7 أبريل، 2024 10:01 م
Search
Close this search box.

لماذا علقت روسيا مشاركتها في معاهدة ” ستارت ” ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

جاء خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السنوي ، أمام أعضاء الجمعية البرلمانية الفيدرالية ( الدوما والاتحاد ) ، مخالفا لتوقعات المنجمين والمحللين ، الذي اجتهدوا كثيرا في توقعاتهم وتصوراتهم ، وما سيتضمنه من قرارات ، كأعلان الحرب الشاملة على أوكرانيا ، أو أعلان التعبئة الشاملة للشعب الروسي ، أو الرد على زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ، ومسرحيته للوصول الى العاصمة كييف ، واستغلاله لعتمة الظلام لتحقيق هدفه ، وإضفاء طابع البطولة والمغامرة لهذه الرحلة ، ووصفها بإنجاز بطولي لرجل ” عجوز ” ، لا يقوى على رفع يده ، متناسين ان الزيارة نفذت أصلا بالتشاور مع روسيا ، وحصوله على موافقتها ، اكراما ” لشيبة العجوز ” .
واستذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلمات مقتبسة عن رئيس وزراء روسيا الراحل بيوتر ستوليبين في العهد القيصري، وطبق جملة من الإصلاحات انتقلت بروسيا من بلاد زراعية وشبه إقطاعية إلى دولة صناعية متقدمة منذ نحو 100 عام والتي قال فيها “ندافع عن حق روسيا في أن تكون قوية ، ويجب علينا جميعا أن نتحد وننسق جهودنا وواجباتنا وحقوقنا من أجل الحفاظ على حق تاريخي واحد حق روسيا في أن تكون قوية” ، وهنا لابد من الإشارة الى إن خطاب الرئيس بوتين هذه المرة ، يأتي في وقت يعلمه الجميع ” بالصعب ” ، والذي وصفه بوتين ” إنه وقت تاريخي لبلدنا ” ، في وقت التغييرات الأساسية التي لا رجعة فيها في جميع أنحاء العالم ، وأهم الأحداث التاريخية التي تحدد مستقبل روسيا وشعبها ، عندما يتحمل كل منهم مسؤولية كبيرة ، بعد اتخاذ قرار بإجراء عملية خاصة قبل عام ، من أجل حماية الناس على أراضيها التاريخية ، ولضمان أمن البلاد ، والقضاء على التهديد الذي يشكله نظام النازيين الجدد الذي ظهر في أوكرانيا بعد انقلاب 2014 ، وخطوة بخطوة ، وبعناية وباستمرار ، “سنحل المهام التي أمامنا” ، بحسب تعبير الرئيس الروسي.
وابرز محطات الكلمة السنوية ، هو أعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، تعليق مشاركة روسيا في معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية “ستارت” ، وقال “أنا مضطر لأن أعلن اليوم أن روسيا ستعلق مشاركتها في معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية ” وكرر ، ان هذا التعليق لا يعني الانسحاب من المعاهدة ، بل بالتحديد تعليق مشاركتها ، واشترط قبل العودة إلى المناقشة والبحث بشأن ستارت، يجب أن تفهم بلاده ، ما الذي تريده تلك الدول مثل فرنسا وبريطانيا وكيف ستأخذ في الاعتبار ترساناتهما الاستراتيجية، أي القدرة الضاربة المشتركة لتحالف شمال الأطلسي؟!.
إن روسيا تعلق مشاركتها في معاهدة ستارت، لأن الولايات المتحدة، ومن خلال الناتو، توجه إنذارا وتنبيها لموسكو ، بشأن معاهدة ستارت الجديدة ، وتطالب واشنطن بتحقيق جميع النقاط، بينما تخطط واشنطن للتصرف كما تشاء ، في بالمقابل لفت الرئيس بوتين إلى أن واشنطن تفكر في إجراء اختبار للأسلحة النووية، ومثل هذا الأمر بات معلوما، وبناء عليه ، دعا بوتين وزارة الدفاع و”روساتوم” ، ان تكونا على استعداد لاختبار الأسلحة النووية في حال قامت الولايات المتحدة بذلك أولا .
كما سخر الرئيس الروسي ، من طلب الناتو في بداية فبراير بالعودة إلى معاهدة “ستارت” بما في ذلك إتاحة الفرصة للإشراف على قوات الردع النووية الروسية ، واصفا هذا الطلب بأنه ” مسرح العبث بعينه”، مضيفا “طلبنا في الإشراف المقابل لم يتم الرد عليه، أو تم تجاهله” ، مشيرا إلى أن “الناتو” يريد إلحاق “هزيمة استراتيجية” بروسيا، و”بعد ذلك يريد أن يشرف على منشآتنا النووية” ، وبالطبع لا يمكن لروسيا أن تتجاهل ذلك ، والاشارة الى ان انهم يقولون لا علاقة بين مشاكل الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، وبين الصراع في أوكرانيا والأعمال العدائية الأخرى ضد روسيا ، إلا أنه وفي نفس الوقت لا يخفي أحد أنهم يريدون إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا ، ووصف بوتين ذلك ” بذروة النفاق، أو السخرية.. إنهم يريدون إلحاق هزيمة استراتيجية بنا والولوج لمنشآتنا النووية”.
الرئيس الروسي ، حاول تذكير ممن خانتهم ذاكرتهم ، بان الغرب كان يلعب بأوراق مخلوطة ويحتفل بخيانته فهو معتاد على البصق على العالم كله ، وكيف أن بلاده فعلت كل ما هو ممكن ، لحل هذه المشكلة بالوسائل السلمية ، وتفاوضت بصبر على طريقة سلمية للخروج من هذا الصراع الخطير ، لكن ما اثبتته الوقائع خلال هذا العام والاعترافات الغربية أكدت ، انه تم إعداد سيناريو مختلف تمامًا من وراء ظهر روسيا ، وتبين أن وعود الحكام الغربيين وتأكيداتهم حول الرغبة في السلام في دونباس كانت ، وكما وصفها بوتين ، ” تزييفًا وكذبة قاسية ” ، من خلال لعبهم ببساطة للوقت ، وانخراطهم في الخداع ، وغضوا الطرف عن الاغتيالات السياسية ، وقمع نظام كييف ضد الأشخاص المرفوضين ، والسخرية من المؤمنين ، وشجعوا أكثر فأكثر النازيين الجدد الأوكرانيين على القيام بأعمال إرهابية في دونباس ، وتم في الأكاديميات والمدارس الغربية ، تدريب ضباط الكتائب القومية وتم توفير الأسلحة ، و حتى قبل بدء العملية العسكرية الخاصة ، كانت كييف تتفاوض مع الغرب بشأن إمداد أوكرانيا بأنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة وغيرها من المعدات الثقيلة ، والتذكير بمحاولات نظام كييف لامتلاك أسلحة نووية ، التي تحدثت عنها موسكو عنها علنًا.
الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ، وكما أشار الرئيس الروسي ، نشرت وبسرعة قواعد جيشهما ومختبراتهما البيولوجية السرية بالقرب من حدود بلاده ، وأعدوا مسرح العمليات العسكرية المستقبلية في سياق المناورات ، وأعدتا نظام كييف الخاضع لهما ، وأوكرانيا التي استعبدوها ، من أجل حرب كبيرة ، واليوم يعترفون بذلك بذلك علنًا ، وبصراحة ، دون تردد ، ويبدو أنهم فخورون ، مستمتعين بخيانتهم ، ووصفوا كل من اتفاقيات مينسك وشكل نورماندي بأنه أداء دبلوماسي ، بانها خدعة ، جربت طريقة الخداع المثيرة للاشمئزاز عدة مرات من قبل ، وتصرفوا بنفس القدر من الوقاحة والازدواج ، ودمروا يوغوسلافيا والعراق وليبيا وسوريا ، ومن هذا العار لن يتم غسلهم أبدًا ، لأن مفاهيم الشرف والثقة واللياقة ليست لهم.
كانت روسيا منفتحة ومستعدة بصدق لإجراء حوار بناء مع الغرب ، وقالت واصرت على أن كلاً من أوروبا والعالم بأسره بحاجة إلى نظام أمني غير قابل للتجزئة متساوٍ لجميع الدول ، واقترحت – والكلام للرئيس بوتين – لسنوات عديدة أن يناقش شركاؤها هذه الفكرة معًا وأن يعملوا على ذلك التنفيذ ، لكن ورداً على ذلك ، تلقوا رد فعل غير واضح ، وكانت هناك أيضًا إجراءات محددة: توسيع الناتو إلى حدود روسيا ، وإنشاء مناطق مواقع جديدة للدفاع الصاروخي في أوروبا وآسيا – قرروا الاختباء وراء روسيا بـ “مظلة” ، وهذا هو نشر الوحدات العسكرية ، و ليس فقط بالقرب من حدود روسيا ، وأشار بوتين ، الى انه لا يوجد بلد واحد في العالم لديه مثل هذا العدد من القواعد العسكرية في الخارج مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، فهناك المئات منهم ، أريد التأكيد على هذا ، مئات القواعد حول العالم ، الكوكب كله متناثرة ، ما عليك سوى إلقاء نظرة على الخريطة.
لقد رأى العالم كله كيف ينسحبون من الاتفاقيات الأساسية في مجال الأسلحة ، بما في ذلك معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى ، مما يمزق من جانب واحد الاتفاقات الأساسية التي تحافظ على السلام العالمي ، لسبب ما ، فعلوا ذلك – لم يفعلوا أي شيء من هذا القبيل ، كما تعلم ، وأخيرًا ، في ديسمبر 2021 ، قدمت موسكو ​​رسميًا مسودة اتفاقيات ضمان أمني إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ، لكن في جميع المواقف الأساسية والأساسية بالنسبة لها ، تلقوا ، في الواقع ، رفضًا مباشرًا ، ثم أصبح من الواضح أخيرًا أنه تم إعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ الخطط الصارمة وأنهم لن يتوقفوا.
وفي مؤتمر عقد مؤخرا في ميونيخ ، كانت هناك اتهامات لا نهاية لها ضد روسيا ، كما يقول بوتين في كلمته ، ولد لدى المرء انطباع ، بأن هذا تم فقط حتى ينسى الجميع ما فعله ما يسمى بالغرب في العقود الأخيرة ، وكانوا هم من تركوا الجني يخرج من القمقم ، وأغرقوا مناطق بأكملها في الفوضى ، ووفقًا للخبراء الأمريكيين أنفسهم ، كنتيجة للحروب – لفت بوتين الانتباه إلى هذا ” لم نتوصل” إلى هذه الأرقام ، كما قدمها الأمريكيون أنفسهم – نتيجة الحروب التي شنتها الولايات المتحدة بعد عام 2001 ، تقريبًا 900 ألف شخص لقوا مصرعهم ، وأكثر من 38 مليون أصبحوا لاجئين ، والآن يريدون فقط محو كل هذا من ذاكرة البشرية ، ويتظاهرون بأن شيئًا لم يحدث ، لكن لا أحد في العالم قد نسي ذلك ولن ينسى.
لا أحد منهم ( الغرب ) يهتم بالخسائر البشرية والمآسي ، لأنه ، بالطبع ، تريليونات وتريليونات الدولارات معرضة للخطر ؛ والقدرة على الاستمرار في سرقة الجميع ؛ وتحت ستار الكلمات حول الديمقراطية والحريات ، لنشر القيم النيوليبرالية والشمولية بطبيعتها ؛ تعليق العلامات على بلدان وشعوب بأكملها ، وإهانة قادتها علنًا ؛ وقمع المعارضة في بلدانهم ؛ وخلق صورة العدو ، وصرف انتباه الناس عن فضائح الفساد – بعد كل شيء ، كل هذا لا يترك الشاشات ، والجميع يرى – من المشاكل والتناقضات الاقتصادية والاجتماعية والمتنامية الداخلية المتزايدة.
وذكر بوتين أنه في الثلاثينيات من القرن الماضي ، فتح الغرب الطريق للنازيين للوصول إلى السلطة في ألمانيا ، واليوم ، بدأوا في جعل أوكرانيا “مناهضة لروسيا” ، والمشروع في الواقع ليس جديدًا ، فالأشخاص الذين هم على الأقل منغمسون قليلاً في التاريخ يعرفون جيدًا ، ويعود هذا المشروع إلى القرن التاسع عشر ، وقد تمت زراعته في الإمبراطورية النمساوية المجرية ، وفي بولندا ، ودول أخرى بهدف واحد – تمزيق هذه الأراضي التاريخية ، والتي تسمى اليوم أوكرانيا ، “من بلدنا. هذا ما هو هذا الهدف. لا يوجد شيء جديد ، لا جديد ، كل شيء يتكرر”.
إن المشروع “المناهض لروسيا” هو ، في الواقع ، كما اعتبره بوتين ، هو جزء من سياسة انتقامية تجاه بلده ، لخلق بؤر من عدم الاستقرار والصراعات مباشرة على حدوده ، وبعد ذلك ، في الثلاثينيات من القرن الماضي ، والآن الخطة هي نفسها – لتوجيه العدوان إلى الشرق ، وإشعال حرب في أوروبا ، والقضاء على المنافسين بالوكالة ، ويستخدم الغرب أوكرانيا كمضرب ضد روسيا وكأرض تدريب ، وشدد على ان هناك ظرفًا واحدًا يجب أن يكون واضحًا للجميع ، ” كلما زودت الأنظمة الغربية الأسلحة البعيدة المدى إلى أوكرانيا ، ” من الطبيعي سنضطر إلى نقل التهديد بعيدًا عن حدودنا”.
وحمل الرئيس الروسي النخب الغربية الذي تقع مسؤولية تحريضه على الصراع الأوكراني ، وعن التصعيد ، وزيادة عدد ضحاياه بالكامل ، وبالطبع على عاتق نظام كييف الحالي ، الذي يعتبر الشعب الأوكراني غريبًا عنه في الواقع ، ولا يخدم النظام الأوكراني الحالي المصالح الوطنية ، بل مصالح الدول الثالثة ، وقال ” نحن لسنا في حالة حرب مع شعب أوكرانيا ، لقد تحدثت بالفعل عن هذا عدة مرات. أصبح شعب أوكرانيا نفسه رهينة نظام كييف وأسيادها الغربيين” ، الذين احتلوا هذا البلد فعليًا بالمعنى السياسي والعسكري والاقتصادي ، ودمروا الصناعة الأوكرانية لعقود ، ونهبوا الموارد الطبيعية ، وكانت النتيجة الطبيعية هي التدهور الاجتماعي ، وزيادة هائلة في الفقر وعدم المساواة.
ويرى بوتين في كلمته ان الغرب لا يسعهم إلا أن يدركوا أنه من المستحيل هزيمة روسيا في ساحة المعركة، وان مستوى تجهيز قوات الردع النووي الروسي ، وصل إلى أكثر من 91% ، وضرورة الوصول إلى هذا المستوى في كافة المجالات بالقوات المسلحة ، وبالتالي فهم يشنون المزيد والمزيد من الهجمات الإعلامية العدوانية ضد بلاده ، وبادئ ذي بدء ، بالطبع ، يتم اختيار الشباب والأجيال الشابة كهدف ، وهنا مرة أخرى كما يؤكد بوتين ، يكذبون باستمرار ويشوهون الحقائق التاريخية ولا يتوقفون عن الهجمات على ثقافتنا والكنيسة الأرثوذكسية الروسية وغيرها من المنظمات الدينية التقليدية في بلده .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب