الجوع يمعود !, سواء كنت دكتاتورا ام ديمقراطورا, جيل الحصار الاقتصادي يفهمون ان مسبب الجوع صدام الحاكم الشبعان واميركا معا, فهم يعلمون انها كانت تستطيع ان تطيح به بأرسال جيمس بوند او حتى رامبو, هل كانت افلامهم تكذب علينا؟, اذن هذا شأنهم بأن افتعلوا لقوتهم مبالغة عقدنا عليها الامل بانهاء خدمات موظفهم طاغية العراق دون خسائر كارثية من الشعب المظلوم ما بين مطرقتهم وسندان الدكتاتور, ولما بدأ الجوع يهدد العراقي من جديد بعد 2003م فأن السبب هو الحاكم الشبعان الجديد واميركا ايضا, يعني النتيجة منطقية, ان تكون رغبة الشعب بالخلاص من الجوع متمثلة بالخلاص من مهما يكن حاكمه صديق اميركا سواء اكان دكتاتورا ام ديمقراطورا.
افهم رحمة لوالديك !, ان أسوأ ما قد يمر به العراقي هو الشعور بالجوع الذي ان تمخض عن شيء فسيكون نتيجة غير مرضية بالمرة على صعيد ادراكه لكون كل ما قد يمت بصلة للحياة اصبح سرابا للدرجة التي لا يقوى بها على ان يوفر وقود جسده بحيث تتركز هذه النقطة لتتوسع سوادا يعم كل ما قد يفكر به على مستوى تقدمه في الحياة وتطوره المصاحب المفترض لهذه الخطوات نحو يوم اخر من عمره, وليس اشد عليه من هذه المعاناة التي تأخذ اسبابها بالاضمحلال لتولد دوافع محفزة لوجود الشعور بالجوع على اساس كونه غير نابع من قيمة بحد ذاتها بل متجها لللاقيمة, لللاهدف, الا موتا بطيئا, ومع اقتراب المعاناة كمرحلة بدأت دون انذار لتواصل قضمها تلك البقايا من الشعور بالامان يفقد العراقي امانه على بقاءه حيا لولا ان الجوع يهدي طريقا لتلافيه وقد يبدوا دون عواقب وعقبات, وهنا يشمر الجوع عن ساعديه ليطعن بالمعدة ابتداء ثم الرأس الذي يتصدع من كثرة الطعنات وعبثيتها, حيث يأكل الجوع ما بقي من ارادة على السير بأي اتجاه دونما النظر الى اولوية غير الرغبة بالشبع, ان ما تراكمت عليه تواريخ البشر اللذين تمردوا على جوعهم لم تصل منها الا ثورة عليه بدأت بفرد او عديد من الافراد ثم اتجهت لتكون ثورة وقائد, حيث الجوع دافع والهدف هو الشبع الذي ستنتهي به هذه الثورة, ان ما يهمنا هنا ليس الجوع بالذات, بل ما يولده من فكر ثوري قد ينتهي بعاصفة تنتج عنها اضطرابات مجتمعية لا تحمد عقباها, وما يهمنا ايضا هو علاقة الجوع بالثورة والتغيير الاجتماعي, فكل شيء يقال ازاء الجوع في محاولة فهمه ليس بمقدار اهمية اثاره على الفرد والمجتمع, لأن الجوع حالة بيلوجية في بدايتها تتدافع ما بين جسد العراقي وعقله الذي سيبحث عن حل لها باعتبارها مشكلة وازمة البقاء على قيد الحياة, وهذه الرغبة بالعيش ليست اكثر من انذار يخاطب العراقي من داخله ليؤكد له ان فناءك اقترب, فليس هنالك اشد فعلا من ان يكون العراقي شامخا امام الشمس والجوع ظل الموت يلاحقه اينما ذهب, ان الشعور بالامان ليس مجرد تخدير لرغبة العراقي بالثورة انما هو مرحلة مؤقتة من الشبع يليها ولادة للقدرة على الثورة في وجه كل ما يمنع اتصال العراقي المستمر بالشعور بامانه من الجوع, فالجوع لا ينتظر من العراقي الا الثورة لكي يغادر شعوره, وما يعزز ويقرب من دوافع أي ثورة لانسان هو رؤيته ما قد يفعل الجوع به من خلال نظرة فاحصة على من جاعوا من حوله, وهنا يستمكن الجوع من الرغبة بالشبع ليتحول الى الرغبة بالحياة, وترتقي الرغبة بالحياة الى القدرة على البقاء حيا حينما يكون الشبع هو الضمان, فالجوع لا يتقبل الا الشبع, والشبع لا يأتي الا بالثورة ضد الجوع, بل ان محاولة الثورة بحد ذاتها كفيلة بأن تكون مشبعة, فهي تمطر الامل في عز الصحراء, لأن الجوع اشد واقوى من أي نوع من التخدير, فهو لا يتقبل ان ينزوي كشعور لحين انتهاء البحث عن جادة الشبع, بل يظل يضرب بالرأس والمعدة حينها يواجه العراقي اللامفر, واللا مخرج بشكل حرفي, حيث يثور اقل ما يثور على نفسه, فلن تسكن هذه الرغبة بالشبع لأي ترويض مهما حاولت المسلمات الواقعية ان تمهد لكي يصبح الجوع عادة, لأن الجوع ليس واقعا, انما هو فرض لواقع من قبل الشبعان, الذي يغفل كون الجوع حاجة بيلوجية تضرب كل خلية في جسد العراقي, حينما لا تنفع مبررات أي مبررات ليصمت رنين جرس انذار الموت, وتنفجر الثورة لطلب الحياة.