22 ديسمبر، 2024 7:53 م

لماذا تنجح ايران ويفشل العرب …الحرب على اليمن ونتائجها

لماذا تنجح ايران ويفشل العرب …الحرب على اليمن ونتائجها

لطالما اتسمت الستراتيجية السعودية وحليفاتها بالسلبية والبطء في استيعاب التغيرات الجارية في المنطقة ، وبالتردد في اتخاذ القرارات الحاسمة ….وهذا أمر طبع السياسة الخارجية بالتراجع الستراتيجي طيلة العقد الماضي وسهّل على ايران أخذ زمام المبادرة التعرضية في توسعها في المنطقة حتى اصبحت تطوق السعودية ذاتها وتقلقل اوضاع حليفاتها الاصغر في اكثر من مكان .

واطالما تسائلنا كمراقبين عن السبب في ضعف الاداء الستراتيجي الخليجي بالرغم من امتلاك دوله كل مقومات القوة ( المال والجغرافيا وشبكة واسعة من العلاقات الدولية والتاييد والدعم من الغرب اضافة للقوة العسكرية الحديثة جدا خاصة الطيران ) ؟ ولماذا لا تستخدم مقومات القوة هذه لرسم سياسة اقليمية قوية وراسخة وواضحة لدعم الموقف العربي والحد من الانهيار الحاصل في الامن القومي ووقف او على الاقل احتواء التوسع الايراني الذي امتدت اذرعه بشكل شبكة من العراق الى سوريا ولبنان وغزة والبحرين وباتت تطرق ابواب السعودية الشرقية ناهيك عن محاصرتها للكويت ؟

فشل الستراتيجية الخليجية تجاه ايران

في رأينا ان من اهم اسباب الفشل في التحرك الستراتيجي الخليجي ماياتي :

1 . ضبابية او حتى غياب الرؤية الستراتيجية الصحيحة تجاه احداث المنطقة والاصرار على التعامل معها بسطحية ساذجة والاصرار على بعدها الظاهري ( المذهبي ) وجعل هذا العنصر هو المتحكم في كل الطروحات السياسية والاعلامية ، في حين أن هذا البعد على اهميته ماهو الا نتاج السياسات الخليجية الخاطئة .

وقد ساهم تضخيم العامل المذهبي والعزف عليه ، في تسهيل الامر على ايران التي استطاعت استغلال ذلك للفصل مابين الشيعة العرب ومحيطهم العربي وان تقدم نفسها كحامية لهم ….وصار هناك جيل جدي من العرب الشيعة ، وكرد فعل على هذه الطروحات التي تنال من اصلهم وعقيدتهم ،يبتعدون عن الشعور القومي وتقديم الشعور والانتماء المذهبي عليه وحتى على الانتماء الوطني .

2. استخدام مقاربات سياسية قصيرة النظر في التعامل مع الاحداث ، تحكمها ردود فعل ارتجالية وليس النظرة البعيدة للنتائج المتوقعة ، فاخطأت دول الخليج في التعامل مع الازمة السورية . فحاولت ركوب الموجة بعسكرة المعارضة بأمل الاسقاط السريع للنظام السوري وبالتالي قص الجناح الشمالي للعنقاء الايراني ، فاخطأت مرتين : اخطأت في تقدير قوة النظام الذي لم ينهار سريعا كما توقعت ، وتسبب دعمها في نشوء معارضة مسلحة متطرفة على حساب المعارضة السلمية وبالتالي نشوء تنظيمات النصرة وداعش ومشتقاتهما …التي اصبحت العدو الاول للغرب ولدول الخليج نفسها …

والخطأ الثاني هو اعتقاد دول الخليج ان ممارسة الضغط على النظام السوري سيؤدي الى فصم عرى علاقاته المتميزة مع ايران …فكان عزل سوريا عربيا ودوليا ان جعلها في حلف ستراتيجي عضوي مع ايران لا انفصام عنه ، وان تدخل في مواجهة مفتوحة مع انصار ايران في لبنان والعراق .

3. سياسة الاعتماد على المال السياسي والبعد المذهبي والاعتماد على المال السياسي لشراء مواقف السياسيين وشيوخ العشائر ورجال اثبتت هي الاخرى فشلها…فلم تذهب الاموال الى اللاعبين الاساسيين على الارض ، بل الى سياسيين فاشلين لا يمثلون الا انفسهم والمستفيدين منهم ، والى رجال دين استخدموا الاموال للمصلحة الذاتية وفتح فضائيت تؤجج للفتنة الطائفية والانقسام والكراهية ، والى متشددين اسلاميين لا يمكن التنبؤ بسلوكهم المستقبلي وانقلابهم على الراعي القديم وارد من نطلقات عقائدية ( كما في انقلاب القاعدة على الاميركان والسعوديين …رعاتها ومؤسسسيها ) .

4 . ضعف النخب الخليجية الحاكمة وانهماكها بصراعات بينية مع بعضها وضمن العائلة الحاكمة نفسها . وقد مرت السعودية مثلا بعقد من الجمود السياسي الخارجي بسبب تمركز السلطة بيد الملك المريض والكبير بالعمر الذي راح يكلف عدة جهات غير مختصة بعدد ن الملفات الخارجية المهمة ، ناهيك عن تحجر وزارة الخارجية ممثلة بسعود الفيصل المريض الذي مازال يحتل منصبه من حوالي 45 عاما ( عين الحسود فيها عود ) .

5 . افتقاد السعودية وحليفاتها الاصغر للارادة السياسية التعرضية والفعالة بالرغم من امتلاكها لمقومات القوة التي تكلمنا عنها …وكانت دائما تنتظر المبادرة من راعيها الاميركي الذي اصبح تحت ولاية اوباما يقارب الامور بشكل مختلف عن تمنيات دول الخليج …فالمنهج البراغماتي الاميركي يفضل التعاون مع خصم اقليمي قوي على التعاون مع حليف ضعيف ….

ان حياة البطر والرخاء التي تعيشها دول الخليج وعدم خوضها حروب وصراعات كبيرة ساهم في ترسيخ السلبية والتخوف من اي تحرك جدي خوفا من انعكاساته السلبية على الداخل ، والوقت الذي تردد فيه االخليجيون في اتخاذ قرارات صعبة كان كافيا لان تمد ايران اذرعها المتعددة في المنطقة وان يخسر العرب العراق ( ولا بد الاشارة ان ضعف نظر دول الخليج التي ساهمت في اضعاف العراق واحتلاله اميركيا قد اسقط في الواقع اخر عنصر توازن اقليمي مقتدر تجاه ايران ) وسوريا واليمن واضعاف مصر وليبيا وجعل دول الخليج في موقف دفاع بدل ان تكون في موقف تعرض .

عوامل نجاح التوسع الايراني والسكوت الاميركي عنه

على المكب الاخر نرى ايران ، وبالرغم من ان العقوبات الغربية اضعفت اقتصادها كثيرا ( خسر التومان الايراني 3 امثال قيمته في السنين الاخيرة ) والحظرالعسكري والتكنولوجي ، الا انها استطاعت ترصين وتعزيز موقفها الستراتيجي بثبات وبخطوات محسوبة….فاستفادت من الجمود الرسمي العربي وانغماس الدول العربية بمشاكلها الداخلية عقب ماعرف بـ ” الربيع ” ، فقوت نفوذها في سوريا ولبنان والعراق واليمن عبر اذرعها المحلية وباستخدام الورقة المذهبية التي استفادت من الاستخدام السلبي الخليجي لها …وبالتالي استطاعت ايران انتزاع شبه اعتراف دولي بدورها كقوة اقليمية عظمى ينبغي ان يحسب حسابها والتفاوض معها من هذا المنطلق….في حين لا يجد العالم طرفا عربيا موحدا وقويا يمكن ان يحسب حسابه في توازنات المنطقة ….

اسباب نجاح الستراتيجية الايرانية في تحقيق انجازات كبرى في فترة زمنية قليلة يعود الى :

1.وضوح الستراتيجية الايرانية وغاياتها، لذلك سارت بثبات في تحقيق الاهداف المرحلية المتكاملة بثبات .

2.نجاحها في استغلال الورقة المذهبية في حركتها الخارجية وباستغلال التهويل الخليجي الذي شابته سلبيات كثيرة (ومنها التشكيك بعروبة الشيعة العرب واتهامهم على سبيل المثال بالصفوية ) لتقدم ايران نفسها وبشكل اعلامي وعقائدي متقن على انها الممثل الشرعي للشيعة في العالم …وساهمت في انشاء وتدعيم جماعات محلية عربية قوية تقدم الولاء الطائفي على غيره من الانتماءات والولاءات .

3.وحدة القيادة الايرانية وايمان مختلف مستوياتها بالغاية العليا وتفانيهم على المستوى التنفيذي في تحقيق شروط نجاحها في الميادين التي يعملون عليها .

3.فتح الاحتلال الاميركي لايران مجالات ستراتيدية رحبة للعمل ….فقد غابت اكبر قوة عربية مشرقية عن الساحة كانت تشكل حاجزا تمنع ايران من تخطي حيزها الجغرافي نحو الغرب …واستطاعت زرع مواليها في كل مفاصل الدولة الجديدة ، فاصبحت الامر الناهي في شؤونه ، وبالتالي اصبح العراق ممرا لايران وقاعدة للانطلاق نحو الغرب ونحو الخليج . وعندما غرق الاميركيون في الوحل العراقي ، كان لابد لهم للتفاهم السري مع ايران لتامين خروج امن لهم من العراق ( تصوروا ماسيكون امر الاميركان لو افتت المرجعية الشيعيىة بالجهاد ضدهم مثلا …ولو استخدم الايرانيون الميليشيات التابعة لهم من اجل ذلك ….الخ ) .

وهكذا نرى سكوت اميركا عن التوسع الايراني المطرد في العراق والمنطقة …لانه يحقق لها مصالح ستراتيجية …او انها تغض الطرف عنه مقابل الحصول على خدمات او تنازلات ايرانية معينة محليا او اقليميا او بشان ملفها النووي . ولعل الحلف غير المعلن بين اميركا وايران وحزب الله ضد التنظيمات المتطرفة السنية هو مثل لهذا التعاون البراغماتي المستتر .

التحرك الخليجي الجديد وافاق نجاحه

وازاء التردد الخليجي الطويل باتخاذ اجراءات فاعلة لوقف التوسع الايراني ، لعلنا نتعجب من التحرك العسكري المفاجىء والكبير في اليمن ….والحقيقة لا يمكن تفسير هذه الخطوة الا بيأس القيادة السعودية من اي موقف اميركي جدي تجاه ايران ، وياتي ايضا استباقا لاي اتفاق نووي غربي ايراني ، وقبل ان يمد الحوثيون كامل سلطتهم على كل اليمن فيصبح الهلال الشيعي الذي حذر منه عبدالله الثاني الاردني عام 2004 قمرا مكتملا يلف الخليج …كما ان قيادة الملك سلمان وطاقمه الاكثر شبابا من طاقم الملك السابق قد يمثل تحولا جديدا في السترلااتيجية السعودية .

ان الهجوم الجوي لوحده غير قادر على وقف الحوثيين ، ولا بد من لتدخل البري لحسم الامر في النهاية ،اوهو امر ليس ضمن قدرة الخليجيين ( وكلنا نذكر خسائر السعوديين في المعارك البرية التي جرت مع الحوثيين الاشداء قبل سنوات على الحدود الشمالية لليمن ) ، لذلك يتم التعويل على تاييد دولي وعربي وجر مصر وغيرها الى هذا الخيار عند الحاجة ، واذا لم يتحقق ذلك فان دول الخليج مقبلة على تورط عسكري طويل الامد او انهاء حربها دون نتائج فعلية على الارض …فالحوثيون يشكلون 40 % من سكان اليمن ، وهناك كثير من القبائل والوحدات العسكرية متحالفة معهم ، وهم قوم اشداء ومحاربون كما ان تسويق الرئيس عبد ربه هادي ليس بالخيار الصحيح ، فهو كان صنيعة لعلي عبدااله صالح ، وليس له اية قاعدة شعبية حتى في جنوب اليمن موطنه الاصلي .

وان اقتصر الامر على الغارات الجوية والحصار البحري والجوي لليمن فاننا مقبلون على نكبة عربية جديدة تهدد شعب اليمن الذي يعاني اصلا من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة ….والتعويل على بروز معارضة قوية للحوثيين في الداخل يعني دخول البلد في حرب اهلية جديدة لا تبقي ولا تذر .

ان افترضنا نجاح الستراتيجية الخليجية بالرغم من شكوكنا الكبيرة ، فانها فستوقف التوسع الايراني مؤقتا في جنوب الجزيرة …وايران لا تستطيع ، لاسباب لوجستية ، من مد يد العون للحوثيين ، لذا ستحاول التعويض عن خسارتها في اليمن بتشديد قبضتها في العراق وسوريا ولبنان …

اهمية وجود ستراتيجية عربية موحدة

نقول ان نجاح اية ستراتيجية في تحجيم النفوذ الايراني ، وارغام ايران على التعامل مع دول المنطقة من منطق المساواة واحترام السيادة الوطنية للدول وليس من منطق التابع والمتبوع ( حسب تصريحات مستشار روحاني ) ، تستلزم رسم ستراتيجيةخليجية وعربية جديدة وواضحة تستخدم فيها مرتكزات القوة الحقيقة والابتعاد عن زج العد الطائفي والتشديد على البعد القومي والديني …فعدم التوازن في الموقف العربي الحالي سببه انتقال القيادة من المعسكر العربي التقليدي ( مصر والعراق وسوريا ) الى دول الخليج التي اصبحت مهيمنة على القرار العربي دون ان تكون مؤهلة لذلك لاكثر من سبب …وبالتالي فان الامور لا تستقيم الا بعودة الدور القائد للدول العربية الاساسية وباسناد خليجي .