علي أمير المؤمنين “عليه السلام ” عضد رسول الله ” صلى الله عليه وآله ” ووصيه وحجته وأمينه على الخلق من بعده، وأول خلفائه الإلهيين الاثني عشر بعده، وهو حامل لواء الإسلام والدين كله للعالم.
عند دراسة حركة أمير المؤمنين “عليه السلام ” السياسية والدينية، بعد رجوع الامة اليه وتوليه الحكم والسلطة التي سلبها المخالفون، بعد ان عجز المجتمع وفشل حكامه في حل ازماته، ( خلافة أمير المؤمنين إلهية وهو الأول بأمر الله تعالى، وخلافة الانقلابيون سلطوية لا تشريع الإلهي ) ، نجد أن حركته الإسلامية بدأت من العراق، حتى أنه “عليه السلام” نقل مركز قيادة الدولة الإسلامية وادارتها إلى الكوفة مركز العراق، حيث موضع الصدام الحضاري الفارسي والرومي، وهو خلاف عمل السلاطين الهالكين الذين كانوا يدعون أمرة المسلمين وفتوحاتها وهم قابعين بمكة والمدينة.
إن من النتائج التي دفعت أمير المؤمنين ” عليه السلام ” في الانتقال إلى العراق، هي أسباب وشروط نجاح قيام الثورة الاصلاحية والدولة العادلة، ومن اهمها الثروة البشرية القابلة للمشروع والباعثة له والتي يعتمد عليها بالتبليغ والارشاد، حيث أن المدينة المنورة برسول الله ” صلى الله عليه واله ” أضحت مظلمة من بعده على أهل بيته، بيد أن السلاطين الذي خطفوا إمرة المسلمين اعتبروها ملوكية، بعد شهادة رسول “صلى الله عليه وآله ” قلبوا المدينة ومكة إلى حواضر أعرابية، توفر الحماية للسلطان مستبعدين جيل الإسلام الاول، قال تعالى (الأعراب أشد كفراً )، والأعراب : هي جماعات من البدو التحقت بالإسلام بعد شهادة النبي ” صلى الله عليه وآله “، واحاطت بمكة والمدينة وقد رضعوا الإسلام من انصار الحزب الحاكم، وكان اعتقاد الأعراب في الإسلام كمعتقدهم في القبيلة والعشيرة، فالدين بتصورهم ليس إلاهي ولا منزل، بل هو سلطة وحكم كحال شيخ او زعيم القبيلة والعشيرة، وهو يعني الجاه والمال والمحسوبية وسيادة الجزيرة والانتصار في الغزوات، وهذه الأسباب هي التي دفعت الانقلابيون على سلطة رسول الله احتضانهم فهم يشتركون بنفس الشيء.
بنفس سياق ما تقدم أعلاه استمرت ثقافة مكة والمدينة بالتجهيل، وعلى مدار ٢٩ عاماً، منذ شهادة النبي “صلى الله عليه وآله ” (١١ هجرية _ ٤٠ هجرية) حيث هلاك اخر سلطان جائر على أهل بيت النبي “عليهم السلام “، فقد أصبحت مكة والمدينة بيئة طاردة للإسلام المحمدي الاصيل وليس حاضنة له، وعلى العكس من ذلك هناك حاضرة قابلة للدين أكثر تطوراً حضارياً وفكرياً، ظهرت نتيجة ولادتها من ارحام أعاظم الحضارات عز ورفعة في الأرض من بابلية وسومرية واشورية ولا تنافسها غير الفارسية والرومانية والمصرية على الأرض, خلاف القبائل المتنافسة على الغزوات، فهي كانت منطلقا لأعظم الرسالات والديانات السماوية القديمة.
إن القابلية والسعة للمجتمع العراقي هي التي أتت بأمير المؤمنين عليه السلام للعراق، وقد ساعدته هذه الحضارة بالتصدي بقيادتة “عليه السلام ” لأشرس الغزوات الفكرية والثقافية الخارجية والداخلية من فتن المارقين والقاسطين والخارجين ، وكان وجود هذه التيارات الفكرية يرهق أمير المؤمنين, وليس الغزوات التي تهدف لتوسع السلطة والمال على حساب الدين (الفتوحات الإسلامية )، وقد واصل الإمام الحسن “عليه السلام” مسيرة والده في العراق، وكانت علل قدوم الإمام الحسين “عليه السلام ” للعراق هي ذات الاسباب, التي صنعها وهيأها والده علياً واخوه الحسن “عليهما السلام “، حيث ان أم سلمة ” رضوان الله تعالى عليها” سألت الإمام الحسين عليه السلام حين خرج يوم ٢٨ من رجب من ارض الحجاز: ( إلى أين يا نور عيني، يجيبها الإمام إني ذاهب إلى محل شيعتي في العراق).
يشار أن الإمام المهدي المنتظر “عليه السلام” عند ظهوره بعد الاذان بالصيحة الجبرائيلية في المدينة المنورة، لا يذهب مباشرة إلى مكة المكرمة لإعلان القيام حيث يقول لأصحابه (أن أهل مكة لا يريدونا )، حتى أن حكام الحجاز يبعثون بجيش السفياني نحو المدينة لقتل الإمام عند سماعهم بظهوره فيها، وهذا دليل ان مكة والمدينة او ارض الحجاز بيئة طاردة للإسلام، لذلك يتوجه الإمام بعد اعلان القيام في ١٠ محرم نحو العراق حيث الكوفة، متخذ اياها عاصمة ومنطلق لتحرير العالم.
أن التيار الأموي و الوهابي برعاية قوى الاستكبار العالمي المتمثلة بامريكا واسرائيل واخواتهما، تعمل جاهدة على محو حضارة العراق وتاريخه ليس لغير الاسباب التي وردت أعلاه، حيث أن تاريخ البلاد العلوية مليئة بالأمل و الثورات المناهضة للظلم ,والتي نبتت فيها شجر الروافض منذ ان دخلها ريح علي “عليه السلام”، يقول ” نوستراداموس في تنبؤات اخر الزمان ” (نحن غير قادرين على تغيير القدر[يقصد بالقدر الإمام المهدي ] لكن قادرين على بث اليأس لكي تقل مخاطره )، اي انهم يدمرون قواعد المهدي المنتظر عليه السلام ببث اليأس فيه ليتأخر ظهوره وليس منعه فهو من المحتوم.
اعرف مكانتك الكبيرة أيها الموالي برعاية الله وأوليائه، ترى نفسك لا شيء تجاه وحوش الارض وعسلانها المتصارعة وهي تحسب لك الف حساب, يخشاك العدو ولا يٌنام عن وضع الخطط والمشاريع لتدميرك منذ 1400 عام، قال الإمام الصادق عليه السلام ” ان كنتم تنامون فإنه لا يُنام عنكم ” اي ان العدو لا يلبث ساعة عنكم في غرس المصائد والمكائد لإسقاطكم.