18 ديسمبر، 2024 10:57 م

لماذا تحاول الصين رأب الصدع الايراني السعودي، وهل تنجح على المستوى العربي؟

لماذا تحاول الصين رأب الصدع الايراني السعودي، وهل تنجح على المستوى العربي؟

تتجه إيران اليوم إلى الإنفتاح على دول الجوار والعرب يتسابقون للتقرب إليها وإنشاء علاقات معها بما فيهم دول الخليج، ومن غير المعقول أن يتجه الجميع لتطوير علاقاتهم بطهران وأن تبقى السعودية بعيدة عنها، ومن هنا تكلل التقارب الإيراني السعودي برعاية من الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهذا التقارب عّبر عن نفسه بشكل عملي من خلال اصدار بيان ثلاثي سعودي إيراني صيني مشترك، يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران.

 

الاتفاق الذي خلص بعودة العلاقات الإيرانية السعودية يثبت بوضوح أن يد طهران دائماً مبسوطة لمصافحة من يرغب بالسلام، وهي السياسة الخارجية التي تتبناها ايران اتجاه دول الاقليم، والتي تهدف لبناء علاقة تقوم على السيادة وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ومن هنا شكل البيان الثلاثي المشترك من قبل الرياض وطهران وبكين منعطفاً في غاية الأهمية لخدمة سلام المنطقة أولاً، وللخليج بشكل خاص، وللسلام في العالم في إطاره الأشمل.

 

بالمقابل، إن رعاية الصين لعودة العلاقات السعودية الايرانية انجاز كبير في تخفيف التوترات في الشرق العربي، لذلك تعتبر الصين على وجه التحديد هي المستفيد الأول من هذا التحول العالمي في ظل انخراط روسيا في الأزمة الأوكرانية، حيث تتبنى الصين استراتيجية الصعود السلمي في ترتيب المنافسة في النظام الإقليمي والدولي، وبالتالي الوساطة الصينية بين كل من السعودية وإيران، والنجاح في عودة العلاقات بعد عقود من الحروب بالوكالة هي تأكيد لموقعومكانة الصين في النظام العالمي الجديد.

ومن منطلق لا خصومة دائمة في عالم السياسة فأنه خلال الأشهر القليلة الماضية تصالحت السعودية مع قطر وتركيا وهناك مؤشرات حقيقية ومباحثات لإنهاء الحرب باليمن والتوصل لاتفاق سياسي بين الاطراف اليمنية بدعم سعودي، وإنهاء الأزمة في سورية، وهو ما يؤكد أن لدى السعودية رغبة كبيرة بالتحول لدولة اقتصادية كبرى مستقرة أو ما اطلق عليها ولي العهد السعودي “أوروبا الجديدة” يكون مركزها الرياض، والتحول من دولة تتزعم مذهب ديني منافس في المنطقة لدولة اقتصادية تنافس المراكز الاقتصادية الدولية والعالمية.

في السياق نفسه، تعتبر  إيران من المستفيدين أيضاً من هذا التقارب في ضوء الضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرض لها النظام الإيراني، فعودة العلاقات السعودية الإيرانية ضربة قوية لإسرائيل وحلفاؤها التي تسعى دائماً على مواجهة إيران وبناء تكتل إقليمي دولي في لمحاربة ايران وحلفاؤها في المنطقة.

هذا يعني أن السعودية تسعى إلى إعادة رسم سياساتها الخارجية في المنطقة بعد فشلها في أكثر من مكان، لا سيما في سورية والعراق ولبنان، وهي تعلم أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا عبر البوابة الإيرانية، وبالتالي أن ما حصل يعتبر تغيراً جذرياً في السياسة الخارجية السعودية، بعد أن كانت ترفض بشكل مطلق فكرة الحوار مع الجانب الإيراني، لكنها باتت بحاجة إلى ذلك في هذه المرحلة، لا سيما أنها تواجه الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية، ويعتبر أنها لو لم تقدم على هذه الخطوة كانت على الأرجح ستجد نفسها في عزلة كبيرة.

إن كل هذه المعطيات تشير الى أن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة، فيما يخص المسائل والقضايا الشائكة والمعقدة بين البلدين والمنطقة بأشملها، كما أن الفترة المقبلة ستوضح مدى فاعلية هذه التحركات، وتأثيرها على هذا الإنفراج المرتقب، والتي ستشهد فيها المنطقة إنفراجات متعدّدة في بعض الملفات الاقليمية والدولية.

وأخيراً يمكن القول أن عودة العلاقات الإيرانية السعودية إلى مسارها الطبيعي، وإعادة بناء العقد التحالفي الإيراني السعودي هو الذي يستطيع الآن أن يقيم توازناً جديداً في المنطقة وأن يحدث تغييراً مهماً في معادلة إدارة الصراعات، كما سيكون له تأثيراته على التطورات الإقليمية والدولية، كونهما تملكان القدرة على إعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة في ظل التحديات الجيوسياسية والاقتصادية الحالية، وبالتالي أرى إنه آن الأوان لنتعاون مع باقي قوى التوازن بالعالم لإنقاذ سورية من الدمار والخراب، وتجاوز أزمتنا والمضي بوطننا نحو الأفضل مع العمل مع جميع الدول لإزالة كل مسبّبات التوتر والاحتقان وتحقيق الاستقرار لهذه المنطقة الحيوية من العالم.

[email protected]