للوهلة الأولى عند الشروع بكتابة قصة وسيناريو وحوار فيلم وثائقي عن الأقليات في شمالي العراق لصالح قناة بي بي سي, وعند البحث عن أصول الأيزيدية لم يسعفني الحظ بالحصول على المعلومات الدقيقة الموثقة بالأدلة التي تصلح أن تكون بحث تاريخي لمادة فيلمية مميزة.
قدمت طلب ومن ثم حصلت على الموافقة لزيارة دار الكتب والوثائق التابعة للإمبراطورية البريطانية, قسم شؤون العراق, قمت بجمع البيانات عن الأيزيدية, وأتممت المهمة.
لكن الذي أدهشني كثيراً, وجدت أرشيف الدولة العثمانية الخاص بجنوب العراق والذي تركته في ولاية البصرة ومدينة الكوت, بعد إنهيارها وفرار الولاة من جنوب العراق, بعد دخول القوات البريطانية مطلع أذار عام 1917 مدينة الكوت, التي كانت الخط الدفاعي الأخير لولاية بغداد عسكرياً, حتى سقطت الدولة العثمانية وخرج اخر جندرمة لها من العراق مطلع تشرين الأول عام 1918.
حقيقة لا أود أن أتحدث عن أسباب سقوط الدولة العثمانية ونهاية حكم مايسمى الخلافة الإسلامية العثمانية لأنها ليست مشروع بحث عندي, لكن إجماع الوثائق الرسمية تؤكد إن فساد مايسمى خلفاء المسلمين في الدولة العثمانية, وإبتعادهم عن روح ومبادئ الإسلام وفسقهم وفجورهم وشربهم الخمور وسرقة أموال المسلمين,أبرز أسباب إنهيار دولتهم الظالمة.
الدولة العثمانية وداعش
الطامة الكبرى وجدت إن الدولة العثمانية المحتلة للعراق التي حكمته بالنار والحديد أربعة قرون تقريباً من “1532 – 1918” كانت سياساتها تشبه الى حد بعيد سياسة مايسمى الدولة الإسلامية “داعش” في أيامنا هذه, وخاصة فيما يتعلق بتعاملهم مع آل بيت رسول الله “صلَ الله عليه وآله وسلم” وأتباعهم, من حيث الطائفية المقية والقتل والترهيب والسجون والإجتثاث ونهب وسلب خيراتهم فضلاً عن التهجير القسري والتغير الديموغرافي والصراع الأيدلوجي.
طمس نَسَب آل البيت “ع”
عثرت على وثيقة تؤكد إن “سليم الأول” امر بقتل كل الشيعة في البلاد العثمانية, بفتوى من بعض رجال الدين على إنهم مرتدين, ونفس الوثيقة يأمر بيها على طمس نَسَب آل البيت “عليهم السلام” وهذا الحقد الطائفي على أتباع آل البيت لم ينقطع منذ اربعة عشر قرناً.
وتشير الوثيقة التي عثرت عليها القوات البريطانية بعد إحتلال مدينة الكوت في مقر الدولة العثمانية ” صادرة ٌمن سليم الأول لقائد الجندرمة في الكوت, تؤكد على السعي الحثيث في طمس نَسَب ذرية رسول الله, عن طريق القتل والإعتقال والتهديد والترويع تارة وتارة اخرى عن طريق تقديم الرشى لبعض شيوخ العشائر للمساعدة في هذه المؤامرة الدنيئة.
النبي محمد “ص” قريشي
سليم الأول يستطرد في حديثه لقائد الجندرمة في مدينة الكوت, ويأمره بالعمل الحثيث على تحجيم دور قبيلة قريش في مدينة الكوت والعمل الحثيث على تغير نَسَبهم الذي يمتد الى النبي محمد “صلَ الله عليه وآله” وجعل أفرد العشيرة “ينسون” إنهم من “السادة” أي ذرية الرسول “ص” وبالفعل أنجز قائد الجندرمة المهمة حسب رغبة سليم الأول, وصدرت أوامر بإعتقال أي قريشي يقول أنه سيد من ذرية الرسول, حتى تناست الأجيال الباقية قسراً نسبها الشريف.
الباحث زاير علي
بعد سبعة عقود ونيف من سقوط الدولة العثمانية الطائفية الظالمة,أنجز الباحث زاير علي “رحمه الله” وهو رجل مؤمن مثقف من قبيلة قريش “عشيرة الجغانات” النسب الصحيح له ولعشيرته بإمتدادهم الطبيعي الى الإمام السابع من أئمة الهدى المعصومين الإمام موسى بن جعفر الكاظم “عليهم السلام” حفيد رسول الله “صلَ الله عليه وآله” بعد جهدٍ جهيد وعمل مضني وسفر طويل وقراءة أغلب إن لم نقل جميع كتب ومجلدات أنساب العرب ومراجعة كبار الباحثين وخبراء الأنساب “النَسابة” في مختلف محافظات العراق, ليثبت نَسَب البعض من ذرية رسول الله الذي غيبته قسراً الدولة الإسلامية داعش “عفواً” الدولة الإسلامية العثمانية.
الشيخ منخي الجاسم
جَدي لأمي الحاج منخي الجاسم “رحمه الله” رئيس فخذ آل درويش “بيت درويش” وهو فخذ من أربعة أفخاذ تتكون منها عشيرة السادة الجغانات, وهي “آل درويش و آل نوفل و آل سنيد و آل سلبة” نسبةً إلى أبناء جغان الأربعة “درويش ونوفل وسنيد وسلبة” وجَدي رحمه الله كان رجل مؤمن واعي من رواد المساجد والحسينيات في زمن كان الكثير فيه من شيوخ العشائر يرتادون “الحانات والبارات وبيوت الطرب” وهذا شيء متعارف للقاصي والداني.
قلت لجَدي الحاج الشيخ منخي الجاسم “رحمه الله” قبل ربع قرن, وشجرة العائلة ووثيقة النسب التي أهداها لي الباحث زاير علي “بيدي” بعد أن قال لي أهدي لكَ هذه الوثيقة لأنك مثقف ولديكَ إهتمام بعلم النسب, ماهو موقفك من شجرة العشيرة وصحة النَسَب هذه التي أنجزها الباحث زاير علي, بعد جهدٍ جَهيد, قال نحن نعلم إن نسبنا يعود لآل البيت “ع” لكن في هذا الوقت وبعد عشرات السنين نأتي ونقول نحنُ “سادة” سنُعَرض أنفسنا إلى السخرية كما تعرض “المكاصيص” الذين أثبتوا صحة نسبهم قبل “70” عام, والقيل والقال لم ينقطع عنهم.
الجهل أم الإضطهاد
قبل ربع قرن عندما كنت أبحث عن سبب ضياع نَسَب قريش الحقيقي,قبل أن يعثر عليه الباحث الموسوعي زاير علي ويُسجلهُ بالوثائق رسمياً, جميع الإجابات التي حصلت عليها حينها من شيوخ وكبار السن في العشيرة تصب في خانة “الجهل” لمن سبقوهم من رجال العشيرة ومنهم من ذهب إلى أبعد من ذلك وقال الفقر والعوز والجوع والحرمان وحياة الريف البسيطة هي التي جعلت الأجداد “يفقدون نَسَبهم” وهذا ما لم أقتنع به, حتى نلت السبب الرئيسي لذلك من خلال وثائق الإمبراطورية البريطانية التي بدورها عثرت عليها بعد هروب وإنهيار وسقوط الدولة العثمانية في العراق, ووجدت إن الإضطهاد الطائفي والقتل على الهوية والحقد الدفين على آل بيت رسول الله, هو الذي جعل ممن سبقونا يتناسوا ولم ينسوا نَسَبَهم وهنا فريق بين الحالتين.
داعش خير دليل
الأعمال الإجرامية الطائفية التي تقوم بها عصابات الكُفر والتكفير “داعش” هذه الأيام ضد آل البيت وأتباعهم في تلعفر وأمرلي والطوز وغيرها من المدن الموالية لمحمد وآل محمد, من قتل وتهجير ونهب وسلب “خير دليل” على ما كانت تقوم به الدولة العثمانية الإسلامية ضد آل البيت وأتباعهم, واليوم نشاهد في القنوات الفضائية الكثير ممن تَهَجَر من تلعفر والطوز وأمرلي, يقولون قمنا بتغير النَسَب في هوية الأحوال المدنية وتغير الأسماء حتى لاينكشف أمرنا ونُقتل, وقال أحدهم عَلمت أبنائي أن يقولون أنهم من السنة وليس من الشيعة حتى لايتم قتلهم, وقطعاً هذه العائلة خير دليل, الأبناء يقولون إنهم من السنة؟ لو أستمر الوضع الطائفي متأزماً لعشرين سنة اخرى وتبقى مناطق أتباع آل البيت, مغتصبة من قبل أعدائهم, سيترعرع ويكبر الأبناء وهم يَخفون مذهبهم وربما ينسونه, أما أطفالهم وأحفادهم فلا يعرفون عن مذهبِ أجدادهم شيء وبعد موت الآباء والآجداء من سينقل للأحفاد إنهم من النَسَب أ وليس باء.
آل سنيد الموسوي
لا تزال عمليات القتل والتهجير والتدمير وطمس الهوية والنَسَب التي يتعرض لها آل بيت النبوة وأتباعهم ومحبيهم, لغزاً غامضاً تتقاذفه شتى التفسيرات الأيدلوجية والسيكولوجية.
ورغم الحيرة التي إنتابت العالم أجمع بمن فيهم العراقيون أنفسهم,عن سر صمود آل البيت “عليهم السلام” وإنتشارهم في مختلف أرجاء المعمورة وبقائهم, بالرغم من الهجوم الدموي المتواصل عليهم منذ 1400 سنة إلى يومنا هذا, فضلاً عن مؤامرات طمس هويتهم “المحمدية العلوية” لكن السر الإلهي هو الذي يحفظ آل البيت “عليهم السلام” ولن يُغيب نَسَبَهُم مهما عمل النواصب”يريدون ان يطفؤا نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون”.
إن وجود رجال مثقفين واعين مؤمنين في المجتمع شيء رائع لكن الأروع وجود هؤلاء الرجال في “العشيرة” ويعملون على حفظِ إرثها وتُراثِها ونَسَبِها ومن هؤلاء السيد عزيز ناجي آل سنيد الجغاني الموسوي رئيس فخذ آل سنيد, الذي عمل طوال عامين دون كلل وملل,بُغيةَ تثبيت صحة نَسَبهِ ونَسَب عشيرته الجغانات,وحفظ هوية الأبناء والأحفاد والأجيال القادمة من الضياع, زارَ المحافظات العراقية واحدةً تلوَ الأخرى لمقابلة العشرات من المؤرخين والمحققين وأخصائي الأنساب,قبل أن يشد الرحال إلى عاصمة الدولة العثمانية, ليجمع الوثائق الرسمية التي تثبت صحة نَسَب عشيرة الجغانات وإنتمائهم لذرية الرسول الأعظم”ص” وأرسل لي تلك الوثائق الرسمية الصادرة من مراجع ثقاة ومحققين أكاديمين ومؤرخين مهنيين وأخصائي علم الأنساب, ومن خلال خبرتي في مجال الصحافة ودراستي الأكاديمية في جامعة كيمبرج, وفيها درسنا وتعلمنا كيفية التأكد من الوثائق الرسمية “أقر وأعترف إن هذه الوثائق رسمية وصحيحة النَسَب”.
وفي النهاية لايسعني من القول سوى أن الحمد لله رب العالمين أن منَ على ذرية آل البيت “عليهم السلام” من السادة الجغانات برجل لديه كل الحرص علىيهم مثل السيد عزيز ناجي الجغاني الموسوي, وهنا قطعاً تأكد لكم أخوتي أخواتي مضمون ومعنى “المنشيت” عنون البحث المتواضع هذا, وكيف فشلت الدولة العثمانية الطائفية بطمس هوية آل البيت عليهم السلام.