عندي معارف وأصدقاء وطلبة اصبحوا قبل سنوات بعمر العمل السياسي والحزبي والبرلماني ..ولكن في اي بلد آخر في العالم لايمكن لهم ان ينخرطوا في هكذا اعمال ولا حتى على مستوى نقابات ومنظمات غير حكومية ..المنطق لايقبل والاخلاق والناس لاتقبل ..الكل يعرف انماطهم واساليبهم واهدافهم في الحياة فمنذ اول عمله كمهندس (وقبل ان يتجرا ان يحلم بالسياسة او حتى الظهور على الاعلام لانه لايحسن ان يكون جملتين مفيدتين ولا يكتب سطرين نافعين).
في اول عمله كان يقول ويصرح لأقرانه ولي ولرؤسائه في العمل ان هدفه المال والوصول اليه وكسبه باي شكل ! وآخر منذ بداية شبابه كمحامي كان يسابق الاول بكسب المال بكل الطرق الغير مشروعة ! ففي مناطق هذين الشابين وفي قراهم كان جني المال بالنصب او السرقة حتى ، امرا مقبولا ومألوفا وغير مستنكر بشكل واضح ،، بل انه “شطاره” يلقى عليها مديحا !! والثالث منذ اول عمله كطبيب كان يفكر بنهب قوت الناس لحساب صحتهم ، والرابع منذ اول عمله كاستاذ كان يفكر كيف يصنع مالا من الرشوة والهدايا والمدير كان كذلك والتاجر المبتديء الذي كان يشتم العرب وقوميتهم ويسخر منهم يائسا من جمع المال ، كان ايضا كذلك ..
كل هؤلاء أعرفهم شخصيا ونعرفهم كأصدقاء في الحي والمدينة وكزملاء في الدراسة ..وكانوا يسخرون من كلامنا وكتاباتنا عن الفساد الاداري (لم يكن المالي شائعا)! بعد ،، ومحاولاتنا للتغير والاصلاح وابتعادنا عن الوظائف والاعمال التي تدر ارباحا سريعة ..هؤلاء انفسهم -الذين كنا نبعدهم عن مجالسنا خوف تلويث احاديثنا بحب المال وطرق تحصيله الفاسدة – وبنفس أسمائهم ووجوههم وبعد حين اصبحوا يشاركون بحكم العراق ..فالمهندس اصبح برلمانيا بارزا والطبيب اصبح وزيرا للمالية والتاجر اصبح زعيما وطنيا لمشروع سياسي “عربي”! وبأموال وثروة خيالية ! والمحامي اصبح رئيسا لمجلس الاعمار (الاموال بيديه!) ..بل واصبح معهم من كان سائقا لحادلة فصار رئيسا لمجلس بلدي ومن كان مقاولا ثانويا ليصير وزيرا للكهرباء و ..و ..ممن كانوا من جيلنا وليسوا اصدقائنا بحكم ابتعادهم عن الدراسة وأجوائها ! فتخيل عندما يستولي هؤلاء على اموال (سائبة) لمواطنين مغفلين مقيدين بالغباء والعبودية والمؤامرات معا ! تخيل بعد هذا الحرمان الطويل والحلم العليل بالمال (دون الجاه طبعا فلم يكن يدور بخلدهم ولا للحظة ان يحصل ذلك) ،، وها هم وقد جمعوا الامرين معا وعلى حين غرة حققها لهم “الحلم الامريكي” لغير الامريكي !
تخيل عندما تتهيأ لهؤلاء وظائف ومناصب عالية لارقيب فوقها ، وكذلك امثالهم من الجانب الاخر الذين لم نكن نعرفهم عن قرب بحكم اختلاف المدينة او العشيرة او حتى الطائفة ، ولكن لهم من يعرفهم ويعرف انهم كانوا عملاء ويحاربون بلدهم من الخارج ويخربونه من الداخل لصالح الاجنبي كما نحن نعرف من اسلفنا منذ الصغر ! تخيل كيف سيفعل هؤلاء (اللصوص بالفطرة ) و( النصابون بالسليقة) !
سيفعلون تماما مايفعلونه الآن ..نهب باسرع الطرق وابشعها ، وعمالة بأخس الوسائل وانجعها.. ونصب واحتيال ، وتصفية واغتيال ، كما ترى ونرى ويرى الناس . هذه هي النتيجة الطبيعية للمقدمات التي سبقتها، والثمار المنطقية للايادي التي زرعتها..وهذا هو سبب تميز الفساد في العراق واختلافه عن كل البلدان في العالم وفي التاريخ ..والى الله المشتكى ومنه العون.