ان فلسفة تأسيس الحوزة العلمية التي ارسى قواعدها الامام جعفر الصادق وولده من باقي الائمة عليهم الصلاة السلام لكي تكون الممثل الشرعي لقيادة الناس في زمن الغيبة مهما تعاقب وتسلط الحكام عليهم ، ولادامة مبدأ الحق والعدالة الاجتماعية والسلم الاهلي الذي حاول هؤلاء الحكام تشتيتيه والانقلاب على كل المعتقدات والثقافة الاسلامية التي انقذها الامام الحسين عليه الصلاة والسلام وضحى واعطى دمه وولده من اهل بيته واصحابه قربا لها .
وعلى مدى اكثر من 1100 عاما بقيت هذه المؤسسة المقدسة صامدة امام الطغاة والمقيمة لكل الانحرافات التي ارتكبوها الحكام وزبانيتهم ، الذين حاولوا السيطرة عليها بكل ما يملكون من قوة ومال لكنهم فشلوا فشلا ذريعا وبقيت هذه المؤسسة نبراسا لكل المستضعفين ومصدر قوتهم .
ان خصوصية هذه المؤسسة الكبيرة تحمل الكثير من الامور التي انفردت بها هي دون غيرها ، منها اختيار مرجع الدين فضلا عن زعيم الحوزة العلمية للطائفة الشيعية في العالم .
ان مرجع الدين الذي تشترطه الحوزة لا يمكن ان يكون الا ان توفرت فيه شروطا صعبة قاسية منها العدالة والعلم والقيادة والنزاهة المنقطعة النظير المنسجمة مع عدالة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه الصلاة والسلام ، هذا الرجل الذي وضع الجمرة في يد اخيه لانه طلب من بيت المال شيئا له .
ان الحوزة العلمية في النجف الاشرف لم تكن موضع استهداف من قبل الحكام فحسب بل موضع استهداف لدول شيعية اخرى حاولت الاستحواث على هذا الارث بنقل هذه المؤسسة الى خارج النجف وبالتحديد في قم المقدسة ، لكن هذه المحاولات ايضا بائت بالفشل رغم ان جمهورية ايران الاسلامية أسست المدارس الحوزوية الضخمة وخرجت الكثير من مراجع الدين ، الا ان حوزة النجف بقت هي هي المرجع الوحيد للطائفة على مر تاريخها المقدس .
لكن لا اريد من القارئ الكريم ان يصل بهذا التقديس الى ما لا نهاية ويعتقد ان الحوزة العلمية هي قطعة من قطع الجنة ، لان الحقيقة المؤلمة التي يعرفها القليلون ويجهلها الكثيرون ان هذه المؤسسة لا تخلو من المندسين والشرهين واصحاب المصالح الشخصية ، وهؤلاء موجودون في داخلها منذ تأسيسها ، انما من حافظ عليها هم اهلها ورجالاتها الحقيقيون المخلصون واوصلوها الى حقبتنا التاريخية هذه .
وحوزة النجف اليوم لا تختلف عن حالها فيما مضى فهي ايضا فيها الشرهين الذين عبر عنهم السيد الشهيد محمد صادق الصدر بالساكتين الغير متفاعلين مع آلام الامة واحداثها ، وفيها ايضا الابطال الحقيقيون المدافعون عن وجودها والحريصون عن رعاية المجتمع .
هذه المعركة تاريخية وازلية وموجودة في يومنا هذا في عراق ما بعد الاحتلال الامريكي ، اذ لم نرى اي تفاعل من قبل قيادة الحوزة العلمية التي اغلقت على (السيد علي السيستاني والسيد الحكيم وبشير الباكستاني ومحمد اسحاق الفياض) والذين يملكون المال والنفوذ فيها ، وحددوا وجودهم بادارة اموال هذه المؤسسة ، اما غير ذلك من ما يجري في البلاد فهم بعيدون كل البعد عنها بالمرة ، فلم يكن لهم اي موقف حازم مع مشاكل البلد او السرقات الفضيعة التي تجري فيه .
وهذا الامر هو سبب تعمد السياسيين بتقديس هؤلاء المراجع ، وذلك لانهم يعرفون جيدا بانهم (حبابين) لا يؤذون ولا يتخذون اي موقف سلبي من سراق ومدمري البلد ، حيث وصل الامر بان يطلق السياسيون على هؤلاء المراجع لقب (صمام الامان) ، واذا كان العراق هذا حاله بوجود صمام الامان ، اذن فكيف يكون حاله بعدم وجوده ؟
يبدو ان تقديس السياسيون لهم كان يرافقه صفقات تجارية بين الحكومة وبين هؤلاء المراجع ، اخرها الصفقة التاريخية او ما استطيع تسميتها (التكريم) لهم بمنح الشيخ محمد اسحاق الفياض 45 دونما في حامية النجف ، وبشير الباكستاني 30 دونما من بحر النجف ، والسيد السيستاني 5 الاف دونما ايضا في بحر النجف .
اما السيد محمد سعيد الحكيم فقد اشترى من الدولة قصر محمد حمزة الزبيدي الواقع في ساحة الصدرين بـ 10 ملايين دينار فقط .
هذه هي المرجعية التي اعترضت على تظاهرات الشعب العراقي المطالب بحقوقه في 25 شباط 2010 ، وهي نفسها التي لم تعترض على الغاء تقاعد اصحاب الدرجات الخاصة ، ولم تتفاعل مع الامر بالمغروف والنهي عن المنكر. بل بالعكس يبدوا انها ترسخه للقضاء على الارث التاريخي لحوزة النجف .
واريد ان اسأل هذه التصرفات هل هي حلال ام حرام يا حوزة النجف ؟