23 ديسمبر، 2024 12:14 ص

 قبل 2003 لم نكن نعرف الصفات الأخلاقية لقادة مكونات العملية السياسية  إلا بعد الاحتلال وتربعهم على المناصب الحكومية  ،وتبين من خلال الوقائع اليومية وطيلة اكثر من 12 سنة ،ان هناك قاسم مشترك يجمعهم ألا وهو ” الكذب والفتنة والابتزاز” .

والكذاب أيّاً كانت درجته من الكذب على شعبه، ثم يكذب ويكذب؛ حتـى ليصـدّق هـو كـذبه، ويجزم أنه صـادق رغـم نَـتـْن كذبـه، حتى ليشك مستمعـه في كذبـه ،وهذه طامّة ، إذ يصدّق الكذاب نفسه ، ويحيطها بسلسلة نارية وأخرى بشرية ممن تسعى لاهثة نحو مصالحها فحسب.  تبرّر له كذبه وأفعاله النكراء المبنيّةَ على الحيلة والكذب، فيكون الكذب على الشعب العراقي كذباً مركباً معقداً.وهذه طامة كبرى، حين يشك كثير من الناس في كذبه، فيستحيل شـك بعضهـم يقينـا بصدقه !،قد يبرَّر لإنسان ما من عامّة الناس دأب الماكر على تضليلهم وتجهيلهم، وعمل فيهم فأس التبعية العمياء. يبرر تعصبه الأعمى. لكن، ما يذهلك ويثير استغرابك أن تجد مثقفاً، وربما حمل من الدرجات العلمية أعلاها. . قد أوقف دقات قلبه عن أن تنبض إلا بحياة صاحبه “المسؤول” وحياته معاً. . وأوقف خلايا عقله عن أن تدور إلا حول مجالهما معاً، وهو الكذب.  حتى ارتبط هو بصاحبه ارتباط صورة بحقيقتها، فأصبح صورة منه في معناه ومبناه وفعله.وهذه الصورة تنطيق تماما على معظم مسؤولي العراق .

لم يعد الكذب عند “المسؤول” حالةً، بل ظاهرةٌ، تتجلى أكثر حين يتعلق الأمر بكرسي الحكم ، الذي خُطّ من حوله بأنواع الخطوط ومختَلِف اللغات ، يقرأها اللبيب ويفهمها: ممنوع الاقتراب ولو بجملة, أو كلمة، أو همسة، أو إشارة، أو حتى خاطرة!،وأكثر ما يرعب الحكام المستبدين، ويهزّ عروشهم. أن يحدث يوماً هذا الاقتراب حين يتيقظ الشعب العراقي بأكمله من خَدَره؛ فيعي حقوقه التي كان دأب أولئك الحكام إغواءهم عنها باختلاق الأزمات، وشغلهم بأقواتهم، وترهيبهم وترغيبهم وفسادهم. فما تلبث أن تعلو الهتافات المزمجرةً، وتصدع حناجرها ثائرة: (الشعب يريد تغيير النظام). . (الشعب يريد إسقاط النظام). .باسم الدين سرقونا الحرامية).

 لماذا يريد الشعب العراقي التغيير؟، هل هي مؤامرة خارجية وعمالة داخلية ،الشعب العراقي الذي لازال جائعا وفاقدا  لحريته وكرامته ويدركها  جيدا قادة العملية السياسية وقادة الأحزاب “الإسلامية” المتخمون، حدّ المرض، أكلاً وشرباً ونهباً واستبداداً. . يدركونها وحدهم فحسب!.

إن التظاهرات التي خرجت من يوم 25 شباط 2011 ولازالت مستمرة في كل يوم جمعة. لم تكن في حقيقتها سوى ثورة ضد كذب المسؤولين وفسادهم.

كيف يكون الكذب مرفوضاً أخلاقياً وفي نفس الوقت يصبح زاد السياسيّ اليومي يعيش منه وعليه ؟ كيف نوفّق بين الكذب الذي يُذهب الثقة بين الناس ويزرع العدوات, وبين عمل “المسؤول” ، وهل كذب المسؤول السياسيّ لا يجلب النفور والاشمئزاز والعداوات؟هذه المقولة أعتقد أنها زُرعت في عقولنا بهدف تخديرها لنرضى كل أفعال السياسيين ونخضع لها ولا نناقش بها . فلا نرى ماذا يفعلون أو يخططون فتتحول الدولة إلى مزرعة شخصية وليس بيتا كبيرا للجميع يحتاجه الجميع. بيتا يحتاج  الامان والحبّ والتعاون والتفاني.

منذ 2003ولغاية الان لم نسمع  سوى “الكذب” ، بل فقدان الشفافية وكشف الحقائق حتى اصبح المواطن العراقي لايثق بكلام  “المسؤول” بل لا يثق حتى بالقرارات الصادرة من الحكومة لان بعد مدة سيكتشف ان هذه القرارات مجرد “اكذوبة”.

 الدولة شراكة بين جميع المواطنين والنظام هو الجهة المؤتمنة على التنفيذ وهو مسؤول أمام الشعب صاحب المُلكية الحصرية لمقدرات الدولة . فالسياسة هي صدق بامتياز لأن الصدق يحمي الدولة نفسها من الشبهات ويحمي المقدرات ويكشف العيوب قبل استفحالها وتضخمها.الصدق يمنع التلاعب ويوقف الهدر ويسلط الأضواء على الجميع فيكشف المقصّر ويظهر المجدّ المخلص .الصدق يدفع الجميع للاعتراف بأخطائهم والاعتذار عنها وبالتالي حدوث الإصلاح الحقيقي وقيام الدولة المؤسسة الجامعة لجميع المواطنين،وهنا نجد أن المسؤول الصادق مع نفسه وشعبه يستطيع أن يبني دولة قوية  ومجتمعا متماسكا ويستطيع أن يتبوأ وطنه مرتبة أعلى ويكون له دور فاعل أكبر وحضور مؤثر في العلاقات الدولية. والسياسة تحتاج إعداد ودراسة لا انفعال وتهور . تحتاج حسن اختيار وتدبر لكلّ ما هو أفضل والذي يصبّ في خدمة الشعب.فالنظام الأفضل والأصلح هو النظام الذي يحقق الأفضل لشعبه والذي يقوده لمراتب أعلى وأرقى.فالدول المتطورة هي الدول التي امتلكت الأنظمة الأفضل. والدول المتخلفة هي الدول التي امتلكت الأنظمة الأسوأ.إذا الأفضل هو من يحقق أفضل النتائج بشرط الصدق والشفافية  ،فهل يعي المسؤول العراقي ذلك؟.لا اعتقد ذلك لأسباب تربوية وأخلاقية وشخصية .وستظل واحدة من إشكالات المسؤول العراقي هو “الكذب”.