23 ديسمبر، 2024 9:49 ص

لماذا تختلف رواتب المتقاعدين دون علمهم كل شهرين ؟!

لماذا تختلف رواتب المتقاعدين دون علمهم كل شهرين ؟!

يعد قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 (المعدل ) النافذة التشريعية التي تنظم شؤون الموظفين المحالين إلى التقاعد قبل صدوره والموظفين الذين تتم إحالتهم إلى التقاعد بعد نفاذه ، والمشكلة في هذا القانون الذي يفترض أن يرعى شؤون المتقاعدين انه خضع للتسييس منذ لحظة صدوره ، فقد عد نافذا اعتبارا من 1 / 1 / 2014 على الرغم من عدم صدور التعليمات التي تسهل تنفيذ إحكامه لذا فقد احتسبت الرواتب التقاعدية للمشمولين به على عجالة مفرطة وقد أحس بعض المتقاعدين بفرق الرواتب التقاعدية ، ولم يكن الأمر يخلو من القصد إذ تم تزامنا مع الانتخابات النيابية التي تمت في نيسان 2014 أي بعد أشهر أو أسابيع قليلة على استلام الرواتب التقاعدية المرتفعة ، وبسبب ذلك فقد أهملت جوانب مهمة من القانون ومنها صرف الرواتب التقاعدية على أساس الراتب الأخير للموظف رغم إن النص القانوني يتضمن أن يتم تحديد الراتب التقاعدي على معدل الرواتب لل36 اشهرالاخيرة التي تسبق إحالة الموظف إلى التقاعد ، كما تم تطبيق جوانب واستحقاقات مالية أخرى استنادا إلى نصوص القانون مما استوجب استقطاع مبالغ من الرواتب التقاعدية بعد صدور التعليمات على قاعدة كل ما صرف على باطل فهو باطل ويتطلب إعادة الفروقات أصوليا دفعة واحدة أو بإقساط لصالح جهة الصرف .
وحسب تقديرات يتم تداولها فان العدد الحالي للمتقاعدين المدنيين و العسكريين بحدود ( 2 ) مليوني متقاعد ، وهذا العدد ليس في حالة ثبات لان عدد المتقاعدين يخضع للزيادة والنقصان ، فهو يزيد عند إحالة الموظفين إلى التقاعد ويقل بوفاة المتقاعدين أو زوال أسباب منح الحقوق التقاعدية ، فقوانين التقاعد التي صدرت في العراق ومنها القانون رقم 9 لسنة 2014 ( النافذ حاليا ) تسير على قاعدة عدم توريث الرواتب التقاعدية وعدم جواز التنازل عن الحقوق التقاعدي أو تحييرها للغير حتى وان كان الغير مؤسسة رسمية أو إنسانية أو اجتماعية أو دينية ، لذلك حصرت قوانين التقاعد العراقية صرف الرواتب التقاعدية للمتقاعد إذا كان على قيد الحياة أو لوكيله على أن يقدم شهادة الحياة للمتقاعد للتأكد انه حي فعلا ولم يموت ، ولخلفه عند الوفاة والخلف هم الزوجة والأبناء والآباء والأمهات والإخوة والأخوات ولكن بشروط أبرزها العمر والحالة الصحية والاجتماعية والمادية ، فالزواج والتعيين تسقط الحقوق التقاعدية للخلف من الإناث ، وحين تنتقل الحقوق التقاعدية للخلف فإنها تكون بنسب محددة ويتم قطع الرواتب التقاعدية عند فقدان بعض الشروط ، ومنها بلوغ سن معين أو التعيين أو إكمال الدراسة أو الوفاة للذكور وغيرها من التفاصيل التي تمنع توريث التقاعد للخلف بأنواعهم بأي شكل من الأشكال ،
ورغم اعتقاد البعض بان قوانين التقاعد وجدت لإنصاف الموظفين ورعايتهم بعد الإحالة إلى التقاعد بتأمين متطلبات حياة تناسب ما قدموه للوظيفة العامة من تفاني وتضحيات ، إلا إن هناك يجدون إن هذه مجرد ادعاءات ولم تحققها قوانين التقاعد قط حيث إن ما يقدم للمتقاعد هي رواتب تقاعدية من دون رعاية اجتماعية أو صحية أو نفسية أو غيرها ، واغلب الرواتب التقاعدية غير عادلة لأنها تمنح 400 ألف دينار شهريا لموظفين اتصفت أعمالهم بالقسوة وأدت إلى تراجع الحالة الصحية لبعض المتقاعدين في حين يتم منح رواتب تقاعدية بالملايين شهريا لموظفين لم يمضوا سوى سنوات قليلة في الخدمة الوظيفية تخللتها حالة من الرفاهية والتمتع بمختلف الامتيازات ، ومما يوجه من انتقادات إنها توزع مرة كل شهرين وليس كحال الوظيفة براتب شهري ويعزون أسباب ذلك إلى عدم توفر البني التحتية في المصارف لتوزيع الرواتب شهريا ، كما يعاب على جهة التقاعد كونها لا تتمتع بأية شفافية في احتساب وصرف الرواتب التقاعدية لان الاتصال بها يأتي من خلال المراجعة الشخصية وليس عبر بوابات الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي ، وهذه الحالة تنشأ بيروقراطية مفرطة تضيع فيها حقوق مستحقة للعديد من المتقاعدين الذين يعزفون عن المراجعة لدوائر التقاعد لما تسود فيها من حالات الازدحام وعدم التفاعل الايجابي وبعض حالات الفساد ، وقد لا نصدق إذا قال لنا بعض الموظفين إنهم يبقون في الوظيفة لغاية بلوغ السن القانوني ( 63 ) عاما تجنبا لمراجعة دوائر التقاعد لترويج معاملات الإحالة إلى التقاعد بسن مبكرة ، ولهذا فان البعض يلجا للدلالين لانجاز معاملاتهم بيسر .
وحسب ما يتداوله الكثير من المتقاعدين ، فان دفعاتهم التي يستلمونها مرة كل شهرين تعاني من مجموعة صعوبات وتعقيدات وتذبذب في مواعيد الصرف ومبالغ الاستحقاق بعد أن تم إدخال الاستقطاعات على رواتب المتقاعدين ، والعرف القائم في كل مكان هو عدم جواز الاستقطاع من الرواتب التقاعدية وتقليلها بل يجب العمل على زيادتها بما يتماشى مع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار ، فاقل عمر للمتقاعد هو 50 عاما وهناك نسبة كبيرة أعمارهم تجاوزت ال70 سنة بمعنى أنهم غير قادرين على العمل لتعويض الاستقطاع من رواتبهم إذ إنهم بالكاد رتبوا أمورهم الحياتية على هذه الرواتب ، ولا نعلم أي ضمير أنساني يستقطع من راتب المتقاعد الذي يبلغ 400 ألف دينار كل شهر وهذا المبلغ غير كافي لدفع إيجار ابسط وحدة سكنية في بغداد ؟ ، والمشكلة إن الاستقطاعات التي تسمى خطئا باستقطاعات ( الحشد الشعبي ) غير ثابتة فهي تتغير كل شهرين ، والمصرف الذي يقوم بصرف الراتب يدعي بأنه لا تتوافر لديه معلومات عن أسباب ومقدار الاستقطاعات إذ انه يقوم بالصرف على وفق القوائم الواردة من التقاعد ، وهذه المصارف تنصح المتقاعدين بمراجعة هيئة التقاعد الوطنية التي لا يقوى على بلوغها شاب عمره 20 عاما فكيف هو الحال من أخذت منه السنين قواه البدنية وغيرها ، أما مكاتب ( الكي كارد ) فقد تحول بعضها إلى أماكن لابتزاز المتقاعدين من خلال تقاضي عمولات أكثر من الحدود المقررة ودفع الرواتب بفئات على مزاجهم وبعضها تالفة ولا تصلح للتداول ، ولا يختلف الأمر عن صرف الرواتب التقاعدية في مكاتب الصرف داخل فروع المصارف إذ يستغل الازدحام للابتزاز .
ولا تنتهي معاناة المتقاعدين عند هذه الحدود فالشكاوى بخصوص ضيق بناية هيئة التقاعد الوطنية ليست وليدة اليوم وإنما من عدة سنوات ، ولا نعلم لماذا لم يتم إشغال بناية ( الشواكة )وعدم ولوج مواقع أخرى مثل إدارة المراتب ونادي القادة في الوزيرية والقصور الرئاسية في الاعظمية وحيفا والمكتب المهني في المنصور ودوائر التجنيد في عموم بغداد ، وضيق البناية يزيد الأمر صعوبة مع المركزية المستخدمة في التقاعد رغم إن هناك مقترحات طرحت لإنشاء أقسام للتقاعد في الوزارات بما يسمح بانجاز سريع ومريح للمعاملات وحصر بعض الواجبات بهيئة التقاعد كالتدقيق وصندوق التقاعد ، ولو تم الأخذ بمقترحات العمل اللامركزي على مستوى الوزارات أو الموقع الجغرافي لما تأخر صرف الرواتب إلى ما بعد 4 أشهر للإحالة على التقاعد وتأخر صرف مكافأة نهاية الخدمة لأشهر طويلة بانتظار التخصيصات حسب ما يدعون ، ولا نعلم لماذا تتم الاستعانة بشركة واحدة لصرف الرواتب بموجب البطاقة ( الذكية ) رغم إن عدد المتقاعدين يسمح بدخول عدة شركات ، كما لا نعلم لماذا يتم التعويل على بصمة الأصابع ولا يتم استخدام بصمة العين مثلا سيما وان هناك أعداد كبيرة لا تظهر لها بصمة الأصابع لأسباب معروفة للجميع ، كما لا نعلم سبب الإصرار على جعل الرواتب كل شهرين وليس شهريا وتقسيم المستحقين في الأشهر الفردية للعسكريين والأشهر الزوجية للمدنيين والاعتماد على مصرفي الرشيد والرافدين من دون كل المصارف الحكومية والأهلية العاملة في العراق ، ومصرفي الرافدين والرشيد المحتكرين لهذا ( الاختراع ) يهددان بإيقاف الرواتب عند تأخر تحويل مبالغ التقاعد بمواعيدها .
إن رحلة المصاعب مع موضوع التقاعد لا يمكن حلها بيوم وليلة كما يقولون ، ولكن الأمر المؤكد إنها يجب أن تحل من خلال دراسة الاختناقات وسبل معالجتها ويستوجب ذلك الابتعاد عن سياسات الإدمان على الوضع الحالي الذي تقع فيه هيئة مهمة وسط أسواق بدائية لبيع الخضار والأسماك في منطقة الشواكة ، فالبناية الحالية مهما أجريت فيها من استحداثات وتطويرات ستبقى عاجزة عن إحداث التغيير المطلوب ، لان المعالجات لا تقتصر في الأبنية وإنما في التغييرات الهيكلية وإدخال التقنيات الحديثة في تطبيق الحكومة الالكترونية الذي طرحته أمانة مجلس الوزراء كمشروع طموح قبل سنتين ، وتستلزم عمليات النهوض بواقع انجاز معاملات المتقاعدين بأوقات قياسية وبكرامة مغادرة الأساليب القديمة وإتباع اجراءات تعتمد على الأتمتة واستخدام الحاسوب ووسائل التواصل الاجتماعي لتجنب مراجعات المتقاعدين كلما أمكن ذلك نظرا لأوضاعهم البدنية والمادية ، مع وجوب عدم السماح لبعض الموظفين بالاجتهاد تحت عنوان حماية المال العام ، فالمتقاعدين ليسوا سراق لكي تطبق عليهم وسائل للحماية منهم ، ومن الأمور الملحة جدا التي تتطلب التطبيق بأقرب وقت هي وقف الاستقطاعات من رواتب المتقاعدين إلا بقرارات قضائية ، فضلا عن العمل على إيقاف الاستقطاعات من المتقاعدين الذين تقل رواتبهم عن مليون دينار شهريا لأسباب تتعلق بمعيشتهم وكرامتهم الإنسانية ، مع وجوب إعادة النظر في آليات صرف الرواتب التقاعدية كتحويلها إلى سلف أو مدخرات والتفكير بشراء الرواتب التقاعدية أو غيرها من الأساليب ، التي من شأنها منح الفرصة للمتقاعد في الاستفادة من رواتبه للترويح وتعويض ما فات وتوجيه الرواتب التقاعدية نحو الادخار كلما أمكن ذلك ، والعمل على كل ما يفيد المتقاعدين وغوائلهم من المستحقين والخلف بموجب القوانين ذات العلاقة بالموضوع ، ويبقى الموضوع بحاجة إلى إجابات للحؤول دون تباين الرواتب التقاعدية كل شهرين فالمفترض أن تبقى الرواتب ثابتة دون تغيير مادامت تتمتع بنوع من الثبات ، لان المتقاعد ليس له علاوة أو ترفيع ومن الواجب حماية الرواتب من الاستقطاع ، كما يجب التذكير بان الرواتب التقاعدية ليست منة أو صدقة وإنما هي من استقطاعات الرواتب أثناء الخدمة بنسبة 25% ، منها 10% يدفعها الموظف شهريا أي إنها مدخرات .