18 ديسمبر، 2024 8:11 م

لماذا تقدم الغرب و تاخر المسلمون ؟‎

لماذا تقدم الغرب و تاخر المسلمون ؟‎

تولد المجتمعات لتجد أنها مخلوقة ومعها هالة كبيرة من ديانات و طقوس وأعراف و تقاليد و ممارسات بيئية مختلفة باختلاف تلك البيئة , تأخذ بعض الممارسات المجتمعية حيزاً كبيراً في الوعي العام ليصدّق بها الاغلبية و يذعنوا لها إذعاناً صاغراً , ولا إشكال في ذلك , يقع الاشكال عندما تريد ان تُخضع مجتمعات اخرى الى ثقافة و وعي و منهج مختلف عمّا أنت عليه , و تطالبهم باللحاق بك ثم تقول لهم انك تمثل الله في الارض .لم تدرك معظم الاديان ان الله لا يريد ان يكون حزباً ولا يبغي إصطفافاً فيه تمايز بين الاجناس او الالوان .الله ايها السادة أنزل مفاهيماً راقية فيها خدمة الانسان و الحرص على النفس البشرية . لا إشكال في تطبيق تلك المفاهيم وان كنت يهودياً او مسلماً او مسيحياً او حتى غير منتمياً الى دين , المهم ان تكون إنساناً لا تطغي عليك النزعة الحيوانية ولا تتخيل انك الحق الذي يجب ان يسود الكون , أنت إنموذج لتفاعلات ثقافية لبيئة متشظية من هذا العالم الكبير . معظم المجتمعات محكومة بثقافتها المحلية فهي رهينة التلقين و الاكتساب الذي استنسخته من ذات البيئة , و العقل البشري مرهون للمعلومات الاولية التي اكتسبها بنشأته ومن خلال ثقافة مجتمعه. وفي هذا السياق عندما أنزل الله القران الكريم لم ينزله بثقافة تختلف عن الثقافة العربية ولا بلغة اليونان الفلسفية, إنما انزله بلغة عربية و بمفردات أميل الى لغة الصحراء منها الى لغة الحضر . وفي هذا الصدد يقول الدكتور عبدالكريم سروش يذكر القرآن نساء الجنة بأنهن حور أي سوداوات العيون ولسن زرقاوات العيون، وأنهن يسكنَّ في خيام: “حُورٌ مقصوراتٌ في الخيام” [سورة الرحمن 72]. ويوصي الناس إلى النظر إلى الإبل وخلقتها: “أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلِقَت” [سورة الغاشية 17]. ويعتمد القرآن التقويم القمري، ويتحدث عن إيلاف قريش ورحلاتها الصيفية والشتوية، ويحكي عن أبي لهب، ويذكر الدواب التي يعرفها العرب، كالخيل والإبل والحمير إلخ – كلها دلائل على أن اللون العربي والرائحة العربية والخُلُق والعنف والتقاليد والعادات والبيئة والمعيشة العربية أحاطت بالنواة المركزية للفكر الإسلامي.يستمر سروش في عرضه العلمي المنهجي الواقعي فيقول (لا جدال في أن الإسلام لو نزل في اليونان أو الهند أو بلاد الروم بدل الحجاز لكانت عَرَضيات الإسلام اليوناني والهندي، المتغلغلة إلى أعماق طبقات النواة المركزية، تختلف اختلافًا كبيرًا عن الإسلام العربي ولوفَّرت الفلسفةُ اليونانيةُ المتينة، على سبيل المثال، أدواتٍ لغويةً ومناهجية ومنظومةً مفرداتية خاصة لنبي الإسلام لتغيِّر معالم خطابه، كما أن الإسلام الإيراني والهندي والعربي والإندونيسي اليوم، بعد قرون من التحولات والتفاعلات، تمثل أنماطًا من الإسلام يختلف بعضها عن بعض بشهادة أدبياتها ونتاجاتها . ولا تقف التباينات عند تخوم اللغة والظواهر، بل تمتد إلى أعماق الوعي والثقافة الدينية )ثمة سؤالاً مهماً يخصنا نحن المسلمون , نستطيع ان نستنتجه من خلال الاسطر الماضية1- هل الدين الاسلامي جامد أم متحرك؟ 2- متفاعل أم ميت؟ أسئلة يجب ان يبحث بها المسلم بنفسه و لا يتركها لغيره , لكي يكتشف النتيجة بعقله الحي و ليس بعقل انسان اخر ربما تملي عليه أهواءه لكي يداهن و يدلس فتكون النتيجة عكسية تماماً .يزعم غالبية رجال الدين عندنا ان الاسلام لكل زمان و مكان و لطالما صدعوا الاذان بهذه المقولة الجوفاء , اذا كان فعلاً كما تدعون , لماذا الرجوع في كل فتاويكم و خطبكم و احاديثكم و حلالكم و حرامكم الى ما قبل التاريخ ؟ ما الذي يجعل القوانين غير الانسانية فاعلة الى يومنا هذا , كحد السيف و الرجم و الرمي من شاهق و قطع يد السارق و الحرق و الإغراق و غيرها ؟ أين التفاعل مع الزمان و المكان في هذه الحدود التي يجب ان يقام عليها الحد ؟ثمة سؤالاً اخراً مهماً طالما نسمعه من خلال صيحات بعض الناس .ما الذي اخر العقل الاسلامي ؟انه الجمود على ذات الخطاب الذي كان قبل أكثر من الف و أربعمائة سنة جعل منا أحياء لكن يجب ان تغادر عقولنا الى عالم الموت . الاسلام كان له بالامكان الانتشار افضل من الطريقة التي انتشر بها لو انه اتبع الاحياء و ليس الاموات و أنّى له اتباع الاحياء وقد ساد الاموات هرميته ! لو اتبع المسلمون ابن رشد مثلاً , بالتأكيد كان حالنا افضل بكثير الان .في مقدمة كتابه ( نحو تأريخ مقارن للأديان التوحيدية ) يقول الدكتور محمد اركون : مسكين ابن رشد ليس له حظ في عالمه العربي الاسلامي, الفقهاء المالكيون يدينونه في عصره و يبصقون على وجهه في المسجد الكبير أمام كل الناس عندما كان ذاهباً للصلاة مع ابنه , وفقهاء عصرنا يفعلون الشيء نفسه و تمتقع وجوههم ما ان تذكر اسمه في الوقت نفسه يتلقف الغربيون كلامه و مؤلفاته و يترجمونها و يبنون عليها نهضتهم . ثم يسألونك بعد كل ذلك , لماذا تاخر المسلمون و تقدم غيرهم ! .هناك خطبٌ كبيرٌ لحق بالمسلمين و أوقف مسيرتهم و جعل منهم إضحوكة لزمن تفترس فيه غلمان الغرب العلوم و التكنولوجيا , بينما هم يفترسون أحدهم الاخر حد الموت , الذي أخر المسلمين هم قيادات المسلمين او علماء دينهم بالتحديد كان لهم الدور الكبير في تشظي الامة لتصل الى هذا الحال الذي نحن عليه الان .الاعتقاد بان الخطاب الذي كان في عمق الجزيرة العربية يجب ان يستمر الى هذا العصر , خطاب ميت ويدل على ان المتصدين للدين غير مدركين لمعنى الرسالة السماوية . لم تأتي الاديان لكي ترغم الناس للولوج في ثقافة مغايرة او إعتقادات مختلفة الرسالة الربانية عموماً رسالة رحمة و محبة تطلب من الناس الالتقاء والمشاركة و ليس العكس . صحيح ان الذي لحق بهيكلية الاديان من تحريف و تزوير كبير لكن محورية الانسانية و التسامح يجب ان تبقى هي الرسالة الاصلية .ويجب ان يقتنع القائمون على الدين ان الاستماتة لبقاء نفس القوانين و ذات الخطاب سوف لن يجنوا منه الا تفسخاً للحالة الدينية و الاجتماعية معاً . عدم استخدام العقل يحيلك باللاشعور الى عدم المعرفة , ليست هذه قاعدة فلسفية لكنها واقعية تجريبية , فالتجربة تقول ان جميع المجتمعات تعتز بتراثها و تتسمك به الى حدٍ ما لكنها لا تنغلق عليه ولا تتوقف عنده بل تجاري الحديث و تتغير و تنشط لكي ترتقي , لأن المكتسب يكون في كثير من حالاته أنفع و أروع من الاصل , هكذا تطورت الامم بالبحث و التجربة و المغامرة في اكتشاف المجهول , المجتمعات الواعية لا تحرم الخوض بالتجارب الجديدة بل تشجع عليها و تحث الناس لها , لأنها تدرك ان رقي العقل البشري كفيل بكبر التجربة التي يخوضها الناس كما يقول جون لوك ( العقل لوح فارغ تأتي التجربة لتخط عليه المبادئ والمعاني ). وبما أن العقل لوح أردوازي فارغ وليس فيه أي أفكار ، فإن السؤال المهم من أين يكتسب العقل أفكاره؟ هو سؤال يقول عنه لوك: عن هذا أجيب بكلمة واحدة: (من التجربة) وبما ان اختلاف المجتمعات ثقافياً و مادياً و جغرافياً مرهون بالتجربة التي تحيط بالمجتمع أدى بها لكي تنصهر تلك المجتمعات مع مألوفاتها لتكوّن لها قالب من طابع حياتي خاص و معتقد تنظم به امورها .ليس هناك من مسوغ عقلي بأن الله يريد الناس ان تكون في شريعة واحدة (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ-;- وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) لكن هناك أكثر من مسوغ ان الله يريد من الناس الانضباط و التقدم و ليس الوقوف و الاجترار .