18 ديسمبر، 2024 8:50 م

لماذا تكره الجيش ياعزيزي ؟!

لماذا تكره الجيش ياعزيزي ؟!

عندما دخل الجنرال ديغول باريس منتصرا بعد الحرب العالمية الثانية، كان من بين أوائل التوقعات أن يذهب الى قصر فرساي ليحيي الجماهير التي وقفت طوابير تهتف بأسمه، لكنه غير مسار طريقه ليتوقف امام تمثالين، الاول لكليمنصو الذي وقع وثيقة النصر في الحرب العالمية الاولى، والثاني لنابليون الذي جلس ساهما وهو يوقع على بنود هزيمته، وحين شاهد الحيرة على وجوه مرافقيه، بادرههم بالقول: “المستقبل للمنتصر، لكن علينا ان لاننسى دروس الهزيمة ” ، وكانت تلك بالنسبة لقادة الجيش مفاجأة، فهم كانوا يريدون ان يقولوا للجنرال إنهم خاضوا معارك التحرير من اجل نسيان الماضي، لكن الجنرال يدرك جيدا ان الحروب تخلق الأسى والوحشة في النفوس.
تكررت في الايام الاخيرة ظاهرة لا وجود لها الا في هذه البلاد المغرقة في الخطابات والشعارات، تتلخص في محاولة البعض ان يطمس دور الجيش في معركة تحرير تلعفر ، حتى وصل الامر بمسؤول في الدولة – نوري المالكي – الى السخرية من الذين يتحدثون عن اتفاق داعش مع حزب الله واتهام الراي العام العراقي بالعدائي والحاقد ، بل ذهب الامر بالرجل الذي يتولى منصب نائب رئيس الجمهورية وتحميه ثلاثة افواج رئاسية يبلغ عددها 750 ، يقبضون رواتبهم ومخصصاتهم من خزينة العراق ، الى السخرية من المواطن العراقي واتهامه بالغباء : ” ان تلعفر لم تحرر بقتال إنما باتفاق وهل يجوز الاتفاق هنا ولا يجوز هناك ان ما جرى هو انسياق خلف الخبث الخارجي والغباء الداخلي”. شكرا ياسيدي على هذه الكلمات ، فبعد اربعة عشر عاما من الخراب اكتشفت ” جنابك ” ان الداخل العراقي غبي ، وانا اؤيدك للمرة الاولى ، والا في اي بلاد يسرق فيها مئات المليارات وتسلم ربع اراضيها للعصابات الارهابية ويشرد خمسة ملايين مواطن في خيام الذل والعجر ، ولايخرج احدا شاهراً سيفه على المسؤول عن الخراب .
وأعتذر للبعض الذين لايكفّون عن الكتابة ضد الجيش العراقي بألفاظ بالغة القسوة والإساءة ، لكن الجيش وسط هذه المعمعة السياسية ياسادة ، هو أفضل ما نملك، وأيضا يجب أن يكون أعزّ ما نملك، وإذا اضطرنا أن ننتقده ، فنأمل من أصحاب التعليقات أن لاينسوا ضحايا هذا الجيش ، لأنهم أبناء هذا الشعب وليسوا ” بدون ” !
قبل اكثر من خمسة وأربعين عاما نفى ديغول نفسه الى قرية في الجنوب كي يكون بعيدا عن مجرى الاحداث هناك. يكتب في مقدمة مذكراته ” لاشيء اهم من بلاد مستقرة “. كان لا يملك اكثر من ان يمازح الفلاحين حول محاصيلهم، ويجلس ليسطر اهم ما خطه سياسي في التاريخ، مذكراته التي اسماها ” مذكرات الأمل “، يخبرنا كاتب سيرته بأن الجنرال ظل يضع على مكتبه صوره لرفاقه في حرب التحرير وحين يسأله ضيوفه، وماذا عن السياسيين، يبتسم قائلا: “أنا عسكري وعلمتني تجربتي الغنية في ميدان الحروب، أن الانتصار ليس أرقاماً بعدد القتلى،بل هو ذكريات عن الرجال الذين يتصدرون صورة النصر، ويصرون ان يجعلوا من هذه الصورة عنوانا لحياة جديدة “.
اليوم من حقنا إن ان نتصدى لكل من يسخر من هيبة الجيش الذي استعاد دوره المحوري في التصدى لعصابات داعش ، ونقف احتراماً وتقديراً لكل مقاتل قرر ان يتصدى لسرطان الارهاب ، في الوقت الذي علينا فيه ان نكشف زيف المسؤول الذي هرب من ساحة المعركة.