والان يمكننا ان نتسائل . هل يصدق كل الناس الشائعة وهل يعمل اي فرد على ترديدها ونشرها ؟ الواقع ان الشائعات :-
فلو فرضنا ان موظفاً لا يحب مديرة المباشر لانه يعتقد انه يعامله بقسوة او انه غير عادل ، فان هذا الموظف لن يقوم بعمل مباشر ضد مديره ، ولن يتقدم لمهاجمته ولن يحاول ان يقول له رأيه فيه بصراحة . ولكن لو حدث ان سمع هذاالموظفٍ شائعة بأن المدير الذي يكرهه او يخشاه قد وبخ او عوقب من مسؤولة وان من المحتمل اعفاءه من مسئوليتة ، فأن غالبا ما يقوم بترديد هذه الشائعة دون ان يشعر بالذنب ، فهو يعتبر نفسه غير مسئول عن هذه القصة على اساس انها مجرد كلام يردده الاخرون . على انه من جهة اخرى فان انصاته لهذه الكلمات وفي نقله لها يحقق الرضا النفسي ، فهو يأمل ان تكون الاخبار حقيقة واقعة لانها تمس رغبة تكمن في داخله .
وشبيه بذلك يحدث في مختلف جوانب الحياة في اي مكان يلتقي فيه الناس لمجرد تبادل بعض الكلمات والاحاديث العابرة ، او لمناقشة بعض الامور التي تهمهم . فالعمال اوالجنود مثلا عندما يجتمعون في الاستراحة في فترة الظهيرة يتحدثون كثيرا عن مشكلاتهم او عن الاسلوب غير العادل الذي تسير به الاعمال ، والطوائف المختلفة عندما تجتمع في انديتهم تسري بينهم كثير من الشائعات عن امور تتعلق بمصالحهم ، او عن احداث جارية في المجتمع .
وتجب الاشارة هنا الى انه في بعض الاحوال تروج الشائعات وكأنها حقائق ، ولكن غالبا ما نجد البعض الذي ينشر الشائعة يرددها على انها شائعة فيقول مثلا ” الواقع انني لا اعتقد صحة هذه القصة ، ولكن هذا ما يتحدث عنه الناس في كل المدينة ” .ان مثل هذه الكلمات تعفي الرجل الذي ينقل الشائعة من الشعور بمسئوليته في هذ العمل ، كما ان ذلك يعطيه فرصة لتطوير الشائعة بان يزيد بعض التفاصيل التي تجعل قصته شيقة قابلة للتصديق .
وكلما :-
ومن ثم يمكن القول : ان الرأي العام هو الذي يخلق الشائعات ويبدعها . كما ان الشائعات القوية الجريئة التي تتماشى مع المخاوف والشكوك التي يشرك فيها كل شخص مع غيره من الناس هذا من ناحية ، اما من ناحية اخرى فان الشائعات قد تخلق الرأي العام ايضا وتوجده .
اذا فالشائعات وسيلة بدائية جدا لنشر القصص عن طريق انتقالها من فم الى فم ،
ولدى الدول المتحضرة وسائل لنشر معلومات افضل من وسيلة الشائعات . لديها الاذاعة ، والتليفزيون ، والصحف وغيرها ، وفي مثل هذه الاوقات العصيبة نجد وسيلتين للانباء تنافسان : – 1 – الاولى الصحافة والراديو ،
2 – والاخيرة الشائعات . على ان الشائعات تنتشر على نطاق اوسع في اثناء الحرب حينما تتطلب السرية في كثير من الموضوعات الهامة عدم نشر اخبار عنها . ولما كانت الصحف واجهزة الاعلام توضع تحت الرقابة وتقل المعلومات التي تنشر على الناس ، فان هؤلاء يحاولون ان يلتقطوا ما يريدون معرفته من الاخبار بأي وسيلة ، وعندما تصل الامور الى هذا الحد فان الشائعات تبرز كبديل لذلك .والواقع انه في مثل هذه الاوقات تبرز الشائعات وتنجح في كل مكان في صفوف القوات المسلحة وفي صفوف المدنيين والعسكريين على حد السواء ، والى اشاعة الفزع والهزيمة . هذه بعض العوامل – وليست كلها – التي تهيئ للشائعات ان تنتشر بين الناس ، وهذه العوامل لا يختص بها مجتمع معين ، وهي ليست بدعة في وقت الحرب ولكنها طبيعة عامة موجودة في كل امة في كل ركن من اركان العالم ، وفي كل حرب جرت من قبل .على ان الاهم من ذلك تلك الدوافع السيكولوجية التي تعمل على ترويج الشائعات . هذه الدوافع تلعب دورا كبيرا في ترويجها ، ومن ثم يحسن ان ننتقل لدراسة الدوافع السيكولوجية وراء الشائعات المختلفة .
ويجب ان نشير الى موضوع مهم الا وهو علم نفس الشائعات كي نفهم الشائعات بشكل علمي ودقيق حيث
ظهرت دراسة “علم نفس الشائعات”، خصوصاً في أثناء الحرب العالمية الثانية، بعدما لاحظ عالما النفس ألبورت وبوستمان أهمية الشائعة، والشائعة المضادة، في التأثير في معنويات الناس وأفكارهم واتجاهاتهم ومشاعرهم وسلوكهم. فلاحظا أن الشائعات تنتشر أكثر في وقت الأزمات والظروف الضاغطة، أو المثيرة للقلق، كالحوادث والحروب، والمصائب على مختلف أنواعها الاقتصاديّة والعائليّة والاجتماعيّة. ولاحظا أيضاً أنها تنتشر أكثر حين يكون هناك تعتيماً إعلامياً أو غموضاً.
إمكانيّة الشائعة = موضوع مهم (أو أشخاص مهمّون) X غموض حول الحدث (أو الموضوع أو الأشخاص).
أي قوة الشائعة = الاهمية X الغموض
Strength of Rumour = Importance x Mystery
لذلك تصبح الشائعة أكثر انتشاراً كلما كان الموضوع هاماً، من ناحية، وغامضاً من ناحية أخرى.. وعلى العكس لو فقد الموضوع أهميته، أو كانت المعلومات حوله واضحة ومحددة أدّى إلى فشل الشائعة.
ملاحظة :- تكمن أهمية الغموض من انها تحفز دافع الفضول مما يدفع المتلقي للبحث ونقل هذه الشائعة مما يزيد من قوتها . وللباحث رأي خاص حول هذه المعادلة .
هذه المعادلة مفيدة جداً لصانعي الشائعات والشائعات المضادة، ومفيدة لمواجهة أثر تلك الشائعات, ويعتمد عليها خبراء الشائعات في العالم. ومن الناحية النظرية كان من المتوقع أن تتراجع الشائعات مع هذا الانتشار الرهيب لوسائل الاتصال حيث لميبق هناك شيئا مخفياً, ولكن الواقع أن الشائعات تتزايد باستمرار, بل وتستفيد منوسائل الاتصال العادية والإلكترونية في مزيد من الانتشار.. ويبدو أن هذين التزايد والانتشار عائدان إلى أحد عاملين أو لكليهما:
الأول: زيادة ميل الناس إلى تزييف الحقائق أو إخفاء أجزاء منها مما يزيد منضبابية وغموض الأشياء رغم الإعلان عنها أو عن جزء منها, إضافة إلى ضعف المصداقية في التصريحات والأخبار المعلنة وتناقضها مع الواقع.
الثاني: رغبة الناس في معرفة المزيد وانفتاح شهيتهم لارتياد رؤى مجهولة أكثر فأكثر.. ونستطيع أن نمثل لذلك بتجربة بسيطة يمكننا أننجريها أو نتخيلها، وذلك بأن نقف في صحراء واسعة ومظلمة ليلاً، ونضئ مصباحا قوته 50 وات فنحصل على دائرة ضوء وليكن قطرها “س” متر، يحيط بها دائرة ظلام تتناسب مع هذا القطر, فإذا استخدمنا مصباحاً قوته100 وات حصلنا على دائرة ضوء أوسع تحيطها دائرة ظلام أوسع وهكذا, أي أنه كلما اتسعت دوائر المعرفة اتسعت معها دوائر المجهول, وإذا كانت المعلومات الواضحة الصادقة الشفافة تغلق الباب أمام الشائعات بخصوص موضوع معين إلاأنه يبقى موضوعات أخرى غامضة تستوفى حقها بالشائعات.
ويجب ايضا ان نعرج على شيء اخر مهم واساسي في الشائعات وهي التفسيرات النفسية للشائعة حيث ان هنالك عدة مدارس ونظريات منها :-
وكذلك للشائعات دوافع ومنها :-
ويجب الاشارة هنا الى شيء مهم جدا واساسي وحيوي الا وهي انتقائية الشائعة بما أن الشائعة :-
هام إذا طلبت من الأشخاص الإبلاغ عن الشائعات، فتأكد من قيامهم بذلك على انفراد لتجنب انتشار الشائعات بشكل أكبر. وينطبق الشيء نفسه على فضح شائعة. أثناء فضح ذلك، تجنب إعطائه الحياة من خلال تكراره. على سبيل المثال، إذا كانت الشائعة هي “لقد جلب الأشخاص امؤيكا او الصين فيروس كورونا إلى الدول لقتلنا”، فيجب أن يكون الرد معلومات تشرح أصول فيروس إيبولا ودور المنظمات في الدولة التي تحاربه.
ختاما
المعلومات الخاطئة Misinformation هي معلومات خاطئة أو غير دقيقة، وتنتشر عن طريق الخطأ. اي المعلومات الخاطئة هي معلومات غير صحيحة ينشرها أشخاص ليس للخداع. •
المعلومات المضللة Disinformationمتعمدة وتتضمن دعاية ومحتوى ضار، مثل الخدع والتصيد. اي المعلومات المضللة هي معلومات غير صحيحة يتم نشرها عمدًا للخداع أو التلاعب.
المعلومات الخاطئة والمعلومات المضللة هي عناصر من “الأخبار المزيفة”، التي يعرفها العلماء بأنها “معلومات ملفقة تحاكي محتوى وسائل الإعلام الإخبارية في الشكل ولكن ليس في العملية التنظيمية أو القصد. تذكر أن الفرق الرئيسي بين المعلومات الخاطئة والمعلومات المضللة هو أن الأولى تأتي عرضيًا بينما تأتي الثانية بنية سيئة، لكن كلاهما خطير. المعلومات الخاطئة غير دقيقة وقد ثبت أنها كذلك؛ وقد تم دحضه سابقًا. على النقيض من ذلك، الشائعات هي عبارة لا يتم التأكد من صحتها بسرعة أو على الإطلاق.
الشائعة هي معلومات لم يتم التحقق منها تنتقل من شخص إلى آخر. ولها دلالات سلبية، وغالبًا ما يتم رفضها باعتبارها كلامًا فارغًا أو ثرثرة. لكن الشائعات ليست جيدة ولا سيئة. يمكن أن تكون صحيحة أو خاطئة، أو صحيحة جزئيا. يواجه الأشخاص موضع الاهتمام أنواعًا مختلفة من المعلومات الخاطئة والمعلومات المضللة والشائعات، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو خارج الإنترنت. وهي تشمل المعلومات الرسمية غير الكافية أو المقدمة بشكل غير كاف، والمعلومات القديمة، والمعلومات المضللة عن طريق حراس البوابات والوسطاء الآخرين، والمعلومات التي تعطي أملا كاذبا، والمعلومات المشوهة والشائعات.علم العاملون في المجال الإنساني أنه من أجل تقديم حلول مناسبة ومستدامة، يجب علينا الاستماع إلى الأشخاص المتضررين، والاستجابة لما يقولونه لنا وإدراجهم في كل جزء من استجابتنا. لا يمكننا أن نستمع فقط عندما يخبروننا بأشياء نتفق معها. المعلومات نسبية. قد تبدو “شائعة” شخص ما بمثابة “حقيقة” لشخص آخر لشخص ثالث مضحك او تافه تمامًا. الأمر كله يتعلق بالمنظور، وسيتأثر ذلك بكمية المعلومات التي يمكنك الوصول إليها ومدى ثقتك بها. يمكن أن تكون الشائعات معلومات خاطئة أو معلومات مضللة اعتمادًا على القصد من وراءها: •
يمكن للشائعة التبديل بين هذه الفئات أثناء انتشارها عبر المجتمع. على سبيل المثال، يمكن لأحد المتاجرين بالبشر أن ينشر شائعة بين مراكز حماية المدنيين حول مدى سهولة الحياة في أوروبا بقصد الخداع (معلومات مضللة). يقوم PoC بعد ذلك بتمرير هذه الإشاعة إلى أصدقائه وعائلته، دون قصد الخداع (معلومات مضللة). وفي حين أن الدوافع قد تختلف، فإن التأثير هو نفسه – فالناس غير قادرين على اتخاذ خيارات مستنيرة بشأن مستقبلهم ويمكن أن تكون العواقب مدمرة. في السنوات الخمس الماضية، بدأت المزيد والمزيد من المنظمات في تنفيذ وإدارة ما يسمى “آليات تتبع الشائعات”. لا يمكن تجاهل الشائعات. إنها تهدد حياة الناس وتسبب المعاناة للأشخاص الذين نحاول مساعدتهم، مما يقوض مهمتنا الإنسانية.