22 ديسمبر، 2024 3:49 م

لماذا فشلت الدول العربية بعد سقوط الديكتاتوريات

لماذا فشلت الدول العربية بعد سقوط الديكتاتوريات

ثمة تساؤل ملح أخذ يراود افكار الكثير من العامة في بلدان العرب التي سقطت فيها الديكتاتوريات وهم في معمعة أنظمة حكم جديدة اشتركت فيما بينها دون تنسيق مسبق بمميزات متشابهة وبمخرجات موحدة من حيث تفكك الدولة أو تراجعها أمام وحدة تلك الدولة أو هيبتها في ظل الديكتاتور ، والأهم من كل ذلك أن الفساد أخذ يغطي كل الأنظمة الجديدة وتحولت النزعة الوطنية فيها إلى تبعية غير مخجلة ، اضافة الى تغيير المفاهيم نحو تقبل التدخل الأجنبي على أنه وسيلة لا عيب فيها .
العراق ، تونس ، ليبيا ، اليمن ، السودان ، كل هذه الدول سقطت فيها أنظمة حكمها العسكر باستثناء العراق الذي انقلب فيه صدام على حكم الجنرال احمد حسن البكر وتحول الاخير إلى جنرال هو الاخر ، أما مصر فقد كادت أن تكون مثل اخواتها لولا قوة الجيش ورباطة جأش الجنرالات في إزاحة الاسلام السياسي ، وفي لبنان فكان تفكك الدولة التطبيق العملي للحرب الأهلية التي اندلعت عام ١٩٧٥ .
أن أوجه التشابه بين العراق ودول الربيع العربي وبعدها السودان كان في تصدر الحركات الإسلامية المشهد السياسي بأساليب اما مباشرة أو بالإنابة وان ما كان يوحدها هو امتلاك هذه الحركات لجيوش تنسلت عن جيوش الديكتاتور واستولت على أسلحته وصارت هذه الحركات امتدادا أما لجماعة الإخوان المسلمين كما هو الحال في ليبيا وتونس والسودان ، وأما لولاية الفقيه كما هو الحال في العراق واليمن ولبنان ، وفي سوريا لا زال الموقف في الوسط . سييما وان البعث محسوبا على الأحزاب العلمانية رغم قيادة الدولة العلوية .
أن ما حصل في كل تلك البلدان ناتج عن تراجع الشعوب عن ثوابتها التي أرستها الماركسية والناصرية في الستينات تحت تأثير وجور الدكتاتوريات التي استولت على الحكم تباعا بموافقة الغرب الاستعماري آنذاك ، لا لهدف إلا ﻻخراج هذه الشعوب من إيمانها بمستقبل بلدانها الواعد . وجعلها تدور في فلك العنف والعنف المضاد ، أن تغيير الأنظمة السياسية من الأنظمة الشمولية إلى أنظمة الديمقراطية المستعجلة أدى هذا التغيير إلى تفكك الدول تحت أجنحة سياسية مسلحة منقسمة بين تيارات دينية متناقضة المذاهب وبين تيارات علمانية موحدة الآمال لكنها منزوعة السلاح ، فما يحدث في ليبيا على سبيل المثال هو تنمر الاسلام السياسي المسلح بإسناد الإخوان المسلمين الاتراك على وحدة الشعب الليبي التواق بعد كل هذه الحروب البينية للعودة إلى حكم القذافي. .. بعد أن ذاق مرارة عصر انفلات الحرية ،، وفي تونس تئن الديمقراطية الوليدة من هيمنة اخوان جبهة النهضة وزعامة الغنوشي وفسادهم المالي والسياسي ، ولا تستبعد يد اوردوكان عن المشهد التونسي المعقد ، أما في اليمن فإن الإسلام السياسي المتمثل بالحوثي وقوته الضاربة نيابة عن ايران وتسلطه على صنعاء جعل من اليمن دولة مفككة ضعيفة تتمنى العودة إلى ديكتاتورية على عبد الله صالح ، وفي العراق فإن الإسلام السياسي هو من تصدر المشهد الضبابي وتداعت عنده وحدة الدولة بعد أن فتت المحتل الجيش العراقي فاتحا المجال رحبا لتشكيل قوى عسكرية موازية لقوة الدولة ، مما جعل العراق يقف دون أن يقعد على قدميه لمواجهة موجة داعش التي يشك في انتمائها إلى الإسلام الحقيقي إنما لأحد فروع المخابرات الدولية ، وفي العراق كانت الحرب حربا مذهبية بامتياز ، مما دفع بالمواطن الطامح بالأمن والاستقرار إلى الترحم على حكم الطاغية ، وفي لبنان وهو المشابه للعراق لوحدة المرجعية السياسية ، فإن انكفاء الدولة جاء نتيجة عوامل كثيرة ، منها المقاومة الحقيقية للمحتل الإسرائيلي ، ومنها التبعية التقليدية للدولة اللبنانية للغرب وخاصة فرنسا ، ولكون الفساد المنتشر في لبنان فسادا ماليا سياسيا فإن الدولة فيه سرقت مال الشعب الخاص ومال الشعب العام ، مما دفع بالمواطن اللبناني الترحم على أيام حكم كميل شمعون وشارل حلو.، أما ما يجري في السودان فهو ارهاب الجيش للشعب ، هو ثمار حكم الإخوان لهذا البلد الفقير إداريا حكما عسكريا اوليكارشبا ، كان من نتائجه انقلاب الجيش على نفسه وعلى قوى الحرية والتغيير محاولا اعادة نفوذ الجنرال عمر البشير وليبعده عن يد العدالة التي تطالب بها القوى والفعاليات المدنية ، وفي كل الأحوال فإن شعوب هذه الدول هي من كان وراء نكباتها لأنها صفقت لكل ديكتاتور وعملت منه بطلا عليها ، واليوم وبعد التغيير لم تكن فعاليات تلك الشعوب متأهبة لحكم نفسها ولم تكن مستعدة لهذا التغيير الهائل في بنى دولها السياسية ، ولا يخفى على المتابع البسيط ، أن دولا أخرى مجاورة أخذت تعد نفسها دولا عظيمة بعد سقوط حكومات الجنرالات العربية وكانت تلك الدول ولا تزال تلعب لعبة القط والفأر مع الويلايات المتحدة لتظل مهيمنة على مقدراتها،
أن الشعوب العربية السبعة مطالبة اليوم بصنع زعامات مدنية حقيقية تؤمن بالتغيير الديمقراطي وتؤمن أن الديكتاتوريات لا تصنع الامان إلا بالطغيان ، وقد شعبنا طغيانا منذ زوال الدولة العثمانية.
واخيرا نقول إن قوة الدولة التي نتمناها تكمن في خضوع الجميع لقوة القانون ، وان الأمن لا يتحقق إلا بشيوع قوانين العدالة الاجتماعية ….