23 ديسمبر، 2024 3:20 م

لماذا زهدتم في هذا السلاح ؟؟؟

لماذا زهدتم في هذا السلاح ؟؟؟

إن من المعروف بأن ماتحتاجه الحرب من إعداد لخوضها بإقتدار يفترض أن يمتد الى أقصى مديات الإستطاعة في توفير القوة وإستخدام كل الوسائل المتيسرة التي تعمل على كسبها وتحقيق النصر فيها وبهذا فلابد أن يشتمل هذا الإعداد على كل الجوانب التي من شأنها إضعاف قدرات الطرف الآخر للتقليل من فرصه في المناورة والإختراق والمطاولة وسلب مايمكن من رصيد تواصله وقوته في ساحة المواجهة ، ولاشك أن ذلك لايقتصر على الإعداد العسكري تعبئة وتسليحا وتدريبا وتخطيطا فحسب بل لابد أن يشتمل على محاور أخرى من شأنها أن تشكل عوامل الإسناد الفاعل للجانب العسكري في مسعى لتنمية زخمه وإستدامة أثره وتهيئة الظروف الملائمة لتمكينه من مسك زمام المبادرة وصولا الى تحقيق أهدافه في الغلبة والنصر، ولابد أن تكون القيادة مدركة لكل تلك والوسائل لكي تعمل على تحريكها الى جانب المحور العسكري في الوقت المناسب بغية تدعيمه وتمكينه ، حيث يبرز المحور الإقتصادي كواحد من أهم تلك المحاور الساندة ومن أهم المقومات العاملة على تنمية زخم الإستطاعة في توفير القوة الضاربة من جانب وتوفير الوسائل التي من شأنها إضعاف المقابل من جانب آخر، ففي الحالة العراقية يمثل الجانب الإقتصادي سلاحا جبارا من شأنه أن يغير موازين القوة لصالحها ويحرف مسارات المواجهة صوب مواقع الإمساك بزمام المبادرة وتعطيل ما لايستهان به من مخططات الأعداء ومنعهم من الإستمرار في تنفيذ ما رسموا من برامج وإرباك أدواتهم وعناصرهم في ساحة المواجهة العسكرية وإضعافها الى مستوى الشلل التام ، وهذا ماأردنا أن نشير إليه في معرض بحثنا هذا على وجه التحديد ، وليس بعيدا على القاريء الكريم ماشهده من مؤثرات سلبية كبيرة للجانب الإقتصادي على مستويات القدرة العراقية إبان المواجهة التي خاضها النظام السابق مع الإدارة الأمريكية والمتحالفين معها فيما يعرف بحرب الخليج حيث آثرت الولايات المتحدة الأمريكية إستخدام هذا السلاح الذي أحكمت طوقه على العراق لسنوات عديدة عندما فرضت عليه حصارا إقتصاديا خانقا كمقدمة لإضعاف قدرات النظام قبل أن تشرع في المواجهة العسكرية التي كانت محسومة لصالحها سلفا بعد أن أنهكت القدرة العراقية بما لم يمكن النظام البائد من الصمود في ساحة الحرب إلا أياما معدودات ، ولازالت الإدارة الأمريكية تستخدم سلاح الإقتصاد هذا في كل مواجهاتها كما نشهد ذلك في المواجهة بينها وبين الجانب الإيراني فيما يتعلق بتحجيم نشاط إيران النووي ، ومع الجانب السوري في مسعاها لإسقاط نظامه عبر إضعافه إقتصاديا في الوقت الذي تعمل فيه على دعم الجهات المعارضة للنظام ماديا وعسكريا وهي بهذا الأسلوب تقدم دائما سلاح الإقتصاد في كل مواجهاتها لتمكين الجانب العسكري من تحقيق أهدافه المرسومة على أرضية ممهدة ، فماذا عن مسعى الجانب العراقي اليوم في إستخدام هذا السلاح وهل إلتفتت القيادة العراقية اليه كجانب من أهم جوانب القوة في ساحة المواجهة الشرسة التي يخوضها العراق مع معسكر الأطماع والأحقاد والسيطرة الذي تشترك فيه دولا عديدة لكل منها أهدافها التي تدفعها الى الإنقضاض عليه دون أي وازع من عدل أو رحمة أو إنسانية أو إحترام للمواثيق والعهود ، فلقد أصبح معروفا للجميع وبشكل لايقبل الشك أن هناك دولا إقليمية وعالمية عملت على إيجاد هذه المجاميع المتطرفة ولملمة عناصرها من كل بقاع الأرض وتكريسها في إطار تنظيم همجي متجاوز لكل القيم الإنسانية ومجاف لكل رسالات السماء التي تفيض رحمة وعدلا وإحتراما للإنسان ووجوده وحقوقه ، ذلك مايعرف بتنظيم داعش الإرهابي  في مسلك تستثير به الفوضى وتشيع به الإضطراب وعدم الإستقرار لكي تتمكن من فرض سطوتها وتحقيق برامجها في المنطقة عبر إضعاف الدول والشعوب المستهدفة رغم الإختلاف في مقاصد الأطراف الداعمة لهذا التنظيم من عملية الإستهداف هذه فمنهم من بنى أهدافه على أسس طائفية ومنهم من بناها على أسس مادية وسلطوية ولكنهم إجتمعوا على ضرورة تدمير تلك الدول للسيطرة عليها والتحكم بمقدراتها حيث يتصدر العراق قائمة الدول المستهدفة لما لتفكيكه وإضعافه من دور في إحكام السيطرة على المنطقة وثرواتها والقضاء على معتقداتها، ولعل من أبرز الدول الإقليمية التي تشير الدلائل الدامغة على إيغالها في خلق هذا التنظيم المجرم ودعمها له بكل ماتستطيع وبمختلف الوسائل هي تركيا أوردغان التي سخرت إمكاناتها الجغرافية والمادية والخبراتية لإستدامة زخم هذا التنظيم المتطرف ولأهداف معروفة وأسباب لم تعد خافية على الجميع ، فهاهو الكاتب التركي المتخصص في الصحافة الإستقصائية ( رأفت بالي ) يكشف في تقرير نشرته صحيفة ( أدينلك ديلي ) التركية عن معلومات تؤكد إستضافة تركيا لزعيم تنظيم داعش المدعو (أبو بكر البغدادي) عام 2008 والتبرع له بمبالغ كبيرة قبل تأسيس هذا التنظيم حيث أفادت هذه الصحيفة في تقرير لها عن مواصلة الوحدات السرية لحزب العدالة والتنمية التركي بزعامة أوردغان عملها في سوريا لمساعدة تنظيم داعش حتى بعد التطورات الأخيرة في الوضع العراقي ، وقد أكدت الصحيفة أن حزب أوردغان لم يمنع أو يقيد حرية تحركات داعش عبر الحدود السورية التركية فهو يعبر بكل سهولة بين المحافظات التركية الحدودية مع سوريا ويجري الكثير من العمليات الطبية لمعالجة عناصره فيها وقوات الأمن التركية على علم بذلك حيث صدرت لها الأوامر من الجهات العليا بتقديم كل وسائل الراحة والمساعدة لعناصر هذا التنظيم ، كما بينت الصحيفة أن مطارات (إسطنبول وغازي عنتاب وهاتاي ) تعتبر جميعها نقاط عبور مهمة لعناصر التنظيم القادمين من مختلف دول العالم وتحت سمع وأنظار الحكومة التركية .
ويكشف أحد نواب حزب الشعب الجمهوري في تركيا من جهة أخرى وهو أكبر أحزاب المعارضة التركية عن معاقبة مجموعة من الجنود الأتراك بالسجن لأنهم أوقفوا شاحنات عائدة لجهاز المخابرات التركي كانت محملة بالأسلحة والذخيرة وهي في طريقها لإيصال تلك الحمولات الى الجماعات الإرهابية في سوريا مبينا أن داعش يكتسب قوة من خلال دعم الأسلحة التي تأتيه من تركيا ، وغير ذلك من الدلائل الثابتة التي تؤكد الدعم التركي المفتوح لهذا التنظيم المجرم والتي لايتسع المقام لإستعراضها في هذا البحث لكثرتها وتعددها وليس أقلها أهمية ماأعلنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قبل أيام وعلى رؤوس الأشهاد من أن دولا في المنطقة قائمة على دعم وإسناد هذا التنظيم ومن أهم تلك الدول تركيا مما يشير بوضوح أن تركيا تدخل في دائرة المواجهة العسكرية مع العراق عبر بوابة داعش وبهذا يفترض أن توضع من وجهة نظر عسكرية وسياسية وجماهيرية في مجموعة أهداف التصدي من قبل العراق ليس على مستوى الرد العسكري الآن وإنما على مستوى الرد الإقتصادي الذي سيشل مساحة واسعة من القدرات الإقتصادية التركية ويعرقل بشكل كبير برنامج الدعم المادي والعسكري لتنظيم داعش فيقلص بالتالي من قدرات هذا التنظيم الهمجي في الميدان ، ومن جانب آخر فإنه سيخل بميزان الإقتصاد القومي لتركيا مما يشكل إحراجا للحكومة التركية أمام شعبها ومايتبع ذلك من تداعيات سياسية وخيمة على مستوى الداخل ويسيء الى سمعتها الدولية بشكل كبير ، هذا إذا علمنا أن التجارة الخارجية تعد المحرك الرئيس للإقتصاد التركي وأن العراق يشكل أكبر سوق للصادرات التركية بعد أن حل محل ألمانيا في ذلك حسبما أدلى به رئيس مجلس المصدرين الأتراك ، كما تغلبت صادراتها الى العراق على إيطاليا ثاني أكبر مشتري للبضائع حيث يبلغ حجم الصادرات التركية الى العراق حوالي مليار دولار شهريا أي ما مجموعه 12  مليار دولار سنويا وقد يصل أحيانا الى 14 مليار دولار ، لقد بين رئيس مجلس المصدرين الأتراك (محمد بيوقجي) لصحيفة (ديلي حرييت)  أن أي تراجع في حجم الصادرات التركية الى العراق يهدد بحصول أثر سلبي على مجمل نشاطات تركيا مكررا المخاوف التي أعربت عنها السلطات الإقتصادية بشأن مخاطر العجز في الميزانية التركية في حالة تعثر الحركة التجارية بين البلدين وموضحا بأن العراق أصبح خلال السنوات الأخيرة واحدا من أقرب الشركاء التجاريين لتركيا بعد توجه أنقرة لتنويع مصادر تجارتها بعيدا عن الإعتماد على أوربا ، وعلى ضوء هذه الحقائق التي إستعرضناها يتضح للقاريء الكريم ضخامة السلاح الإقتصادي الذي يمتلكه العراق في مواجهة التجاوزات والإعتداءات التركية التي تعدت الحدود التي لاتسمح بإستخدامه ضدها وأن على الحكومة العراقية والحالة هذه أن لاتتردد في إستخدام هذا السلاح الحاسم لتعبئة زخم قدراتها في معركتها الشرسة مع تنظيم داعش الذي يستمد كثيرا من أسباب قوته ومطاولته في جبهات القتال مع القوات العراقية من منابع الدعم والإسناد والتمويل التركية حيث يمثل إستخدام العراق لهذا السلاح العملاق واحدا من أكبر وأهم مرتكزات القوة العراقية في ساحة المواجهة العسكرية دفاعا عن الوجود والسيادة والشرف والمقدرات ولكن الغريب في الأمر أن حكومة العراق زهدت في هذا السلاح وغضت الطرف عنه بل تصرفت بما يناقض ذلك ، فعندما توقفت الحركة التجارية بين البلدين عبر منطقة كردستان بسبب المعارك الدائرة مع تنظيم داعش والتي أدت الى فقدان المسالك الآمنة التي يتم عن طريقها دخول البضائع التركية الى بقية مناطق العراق سارعت الحكومة التركية  للبحث عن منافذ أخرى بديلة من شأنها أن تعمل على تدفق الصادرات التركية الى العراق مرة أخرى لتدارك أسباب إنهيار إقتصادي لاتحمد عقباه حيث توصلت الى عقد إتفاق نهائي مع الحكومة الإيرانية لتكون المنافذ الحدودية لإيران حلقة الوصل للتبادل التجاري بين العراق وتركيا وتوريد البضائع التركية الى عموم مناطق العراق عبر معبر مهران ــ زرباطية في محافظة واسط كبديل عن المنافذ الحدودية لإقليم كردستان ، كل هذا قد حصل ولم نرصد من الحكومة العراقية مايشير الى إتخاذ خطوة فاعلة في الضغط على الجانب التركي لردعه عن تنفيذ مخططاته العدوانية ولم نشهد منها بناء ستراتيجية جديدة قائمة على ردود الفعل أزاء مواقف العداء والصداقة في تعاملاتها الخارجية ومبنية على أساس إستغلال كل مرتكزات القوة المتاحة في ساحات المواجهة مع أطراف التآمر والعدوان بما فيها جانب الإقتصاد بل شهدنا لها مايخالف ذلك تماما حيث كشفت هيئة الكمارك في العراق على لسان مديرها العام (وميض خالد) لصحيفة الصباح أن الهيئة تسلمت من وزارة الخارجية العراقية مذكرة تشير الى الإتفاق التركي الإيراني الذي أشرنا إليه سلفا حول إستخدام تركيا للمنافذ الحدودية الإيرانية كحلقة وصل بينها وبين المنافذ العراقية لأغراض التبادل التجاري منوها أن العراق على إستعداد تام لإستقبال هذه البضائع بعد أن تم تعزيز ملاكات الجمارك والوزارات الساندة لإستقبالها ، وبهذا يكون موقف الحكومة العراقية جليا في إغفالها أو تغافلها عن أستغلال الجانب الإقتصادي كورقة ضغط كبرى للوقوف في وجه التآمر التركي لابل أنها تمعن في المشاركة لتدعيم الإقتصاد التركي بهذه الطريقة التي تثير الإستغراب وهي تعلم أن إنتعاش الإقتصاد التركي يعني إستمرار وزيادة الدعم الذي تقدمه تركيا لداعش فهل من تفسير لهذا ياحكومة العراق ؟؟ ولماذا زهدتم في هذا السلاح الذي أنعم الله به عليكم ؟؟؟
*[email protected]