18 ديسمبر، 2024 8:06 م

لماذا تُمانع “إسرائيل” تزويد الإمارات بالـ(F-35)؟؟؟

لماذا تُمانع “إسرائيل” تزويد الإمارات بالـ(F-35)؟؟؟

أستغربنا كثيراً من واقع إستغراب البعض في ممانعة إسرائيل تزويد الولايات المتحدة الأمريكية لدولة الإمارات العربية بطائرات مقاتلة/هجوم أرضي من طراز (F-35) والتي لا ترصدها الراردارات المتاحة في عموم العالم، وذلك رغم إقدام “أبو ظبي” على خطوة سياسية خطيرة وغير مستساغة من لدن العديد من دول العرب والإسلام، ولو في وسائل الإعلام وفي الظاهر.
فلماذا هذا الإصرار الإسرائيلي؟ وما القصد الدافع وراءه؟؟
مواصفات الـ”F-35″
في مقالتي الموسومة عن ((المقاتلة “أف- ٣٥” الأعجوبة)) والمنشورة على صفحات هذا الموقع الأغر أواخر (2018) والتي أوضحتُ كونها من الجيل الخامس الأحدث الذي إنبثق عام (2000)، ولم تُقحَم أولاها للخدمة العملية إلاّ قبل سنوات من يومنا الراهن بواقعها المَخفِيّ عن الرادار وسرعتها فوق الصوتية وأنظمتها التي تحقق للطيار صوراً كاملة لفضاء المعركة، مُضافاً إليها قابلية الإقلاع والهبوط العمودي.
والمعروف أن الـ “F-35” هي المقاتلة الشبح الأحدث في العالم، ولم تمتلكها لحد الآن سوى القوات الجوية الأمريكية،الإسرائيلية، والبريطانية وبأعداد ضئيلة فحسب، وقد حقّقت ثورة جامعة فاقت ما ظلّ عالقاً في خيال عشّاق الطيران، ولربما سوف لا تُضاهيها -بالعديد من مواصفاتها الأخّاذة- أية مقاتلة/هجوم أرضي سبقتها، ولا ترقى لإمكاناتها وأدائها لعقود قادمات، ناهيك عن إمكانات تجاوز السلبيّات والمعايب التي قد تظهر في أدائها إلى جانب إستبدال معدات وإلكترونيات بأرقى مما متوفر في طرزها الحالية.
وإليكم نبذة عن المقاتلة “F-35″، فهي:-
نفاثة ذات محرك واحد يحقق إقتصاداً بالنفقات وصرفيات الوقود، على عكس غالبية المقاتلات/هجوم أرضي الحديثة المزوّدة بمحرّكين.
يقودها طيار واحد عوضاً عن إثنَين لدى أغلب المقاتلات الأمريكية الشائعة منذ الخمسينيات.
تفوق سرعة الصوت بمقدار (1,6) ماخ، وقصواها تزيد قليلاً على (2000) كلم/ساعة.
مداها العملياتي يبلغ (1,092 كلم) -أي بين “بغداد- تل آبيب”- رواحاً وإياباً بكامل الحمولة من الأسلحة والوقود.
مجهّزة بمعدات إعادة التزوّد بالوقود جواً (إرضاع جوي) من طائرة صهريج لمضاعفة المدى أو ساعات التحليق.
تمتاز بقابلية إقلاع وهبوط عمودي ببقعة ذات مساحة محدودة وحتى بين الأحياء السكنية والمساكن أسوة بالهليكوبترات، وبإستطاعتها الإقلاع أو الهبوط على طريق مبلّط أو مدرج قصير للغاية لا يتجاوز طوله عشرات الأمتار.
تمتلك إمكانات العمل في جميع الأجواء الرديئة وساعات الظلام أسوة بالنهار ووسط الضباب الكثيف والغيوم.
يتحكّم الطيار بسرعتها الأدنى أو يحلّق بسرعة متدنية ولغاية الصفر عند الحاجة ويهبط في أيّ مكان عند الطوارئ، ما يُبعِده عن ضرورات الوصول إلى المطار.
ذات قدرات مثالية للعمل على حاملات الطائرات الكبيرة والصغيرة من دون إستخدام أجهزة الإطلاق والهبوط (المَناجيق).
تعتبر مثالية كذلك للخدمة على سفن الصولة البرمائية (حاملات الهليكوبترات) وحتى أسطح السفن الإعتيادية المتوسطة والصغيرة.
مجهّزة بأسلحة تحقق كل الأغراض القتالية، ممّا تجعلها مقاتلة تفوّق جوي إعتراضية وطائرة هجومية على أهداف أرضية وبحرية بذات الوقت.
مُثبّتٌ في أقصى مقدمتها رادار ذاتيّ يرتبط بمتحسّسات تُمَكِّن الطيار من رصد الأهداف وإستمكانها ومسكها بواقع (360) درجة ولجميع الإتجاهات.
مزوّدة بآلات في غاية الدقة للتصوير الجوي النهاري والليلي ومن إرتفاعات عالية، وبأرقى معدات للتشويش الألكتروني والتشويش المضاد والتشويش المقابل المضاد.
مجهّزة بأجهزة ملاحية متطوّرة تعتمد الحواسيب وتُسَهِّل قيادة الطائرة في جميع الإرتفاعات، وأُخرَيات لتوجيه أسلحتها الذكية وتسييرها ومتابعتها حتى إصابة الهدف.
يمكن ربطها بأقمار صناعية ومنظومات أرضية وطائرات الإنذار المبكّر (A.W.A.C.S) ولمديات غير محدودة.
حجمها وباعها وإرتفاعها مناسب يُسَهِّل إخفاءَها عن الأنظار وسط بقعة محدودة قطرها بضع عشرات من الأمتار.
لبهاظة تكاليفها، فقد إصطفّت منذ عام (1999) إلى -جانب الولايات المتحدة- للإفادة من خبراتها والمشاركة في صناعتها وتمويل إنتاجها، والتي قاربت (نصف ترليون دولار).. وهي “بريطانيا، إيطاليا، هولندا، تركيا، كندا، أوستراليا، دنمارك، نرويج”.
من يقتني الـ(F-35)؟؟
عزمت معظم قيادات القوات المسلّحة الأمريكية لوحدها على إقتناء ما مجموعه (2,443) مقاتلة من هذا الطراز لإستبدال مقاتلاتها القديمة في غضون ثلاثة عقود قادمات، ما يُعَدّ أضخم عقود تُبرَم في تأريخ الطيران الحربي برصيد مبدئي يقارب (330) مليار دولار، إذا ظلّ سعر الطائرة الواحدة (135) دولار على ما هو عليه بالوقت الراهن.
(F-35) لدى إسرائيل
رغم عدم مشاركة “إسرائيل” بتمويل مشروع الـ(F-35) ولو بدولار واحد، ولا في صناعتها، فلم يكن مُستغرَباً على الولايات المتحدة الأمريكية أن تهدي لـ”إسرائيل” (أربعة) من باكورة إنتاجها في أواسط عام (2016) وقبل أن تزوّدها لأية دولة حليفة مقابل (540) مليون دولار دفعته منظمات صهيونية نقداً، لتظلّ “إسرائيل” صاحبة القوة النوعية المتفوّقة والأكثر إقتداراً بالشرق الأوسط وعموم المنطقة، في حين تعهّدت “واشنطن” لإستكمال (48) مقاتلة متعاقَد عليها بحلول عام (2022).
وقد بلغ مجموع ما إستلمته “إسرائيل” (تسع) طائرات حتى أواخر عام (2018)، فسارعت لإستثمارها إبتغاء التَيَقّن من أدائها الميدانيّ وتشخيص عيوبها، وذلك بإختراق الأجواء السورية وقصف أهداف في أرضها، ولربما في “العراق” كذلك ولو من دون إعلان واضح، فيما أجرت -حسب إدعاءاتها الرسمية- إختراقاً عميقاً في أجواء “إيران” بإستطلاع تصويريّ وإلكترونيّ إشتمل مواقع محددة ومُحصّنة للغاية ومُدافَع عنها بإحكام، وذلك بعد إجتيازها الأجواء السورية والعراقية عنوة والعودة سالمة خلال ساعتين فحسب، دون أن يرصدها رادار أو تُقاطِعها طائرة أو يستهدفها سلاح أرضي!!!
أزاء من مانعت “إسرائيل”؟؟
ليست هذه المرة الأولى التي تمانع “إسرائيل” خطوة ذات أهمية ستراتيجية بالغة لصالح دولة عربية أو إسلامية، فالأمثلة المُعلّنة لا تُحصى، وسوف لن تكون الأخيرة، ما دامت “تل آبيب” تتحكّم بمعظم القرارات لدى “واشنطن، لندن، باريس، وموسكو” سويّة، ناهيك عن دول مِفصَليّة كبرى في عموم العالم…
فعلى سبيل المثال القريب للغاية، وفي عام (2017) تحديداً، عندما طرحت المملكة العربية السعودية مجرّد رغبتها بإقتناء الـ(F-35)‘ مقابل أثمان تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات، فقد سارع رئيس لجنة الأمن والدفاع لدى الكونغرس الأمريكي بتصريح مستغرَب، مفاده:-
((أن على المملكة السعودية أن لا تحلم مجرّد حلم يقظة أن تمتلكF-35 واحدة))!!!.
ورغم التحالف الوطيد التي تربط “واشنطن” مع “الرياض” وشبه إنعدام للعداء بين الأخيرة و”تل آبيب” منذ 1948 ولغاية يومنا الراهن، فقد لصمت تلك العبارة جميع أفواه سلطات “واشنطن”، ولم يجرؤ حتى الـ”بنتاغون” على مجرد إطلاق إيضاح يتيم.
وهناك حدثٌ ثانٍ تَمَثّل في حرمان “تركيا” من إقتناء الـ”F-35″ تحت ذريعة “واشنطن” شراءها منظومة “S-400” من روسيا الإتحادية، رغم كون “تركيا” عضواً في غاية الأهمية لدى حلف “N.A.T.O” وصاحبة ثاني أضخم قوات مسلّحة لديه، وذات علاقات دبلوماسية مع “تل آبيب” منذ عام 1949… وأكبر ظني أن “إسرائيل” واللوبي الصهيوني كانا وراء هذا الإجراء الأمريكي الجائر بحق “آنقرة”.
وجاء دور الإمارات!!
دولة الإمارات العربية -من حيث الأساس- هي العضو الثاني من حيث الأهمية في صفوف مجلس التعاون الخليجي الصديق والمُتحالِف الوطيد مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وعموم الغرب الآوروبّي، وتمتلك قوة جوية مقتدرة وممتازة بواقع المئات من الطائرات المتنوعة والحديثة للغاية، بعمودها الفقري من طٌرُز “ميراج-2000″ الفرنسية و”F-16” الأمريكية الأسرع من الصوت وهليكوبترات “آباتشي” الأمريكية، ناهيك عن طائرات النقل العملاقة والمتوسطة وسواهما وصهاريج إعادة التزوّد بالوقود جواً وطائرات الإنذار المبكّر والتدريب الأساسي والمتقدّم… لذا فلا تبدو “الإمارات” بحاجة إلى طائرات أكثر تطوّراً بالوقت الراهن، عدا كون الـ”F-35″ (الشبح) تُغري أية دولة وقوة جوية فتتمنّى إقتناءَها، لا سيّما إن توفّرت لديها أموال فائضة عن الحاجة.
ولكن ممانعة “إسرائيل” لم تكن مستغرَبة حيالها بل كانت مُتَوقّعة تماماً، رغم إصطفاف دولة الإمارات مؤخراً إلى صفوف الدول العربية الثلاث في تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”… فرؤى “إسرائيل” البعيدة حيال “أبو ظبي” لا تختلف -في هذا المضمار- عن نظرتها نحو المملكة السعودية، لأنها خطّطت منذ عام (1948)، وستظلّ تعمل على تنفيذ ستراتيجياتها الناجعة للغاية في عدم قبول الحرب في أرضها وأجوائها ومياهها، بل نقلها إلى أرض أعدائها وأجوائهم ومياههم بإستثمار قوات مسلّحة نوعيّة تتمتّع بتكنولوجيا ذات قدرات عالية وتفوّق جوي يكتسح الخصم ولا يُرَدّ، وهذا ما لا يمكن تحقيقه سوى بقوة جوية مقتدرة تتفوّق نوعياً بطائراتها الأحدث على ما يمتلكه أعداؤها.
فبَعيداً عن التطبيل والتزمير الإعلامي والإستخفاف الساذج الذي تعوّدنا عليه نحن ورَبَّينا أولادنا عليه، أقول:-
إن القوة الجوية الإسرائيلية كانت رأس الحربة في حروبها الثلاث المتعاقبات (سيناء 1956، حزيران 1967، تشرين 1973)، قد برهنت جدارتها بطائراتها الفرنسية والأمريكية الممتازة وتفوّقت على ما توفّرت بين أيدي العرب، وطوّرت ما لديها بإضطراد وإقتنت الأفضل ثم الأفضل للحفاظ على تفوّقها الجوي رغم الهدوء المشهود الذي ساد علاقاتها مع الجوار العربي بعد إجبارهم وفَرَض السلام عليهم بُعَيدَ حرب تشرين/1973.
أما الـ”F-35″ تحديداً فهي بمثابة طائرة أحلام وفّرت مواصفات مثالية وشبه خيالية في عالم الطيران، وبالأخص في إخفائها عن الرادار، والذي يجعلها تخترِق وتجوب وتستهدِف وتقصف وتدمّر عن بُعدٍ قبل أن تعود سالمة من دون أن تُقاطَع أو تُواجَه أو تُسقَط، وقد جَرّبَت ذلك في غضون ثلاث سنوات مُنصَرِمات بجدارة وإتقان، فتصاعدت ثقتها بهذه الطائرة غير المسبوقة في خصائصها وإمكاناتها.
لذلك يستحيل على “إسرائيل” أن تتقبّل مجرد إمتلاك أية دولة عربية أو إسلامية ولو طائرة “F-35” واحدة من هذا الطراز، ولو كانت تلك الدولة صديقة منذ (أربعة) عقود أو كانت جديدة، لأنها تحتسب لأسوأ الإحتمالات وتفترض أن تختلف معها يوماً ما، أو يتبوّأ عرشَها من لا يُؤتَمَن، أو يستخدم أجواء دولة قريبة على “فلسطين” المسلوبة فتبلغ أهدافاً في العمق من دون أن يرصدها رادار إسرائيلي، وتفلت عائدة بسلام.
هل تتراجع إسرائيل؟؟
ربما تتراجع بعض الشيء مستقبلاً، ليس بخصوص الـ”F-35″ بمفردها، بل حيال جميع طُرُز طائرات “الشبح” الأمريكية الأقدم (F-117، وf-22)، وذلك إنْ تحقق أحد الإحتمالات الآتية:-
حصول “إسرائيل” على، أو تطويرها لتكنولوجيا إستثنائية تُتيح للرادارات الإسرائيلية رصد ومسك ومعالجة طائرات الشبح المعادية بجميع أنواعها، بحيث تتحوّل “الشبح” إلى مجرد طائرة إعتيادية… وهذا الإحتمال وارد بأسبقية أولى.
وإبتغاءَ تحقيق أرباح بعشرات المليارات لصالح الشركة المُصَنِّعة “لوكهِيد مارتِن” -وجُلُّ رؤوس أموالِها وأرصدتِها وسَنَداتِها يهودية- من حيث الإتفاق معها سِراً على تجريد الـ”F-35″ المُباعة للإمارات وسواها من الدول العربية والإسلامية الراغبة بإقتنائها، من خاصيّة إخفائها رادارياً، وذلك بتحويرها إلى مقاتلة إعتيادية، من دون أن يقتدر المُعتَمِدون على غيرهم -في كل شيء- كشف هذه الحقيقة، لأن هؤلاء لا يهتمّون بالمَظاهر دون بواطنها… وهذا وارد كثيراً وبإمكان الولايات المتحدة وسواها من الدول الصناعية العملاقة إجراؤه بكل سهولة وتُعَبِّره على المشترين بيُسر.
إذا إنقضى زمن طويل على الـ”F-35″ وباتت عتيقة وبالية ومتراجعة، وإنبثق طراز يمتلك مواصفات تفُوقُها كثيراً وتطغى عليها وتستحصل عليه “إسرائيل”، عندئذٍ لا تمانع… ولكن هذا الإحتمال سوف لا يَتحقق إلاّ بعد إنقضاء (3) عقود ولربما (5) عقود على وقتنا الراهن.