أثارت نسخة المصحف الفريدة التي أهداها الرئيس الروسي بوتين الى السيد الخامنئي تحليلات وتكهنات كثيرة بحثاً عن مغزاها.
نسخة المصحف المهداة هي الاقدم في روسيا بل هي من أقدم نسخ القرآن الموجودة في العالم فهي مكتوبة على جلد غزال ما يعني انها كتبت قبل حلول القرن الرابع وهو القرن الذي شهد دخول الورق بلاد المسلمين كما انها مكتوبة بخط كوفي قديم خالٍ من النقط والتشكيل (الحركات) الامر الذي يؤكد ان النسخة تنتمي للقرن الثاني وربما الاول…
اذن فالنسخة لا تقدر بثمن لان وجودها يشكل دليلاً قاطعاً على صيانة كتاب الله من التحريف رغم تقادم الايام والسنين.
لكن الاهمية لا تكمن في نفاسة هذه الهدية فحسب بل في دلالتها.
فالعالم المصاب اليوم بالاسلامفوبيا يتطلع حوله بحثا عمن يمثل الجانب الانساني لهذا الدين الذي طالما ظلمه شرذمة من اتباعه صوروا للناس ان الاسلام دين ذبح وقتل وتمثيل وسبي واغتصاب نساء. وراحوا يرتكبون كل جريمة باسم الاسلام وتحت رايته بعد شرعنتها بنصوص دينية يحوطها نقاش كثير وجدل…
لكن الآخر (الغربي بمعناه الاعم) بدأ مؤخراً يميز بين مدارس الاسلام المختلفة حتى صار يعرف أن ثمة مدرستان لفهم الاسلام تختلف إحداهما عن الاخرى بتراثها النصوصي وبتركيبتها المرجعية وبتفسيرها للقرآن كل ذلك فضلا عن اختلافٍ ملحوظ في توصيف كل منها للعقيدة الدينية..
الامر الذي انعكس على تعامل اجهزة الامن الغربية مع الجاليات المسلمة في بلدانها او الوافدين اليها من دول الشرق المسلم فصار السؤال عن المذهب هناك أمراً روتينياً في الآونة الاخيرة في التحري عن نوايا الفرد وتوجهاته وبالتالي امكانية تقبّله واحتضانه…
فالعالم كله لاحظ فرقاً واضحاً بين مذهبين (مدرستين) أحدهما منتج للتكفير والكراهية والتطرف وجرائم الابادة فيما يشيع من خطاب المذهب الثاني الاعتدال والتسامح والإنسانية ونبذ التطرف ما دعا أجهزة الأمن الاميركية لرفع برنامج المراقبة عن مساجد المسلمين الشيعة في عموم الولايات الامريكية…
وفي هذا السياق وتتويجاً له تأتي هدية السيد بوتين للسيد الخامنئي ليوحي للعالم احترامه لهذا الكتاب العظيم واعترافه بجدارة الشيعة بتمثيل الاسلام لا نهم الاجدر بوراثة هذا الكتاب (بحسب إيحاء بوتين) الذي أمسى أشد حاجة الى تصحيح التفسير الديني الذي تشيعه جماعة تدعي تمثيلها للإسلام عندما تقرر ان آية واحدة يسمونها آية السيف ناسخة لمائة وأربعين آية في القرآن تدعو للسلم والمحبة والإخاء والحوار بالتي هي احسن وتنبذ بدء أحد بقتال.
لذا تجدني استنتج ان هذه النسخة لم تكن من تلك الهدايا التي يجود بها القادة لبعضهم البعض انما هي بوادر ولادة موقف إزاء الاسلام ومن يمثله في عالم يعيش مخاضه منذ حين .
رسالة واضحة ذو مغزيان الاول أن الاسلاموفوبيا يجب أن لا ينسحب على كل من كان مسلما بل هناك ما نعرفهم وهم الشيعة والثانية رسالة الى الدول المناصرة لداعش والتي في الوقت عينه تدعي أنها في الخندق الاخر من المعادلة المناهضة لتلك القوات الغازية (داعش) وهم البعيدين كل البعد عن تلك التي تقترفه الايدي المنتمية للإسلام الاخر والمنادية بالذبح والسبي والتهجير واللهاث وراء الغنائم الحربية .
[email protected]