اليه الوضع العربي من الحروب الاهلية او من التبعية الاستعمارية او من السيادة المجروحة، الجواب وبكل وضوح وبكل تأكيد؛ كلا، لم تكن هي اي المؤامرة الامبريالية، من كانت او كائنه الان هي السبب الوحيد، بل الصحيح، ان السبب الذي يكاد يكون هو الوحيد؛ هو النظام الرسمي العربي، اذا افترضنا، ان هذا النظام، وربما في البعض من هذا النظام، له سياسة مستقلة عن السياسة الاستعمارية، في حقول التنمية والتطور وما اليهما وفي قضايا الاوطان العربية المصيرية؛ ان هذا النظام على الرغم من الذي سبق القول فيه، كان ولم يزل، قد حيد القوى الوطنية، وذلك بمحاربتها وجوديا مما افرغ الساحة السياسية من اللاعبين الوطنيين المهرة في إدارة الصراع او مساعدة هذا النظام في إدارة هذا الصراع مع القوى الامبريالية العالمية وهنا نقصد في الذي سبق من عقود القرن العشرين، في نظام ديمقراطي سواء مباشر او غير مباشر، يسمح لقوى الفعل الوطني من العمل بحرية، في الكلمة والرأي الحر وفي العمل الميداني على الارض، مما يؤدي الى انتاج كتلة مجمتعية صلبة ومساندة لخطط البناء والتنمية، اذا افترضنا انها موجودة في عقل الحاكم او على الاقل القسم القليل والقليل جدا منهم، سواء في التنمية الصناعية او الزراعية او وهذا هو المهم لجهة ترصين الجدارن الداخلية، هل كان في أمكان القوى العالمية وهنا نقصد الولايات المتحدة وغيرها من التأثير على الجبهة الداخلية، بإيجاد حوامل بشرية لأفكارها التأمرية، بالتأكيد وفي هذا الوضع، لن تجد لها ممرات او منافذ، تمر منها او تنفذ من خلال فجواتها الى الداخل، لتكوين أذرع لها، تشتغل لحسابها وحتى وان وجد مثل هؤلاء من الذين، لهم الامكانية والاستعداد النفسي والمصلحي للتعاون معها، لن يكونوا مجموعة ذات تاثير حاسم. الذي حدث في القرن العشرين وما اعقبه، في القرن الواحد والعشرين، هو عكس هذه الصورة بالكامل مما ادى او قاد الى نجاح المخطط الاستعماري بخطاب ما بعد الحداثة من حيث الشكل والقول ولكن من حيث الجوهر، هو عينه قبل قرن. لذا نلاحظ ان دول المنطقة العربية تراجعت، تراجعا مخيفا؛ كأن شعوبها ودولها لاتعيش في عصر الثورة المعلوماتية، كأنها تعيش في عصر ما كان، قبل قرون عديدة، وهنا لانقصد التعاطي مع مخرجات ثورة الاتصالات والمقصود هنا هو العقل وما ينتج من فكرة او افكار، ورأي ورأي مخالف او مختلف وما ينتجان من سياسية او من واقع يتحرك على الارض. الهند التى استقلت في عام 1948صارت الان دولة كبرى، يحسب لها الف حساب، لأن فيها نظام ديمقراطي ومساحة من الحرية بلاقيود. ان هذا انعكس على التنمية وعلى الاستثمار سواء من رجالات المال الهنود او من الاستثمارات الاجنبية، بفعل الامن والامان والحرية والديمقراطية والاستقرار..مع انها لاتملك ما تمتلك البعض من الدول العربية وبالذات النفطية.. الصين ثاني اقوى اقتصاد في العالم، تشكل في الوقت الحاضر، هاجس قلق للولايات المتحدة الامريكية لجهة المستقبل والخوف منها، لناحية، منافستها مستقبلا،على قيادة العالم.. النظام فيها، نظام شيوعي واشتراكي، استطاعت وخلال عقود، منذ انتهاء الحرب الاهلية وبجدارة من بناء ثاني اقوى اقتصاد في العالم مع انها تعرضت الى العزلة ولعقود، كانت اثناءها، عرضة لمؤامرات الامبريالية الامريكية، لكنها تمكنت في نهاية المطاف من كسر هذه العزلة لتكون الدولة، العضو الدائم الخامس في مجلس الامن الدولي. وهناك امثلة كثيرة للدول في العالم الثالث، التى تمكنت من ان تكسر طوق المؤامرات الامبريالية وان تجد لها مكانا تحت شمس العالم المتحرر..في الختام نقول؛ ان الخلل ليس في الذي تسببه على اهميتها وتاثيرها، المؤامرة الاستعمارية سواء القديمة او الجديدة، الخلل في بنية وطبيعة النظام الرسمي العربي، سواء القديم الذي مات او الجديد الذي ولد حديثا، ولد ميتا، موتا سريريا،بإنتظار المسعف الامبريالي ودواءه وما يمتلك من مشارط الجراحة.. عليه لابد للقوى الديمقراطية والسلام، الباحثة عن دولة يسود فيها العدل والمساواة والحرية والحداثة؛ تنشط فيها، تنمية القدرات المادية والبشرية؛ ان يكون لها وجود وفعل لتغير البوصلة في هذا الاتجاه…