لم تجد العديد من المواقع ووسائل الاعلام الخليجية – وخاصة الموازية منها- اي غضاضة في اعادة النشر المكثف لتقرير مجهول النسب والكاتب “قواعد أمريكية جديدة في العراق لاستعمار بلاد المسلمين وضرب مشروع الخلافة”, ولا جديد في هذا, ولكن هذه المواقع نفسها كانت بحاجة لاستحضار الخزين الاكبر من انعدام الحياء وهي تؤطر النص بصور احدى القواعد العسكرية الامريكية المنتشرة كالدغل على ارض ومياه وسماء دول مجلس التعاون الخليجي.وقد يكون هذا الفعل نموذجا جيدا للواقع الاعلامي والسياسي العربي الذي لا يشترط -بغالبه- العناية بمثل هذه التفاصيل اثناء تناول اي موضوع يخص العراق والعراقيين, فالامر لا يحتاج عادة الا حشو النص ببعض العبارات الطائفية والدس المستتر -بل والمعلن غالبا- للعبارات المهينة المسيئة لكرامة ووحدة الشعب العراقي, ليجد اي نص او مقال طريقه الى النشر واعادة النشر بالحاح ودأب حد الانتفاخ .. فالاهم اولا واخيرا هو انه لا احد يحاسب ولا احد يهتم بما يقال -حتى ان كان تدليسا بواح- اذا كان الامر يتعلق بالعراق..
كثير من النصوص -بل والموقف الاعلامي والسياسي للعديد من دول الاقليم- تتحدث بروتينية -وفجاجة -عن انتشار مزعوم للقواعد الامريكية في العراق وما يمثله ذلك من “استعمار بلاد المسلمين” واعادة تدوير للاحتلال, مما يؤدي الى “تمَكَّن الكفار من حكم المسلمين مباشرة”, في اندساس وتعامي ساذج عن التزاحم الفظ للقواعد العسكرية مسبقة الدفع على ارض المسلمين “الاقحاح” دون العناية حتى بتبرير ذلك التواجد ولا مناقشة التناقض ما بين ذلك التوسع المفرط في نشر القواعد الاجنبية في “بلاد المسلمين” وضخامة فاتورة المشتريات العسكرية ..
نقرأ للدكتور هيثم مزاحم في معرض تناوله للقواعد العسكرية الأميركية في العالم, ان دول الخليج العربي تستضيف الاف الجنود وترسانة ضخمة يورد تفاصيلها واماكن انتشارها في جميع دول مجلس التعاون, ناهيك عن “تنويع” قائمة الدول التي تتواجد جيوشها على ارض ومياه الخليج حد ان تكون لتركيا قاعدة عسكرية في قطر, دون ان يؤثر ذلك الى رتابة الحديث عن “الاحتلال”الامريكي لارض الرافدين.
والمستغرب هنا ان يجد مثل هذا القيء الاعلامي المزمن اذانا صاغية لدى صانع القرار السياسي العراقي الذي يبدو انه يتأثر بشدة بهذه الافكار حد بناء سياساته بصورة مفرطة على قاعدة استرضاء الدول الوالغة بدم وكرامة ومقدرات العراقيين, ويتجلى ذلك بوضوح من خلال العناية المفرطة بتنكب كل المسارات التي لا تجد لها هوى في نفوس دول الغبن الجغرافي حتى تلك التي لها تأثير مباشر على امن وسلامة البلاد والعباد, ونجد غالبا شيء من الحرص على تسليك مواقف تلك الدول -بالصمت والتغافل والتهاون- حتى ما كان منها يتعارض مع مصالح العراق العليا.. بل ان بعض مواقف الحكومة العراقية تسهل على بعض دول الجوار ابتزاز قوى التحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش والتكسب السياسي في مفاصل تكون عادة على حساب الجانب العراقي.
فالتهديدات التركية المتكررة بمنع الطيران الدولي من استخدام قاعدة انجيرليك الا تحت قائمة من المطالب التي تصل حد وضع الاشتراطات على مستقبل العراق ووحدة اراضيه ومستقبل عمليته السياسية, تثير السؤال عن الداعي لكل هذه الكلفة السياسية الباهظة مع امكانية -وقد لا يعجب هذا القول الكثير- استخدام القواعد العسكرية العراقية -كقاعدة بلد او علي بن ابي طالب مثلا- لانطلاق هجمات الطيران الدولي لضرب اوكار وتجمعات داعش وما يمثله ذلك من تطوير للجانب الامني والسياسي خاصة مع وجود اتفاقيات ثنائية تنظم مثل هذه العلاقات..بل ما الحاجة الى اشراك دول الجوار في قرارات الحرب والسلم العراقية مع رمزية -ان لم تكن سلبية – جهودها في دحر التنظيم.ولماذا نبقى تحت ابتزاز مصطلح الاحتلال في علاقاتنا مع دول الغرب حتى بعد الانسحاب الامريكي من العراق.ان الحكومة العراقية مطالبة بتوضيح موقفها من الولايات المتحدة والتحالف الدولي وعدم التصرف حسب اشتراطات او متبنيات -او مخاوف- دول الجوار التي اثبتت التجارب المرة ان مطامحها تتعارض بصورة كاملة مع امال وتطلعات العراقيين, فهناك الكثير من النفاق في ان نمد يدنا الى التحالف من جهة ومن جهة اخرى نبني سياساتنا على ايقاع التقاطع والتشكيك والتخوين وضبط التصريحات والبيانات على قاعدة ارضاء دول الجوار..مع علمنا بانهم لن يرضوا عنا ولو ولج الجمل في سم الخياط.
ليست دعوة الى فتح البلاد امام التواجد الاجنبي بل للتفكر في امكانية تصحيح سياسات لم تؤت اكلها ولم تقوى على ردم فجوات ما زال الاخرون يعملون على تعميقها وادامتها, خاصة وان نتائج هذه السياسات لا تقاس بالمكاسب والخسائر السياسية انما تحسب بالدم والدموع والكرامة الوطنية المراقة.