23 ديسمبر، 2024 2:16 م

لماذا … دعم سوريا ؟  

لماذا … دعم سوريا ؟  

البعض يسأل لماذا دعم سوريا ، هل الغاية دعم النظام السوري ، هل هو دعم الرئيس بشار الأسد ، للإجابة على هذا السؤال لابد من العودة إلى الوراء وتحديداً بداية القران الماضي عندما قسمت منطقة الشرق الأوسط  بين فرنسا والمملكة المتحدة إذ حصلت فرنسا على سوريا ولبنان وأخذت بريطانيا ما وراء الأردن وفلسطين والعراق في ظل سكوت روسيا القيصرية التي كانت قد وعدت بإعطائها اسطنبول ، هذا التقسيم جاء في اتفاقية سايكس بيكو التي تعهدت فيها بريطانيا لهذه الدول فضلا عن تعهدها من خلال  اللورد بلفور، الذي أعلن في رسالة إلى البارون روتشيلد، أن حكومة المملكة المتحدة تنظر بحماس إلى إقامة وطن قومي لليهود على هذه الراضي نفسها.وبين هذين التعهدين المتصادمين حدثت ضربة في العام 1916 باتفاق سري بين مارك سايكس البريطاني وجورج بيكو الفرنسي قسمت هذه الأراضي ووضعت تحت الحكم البريطاني والفرنسي.
في ظل هذا التقسيم تأسس للكيان الصهيوني دولة في قلب الأمة العربية والإسلامية وتغيرت موازين القوى فبعد سيطرت المملكة المتحدة وفرنسا اليوم تشهد المنطقة سيطرة أمريكية إسرائيلية على منطقة الشرق الأوسط فلم تكتفي أمريكا وربيبتها بهذا التحكم بعد فشلها في قيادة الديكتاتوريات العربية صنيعة الغرب والامبريالية راحت ترسم سيناريو جديد للمنطقة وسايكس بيكو في ظل نظام عالمي جديد لتنبثق خريطة جديدة، تُرسم حدودها بالدم .
السؤال المطروح اليوم هل بدأت خريطة الشرق الأوسط الطبيعية بتأكيد نفسها ، العراق يعاني من صراعات وخلافات لا تبشر بخير ، صراعات مذهبية وطائفية ودينية وقومية في دول الربيع العربي ، السودان تقسمت ، مطالبات بتقسيم اليمن ، سوريا  تتفكك، بوجود علويين شيعة يقاتلون سنة، ومسيحيين يصطفون مع دمشق، ودروز منقسمين، واكراد يسعون الى الانطلاق والاتحاد مع أبناء جلدتهم في تركيا والعراق وإيران. وحلمهم دولة  كردستانية متجذرة بهوية أثنية مشتركة ، وشيعة إيران يدعمون قيادة جيش بشار الأسد  ونظامه. حزب الله يدعم الجيش النظامي في سوريا لان المعركة القادمة في لبنان ومن ثم في العراق ، الجيش الحر وجبهة النصرة المدعومة من قطر والسعودية وتركيا وأمريكا وإسرائيل تحارب في سوريا بنفس طائفي مدعوم من الإعلام العربي المعادي أيدلوجيا الشيعة يعد النظام شيعياً في الوقت أن النظام محسوب على الأنظمة السنية ، وهكذا هناك خطاب سياسي وإعلامي تحريضي لخلق فتن طائفية بين الشيعة والسنة والمسلمين والمسيحيين .
أذن الحرب في سوريا بداية الحرب الطائفية بين المسلمين لان التغيير في سوريا يراد له أن يكون لصالح الامبريالية العالمية التي تقودها أمريكا واسرائيل فهم يرسمون خريطة المنطقة من جديد من خلال سيناريو وتقسيم لعله مشابه لمعاهدة سايكس بيكو من خلال التحكم في منطقة الشام من دمشق إلى حمص إلى البحر المتوسط. هذه المنطقة تحولت إلى صراع بين المحاور  ، الغرب وأمريكا وأوربا وبعض الدول العربية والخليجية يقابله المحور الصيني الروسي الإيراني في منافسة شديدة حيث ترغب هذه الدول في بقاء بشار الأسد في السلطة في الوقت المحور الأخر يدفع باتجاه إنهاء حكم الأسد في سوريا بأي ثمن حتى لو كان الثمن دماء مئات الآلاف من السوريين ، ومن الطبيعي أن لكل محور مصلحة وغاية لأنه من يسيطر على هذا الموقع سيسيطر على مصادر الطاقة بين أسيا وأوربا .
وإذا كانت أهداف الدول العظمى الدفاع على مصالحها في هذه المنطقة الحيوية فروسيا لديها  تحالف استراتيجي مع النظام السوري فضلا عن سعيها بعدم سيطرة الولايات المتحدة على خطوط نقل النفط والغاز والتي تربط أوربا بآسيا عن طريق ميناء طرطوس الى البحر المتوسط وهي بذلك تعطي مؤشرات بعدم السماح للولايات المتحدة بتغيير النظام في سوريا ليكون البديل نظاما خاضعا للمحور الغربي الأمريكي الإسرائيلي العربي المعادي لنظام بشار الأسد .
ومن هنا تغيرت إستراتيجية هذا المحور فليس من الممكن التغيير الفوقي فلابد من خلق فتن داخلية في هذه المناطق ليكون الحل من داخل هذه الدول ، وفعلا تمكنت الدول المعادية لنظام بشار الأسد من التحشيد الداخلي ضد هذا النظام وخلقت فتنة مذهبية وصراع طائفي بين أبناء المجتمع السوري ، وهنا إلى أي مدى يراد لهذا الصراع التوسع والامتداد هل فعلا هناك مخطط لتقسيم سوريا إلى ثلاثة دول ( دولة علوية بقيادة بشار الأسد وتضم الدروز ، دولة مسيحية ، دولة سنية ) والأخيرة ربما ستكون في شرق سوريا وشمالها لتضم السنة وجبهة النصرة وحلفاء القاعدة هذه الدولة قد تكون امتداد لسنة الانبار في الغرب ، وهكذا يتم استقطاع جزء من الهلال الشيعي الذي يربط جنوب لبنان ( حزب الله ) وسوريا ، والعراق والجمهورية الإسلامية في إيران ، هذا المحور الذي يمثل الشيعة يقابله المحور السني قطر والسعودية ومصر وغيرها ، وهذا التقسيم سيكون بداية لحرب طائفية قد تكون بدايتها ما يحصل في سوريا ، وليس مبالغة هذا التحليل حيث أن الولايات المتحدة تدعم المجاميع المسلحة في سوريا منها جبهة النصرة ، المجاميع الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة الدولي والتي تمادت في استفزاز الشيعة من خلال نبش قبور الصحابة مثل الصحابي حجر بن عدي ، فضلا عن تهديم المراقد الشيعية في سوريا ، والتهديد بتفجير قبر السيدة زينب عليها السلام ، هذه المواقف حركت الشيعة في العالم العربي والإسلامي لأنها شعرت أن هناك مخطط لإشعال حرب طائفية ، والغرب يعرف من أين يبدأ وعليه هناك دعم من حزب الله للجيش السوري العربي في معاركه الأخيرة فضلا عن ان هناك مقاتلين من العراق واليمن والبحرين لدعم هذا الجيش ليس الغاية في دعم النظام بل الغاية حتى لا تقع الحرب الطائفية في حالة استهداف الرموز الدينية المقدسة في سوريا .
اليوم المعركة في سوريا معركة مصير وحتى لا نصل إلى الحرب الطائفية ومن بعدها سايكس بيكو جديدة هناك صراع محوري ، تحاول فيه الجمهورية الإسلامية في إيران وحزب الله في لبنان، وسوريا الأسد، والعراق ، أن لا يضيع هذا الهلال الشيعي الذي يتعرض للاعتداء واحتمال خسارة النظام السياسي في سوريا الذي يمثل اقل سوءً من أي نظام متطرف قد يأتي بديلاً لنظام الأسد لاسيما وان هذا البديل أعطى مؤشرات عن أيدلوجيته  الفكرية والمذهبية وعداوته لمذهب أهل البيت عليهم السلام .
هذه المعطيات والمؤشرات دفعت الجمهورية الإسلامية في إيران وحزب الله في لبنان خوض المخاطر التي قد تعرضهما إلى عقوبات دولية جديدة ، وإعلانهم صراحة دعم بشار الأسد بالمقاتلين والأسلحة هذا في ظل عدم إخفاء المحور المعادي السعودي والقطري والتركي دعمه المعارضة السورية بالسلاح والمال والمقاتلين من كل بقاع العالم ، وهنا هل ستتحقق مخططات الولايات المتحدة وإسرائيل في دفع المنطقة إلى حرب طائفية ، هذا في ظل أن هناك من السياسيين في الإدارة الأمريكية من يسأل لماذا ينبغي على الأميركيين أن يدعموا المعارضة ويحققون نصر سني في سوريا ، فأمريكا تعايشت مع بشار وأبيه على مدى 40 عاما. فما الذي تغير ألان هل فعلا الولايات المتحدة تدعم الربيع العربي ، فما الذي تحقق من هذا الربيع وما الذي  أنتجه تدخلها في ليبيا للإطاحة بمعمر القذافي غير دولة تعاني من الصراع والخلاف الفكري  ووحشية بنغازي، وانتشار القاعدة في مالي والنيجر؟  ففي أفضل الأحوال، ستأتي الولايات المتحدة بنظام أخوان مسلمين جديد، كما الحال في القاهرة. وفي أسوأ الأحوال، سيكون  ملاذا متميزا للمرتبطين بالقاعدة، جبهة النصرة.
وهنا سيكون بداية مرحلة جديدة من تغيير موازين القوى في المنطقة ، هذا التغيير هل ستسمح به روسيا والصين وإيران ،  ولكن ماذا لو اتفقت الدول العظمى على مصالحها في هذه المنطقة هل سيترك الخيار لأمريكا في رسم حدود سايكس – بيكو جديدة وتفكيك البلدان التي أنشأها صناع الخرائط في باريس في الأعوام 1919 ـ 1920، ولكن هذه المرة لن تكون بحرب عالمية بل بحروب طائفية في المنطقة العربية والإسلامية .
العراق بدوره هل سيسمح لهذه المخططات النيل من وحدته لاسيما وان نذر الشر بدأت تقترب منه ، هل ما يحدث في سوريا يحتم على العراق أن يتخذ موقفا صارما وجادا يدرا عنه الخطر ويجنبه ويلات ما سيحدث خاصة هل ينفع العراق  رفع سياسة عدم التدخل في الأزمة السورية مع كل الضغوط العربية والدولية والتي أرادت أن تجره لهذه المعركة والمحرقة من خلال الاعتداء على المراقد المقدسة والتي تهم المسلمين عامة والشيعة خاصة وان العراق ولبنان سيأتي دورهم من بعد سوريا ، وهنا كان لابد من جر العراق بالقوة فبدا الضرب على الوتر الديني والطائفي وهو ما لا يستطيع أن يتحمله إنسان مهما كان متعقلا أو متأدباً أو مسالما فان تهلك وتقتل وتظلم باسم الدين بسبب ما تعتقد وان تنتهك مقدساتك ولا تحرك ساكنا معناه أن يتمادى الطرف الأخر ويزداد طغيانه واستهتاره ، هذا المشهد يحتاج من الشعب العراقي أن يستبق الإحداث وان يتعامل مع التحدي الإرهابي بتجفيف منابعه مبكرا في سوريا فالفرصة الذهبية هو تجمعهم وضربهم في تلك المناطق لا انتظارهم أن يتحولوا إلى أمراء قتل وزعماء فصائل ومفتين للتفخيخ والتفجير والتهجير، فالاستكبار ومصالح الدول لا تعرف العاطفة ودماء الأبرياء لا تمثّل لها شيئا إلا لاستخدامها بالدعاية التحريضية لكسب الرأي العام ولكسب معركة التاريخ فهل سينجح هذا الاستكبار في تقسيم المنطقة من جديد بعد أن ينجح في تفتيت الدول العربية بالحروب الطائفية .
وكل ما تقدم يدعونا إلى دعم سوريا العربية ، سوريا المقاومة ، سوريا الممانعة ، سوريا المقدسات الإسلامية عامة والشيعية خاصة ، لان تدمير وتفجير مراقدنا في هذا البلد سيشعل حرب طائفية وعليه لابد من إيقاف التكفيريين من الوصول إلى هذه المراقد بأي ثمن حتى وان كانت دماءنا التي ستكون رخيصة مقابل حماية هذه المراقد التي فيها كرامتنا وعزتنا نحن إتباع أهل البيت عليهم السلام .