23 ديسمبر، 2024 1:47 م

في كانون الثاني الماضي وبينما كنت مع مجموعة من الأصدقاء من مختلف الجنسيات ممن يسكنون باريس في حلقة خاصة بالتكلم باللغة الفرنسية سألتني صديقة فرنسية من أصل برتغالي أين قضيت عطلة نهاية الأسبوع حيث كانت تريد دفعي للتحدث بالفرنسية بدلا من الانكليزية التي تلازمني دائما في حديثي مع الأصدقاء من غير العرب, المهم أجبتها بأنني شاركت في التظاهرة ضد الإرهاب الذي ضرب صحيفة شارلي أيبدو وأودى بحياة أكثر من أثني عشر صحفيا ورسام كاريكاتير وإداريا في المجلة إضافة إلى آخرين قتلوا بسبب وجودهم بالصدفة في المكان غير المناسب وفي التوقيت غير المناسب, أجبتها بالفرنسية , لكنني فوجئت برد عنيف من أحد الأصدقاء وهو من أصل جزائري وكان يجلس بجانبي وسألني ((هل صحيح ما تقول؟)) فأجبته نعم وما المشكلة , فالإرهاب دمر وطني وقتل أعزاء لي وهجر الملايين من أبناء شعبي قبل أن يعتدي على شارلي أيبدو, فقال لا , هناك فارق كبير, الفرنسيون يستحقون ذلك, فقلت له وما سبب استحقاقهم لهذا العقاب القاسي؟ فرد بلهجة حادة, لقد احتلونا لمئة وثلاثين عاما وهاهم اليوم يدفعون ثمن احتلالهم , وما قام به الشهيدين كواشي هو انتقام لشهداء الجزائر على حد قوله؟؟؟, الغريب في الأمر أن صاحبي هذا و الإخوة كواشي وهما من نفذ عملية الاعتداء الإرهابي على شارلي ايبدو ولدا في فرنسا وعاشا فيها واحتضنت فرنسا أبويهما الذين هاجرا الى فرنسا بحثا عن الحياة الكريمة ومنحتهم كل الحقوق التي يتمتع بها الفرنسي ويعيش في فرنسا, فهناك أكثر من خمسة ملايين عربي ومسلم معظمهم جزائريون غير الإخوة كواشي وصديقي هذا وجميعهم يتمتعون بامتيازات المواطن الفرنسي الأصيل ومع كل ذلك فالحقد الأعمى لا يفارق معظمهم ضد فرنسا؟ فقلت له أسألك سؤال وأجبني عليه بصراحة, لماذا تأوي أسبانيا ملايين العرب المسلمين في أراضيها من مغاربة وليبين ومصريين وغيرهم وتستقبل يوميا ألاف المهاجرين العرب غير الشرعيين عبر أراضيها وتفتح مطاراتها وأبوابها لآلاف السائحين من العرب والمسلمين رغم أن العرب احتلوا اسبانيا لثمانية قرون, احتلال باسم الفتح الإسلامي لكنه في الباطن لأجل الموارد والنساء, لقد نهبت خيراتهم و سبيت نساء الأندلس ووزعت كجزء من الغنائم على الجنود الفاتحين؟ أما كان الأجدر أن ينتقم الأسبان من كل عربي ومسلم على كل ما حصل في بلادهم؟ سكت صديقي ولم يستطع الإجابة, الحقد الأعمى والتفسير غير المنطقي للتاريخ ألجم صاحبي ومنعه من الرد, فالتاريخ صفحات مطوية على الإنسان الذي يريد إعادة

فتحها التعلم من الأخطاء التي مرت بالبشرية عبر احداثها لتفاديها لا ليعيدها بشكل انتقامي, الفرنسيون شعب مسالم يحب الحياة , شعب منفتح على الجميع, غير عنصري كالألماني وغير معتد بنفسه كالانكليزي وغير شرس كالتركي, الشعب الفرنسي شعب ذواق يحب الفن ويحافظ على التراث والتاريخ ويحترم الرموز عبر التاريخ, حتى تلك التي سببت له الويلات, فتجد شارعا باسم سفاح الثورة الفرنسية روبسبير وتجد شارعا آخر بأسم فكتور هوجو, أعظم روائي أنجبته فرنسا وتجد بناءا عظيما يضم رفات نابليون وتجد قصورا شاخصة لملوك فرنسا الذين أذاقوا الفرنسيين ويلات الجوع والمرض والموت وهكذا… حتى العرب والمسلمين من مفكرين وفنانين وكتاب وثائرين كان لهم نصيبا في هذا التقديس والتخليد, فتجد مكتبة في قلب العاصمة الفرنسية باريس وفي أقدم وأروع حي وهو الحي اللاتيني باسم المفكر والكاتب الجزائري محمد أركون وهو جزائري عربي مسلم وقبله أطلق اسم شيخ المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي عبد القادر الجزائري وشاعر المقاومة الفلسطينية محمود درويش على ساحات في قلب العاصمة وحتى الشاب البسيط المغمور محمد البوعزيزي الذي اعتبرته فرنسا رمزا للثورة بحرق نفسه اعتراضا على سياسات بن علي في تونس قد حضي بالتخليد بوضع اسمه على احد شوارع باريس ؟؟ فلا يخلو شارع او جادة او ممر صغير أو ساحة أو بناية من أسم لشخصية كان لها دور في تاريخ فرنسا وباريس بالذات بغض النظر عن عرقه وجنسيته وقوميته وأصله وفصله, فهل تستحق فرنسا وباريس والشعب الفرنسي هذه الأفعال الشنيعة؟؟ لقد استهدفت باريس بشكل خاص وفرنسا بشكل عام لأكثر من مرة على مدى الأعوام الماضية, من محمد مراح إلى الإخوة كواشي إلى هجمات الثالث عشر من نوفمبر وجميع منفذيها هم من العرب والمسلمين, طبعا لا أعني التعميم أبدا بأن كل المسلمين قتله أو إرهابيين, ولكني عنيت المتطرفين منهم و شيوخ الشر وغاسلي أدمغة الشباب المدعومين من بعض الصغار من دول البترول في الخليج, مئات الجوامع يبث أأمتها السموم كل جمعة وكل مساء في أجساد الشباب, أباء وأمهات عرب يزرعون الحقد في نفوس أبناءهم ضد الفرنسيين, خلقوا أجيالا عمياء لا تميز بين النور والظلمة , دفعتها شيوخ التطرف والإرهاب لتحديد مصير شعب قدم لهم ما لم يقدمه العربي لهم من ضيافة وكرم وحسن استقبال وتعامل إنساني , تعامل يفتقر له المسلمون انسفهم في مكة ومدن المقدسات الأخرى؟ مئات الآلاف من العرب ما زالوا يعيشون من خير فرنسا ويحملون قلوبا سوداء وحقدا دفينا ضد كل ما هو فرنسي, وهذا هو الجواب الوافي لسؤال قد يطرحه البعض, لماذا باريس بالذات؟