لماذا الفرنسيون اكثر تشددا من الاميركيين تجاه ايران ؟

لماذا الفرنسيون اكثر تشددا من الاميركيين تجاه ايران ؟

ما إن اعلنت كل من واشنطن وطهران توافقهما على المفاوضات كحل واقعي للازمة المثارة حول البرنامج النووي الايراني ، حتى انتقلت فرنسا ( وبدون مقدمات )  الى المقلب الاخر وشرعت بشن حملة تسقيط وتخويف من ايران وبرنامجها النووي وعلى نحو غير مسبوق ويتعارض تماما مع الدور الفرنسي والترويكا الاوروبية عموما طيلة عقدين حينما اتخذ الأوروبيون دور (حمامة السلام)  والتوافق بين ايران وكل من اسرائيل والولايات المتحدة تفاديا من تحول الازمة حول الملف النووي الى حرب اقليمية وهي اولوية قصوى للمصالح الاوروبية في هذه المنطقة  .
ومع تزايد معدلات التفاؤل بعد ثلاث جولات تفاوض بين طهران وواشنطن عبر الوساطة العمانية ، ازدادت معها حدة المواقف السلبية الفرنسية ، بما يوحي بان فرنسا ممتعضة من تزايد مؤشرات تراجع مستوى التوتر في هذه المنطقة وهو المأمول من نتيجة المفاوضات .
اتهام وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو لايران بانها على وشك التوصل لانتاج سلاح نووي ، اكتسب اهمية كبيرة مقارنة بالتصريحات السلبية المماثلة السابقة وذلك لأقترانه مع تاجيل الجولة الرابعة من المفاوضات الايرانية الاميركية  وما احاط التأجيل من شكوك ،وايضا تزامن مع صدور حزمة جديدة من العقوبات الاميركية استهدفت القطاع النفطي الايراني ..
وفي الحقيقة ان هذا الانقلاب الفرنسي وبالتعاون مع بريطانيا واسرائيل ، ليس مجرد حالة انفعالية من المتشددين في حكومة ماكرون ،  بل له اسبابه المتصلة بالمتغيرات في السياسة الاميركية ، عالميا واقليميا :
 • فالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يتحرك منذ سنوات لتأسيس سياسة فرنسية مستقلة في اوروبا وفي الشرق الاوسط ، ويحرص على اتخاذ مواقف تضع فاصلة بين ماهو فرنسي – اوروبي وماهو متعلق بالسياسات والمصالح الاميركية .
• ومع المتغير في سياسات الولايات المتحدة المتسمة بسمات ( الترامبية )، يعتقد الأوروبيون وفرنسا على وجه الخصوص بان زمن الرعاية المشتركة لمصالح المنظومة الغربية قد انتهى في عصر الترامبية وان واشنطن ومن الان فصاعدا تتحرك وفق مصالحها الخاصة والمنطلقة من ( انانية ) وشعبوية  الفكر الذي يؤمن به الرئيس الاميركي وبالتالي ستخسر اوروبا وفرنسا بالذات ، الكثير اذا تماشى الأوروبيون ( كما في السابق ) مع اتجاهات السياسة الاميركية .
• يشعر الفرنسيون والترويكا الاوروبية بالغبن والتهميش بعد قرار الادارة الاميركية استبعاد الاوروبيين  عن طاولة المفاوضات النووية مع ايران ، وهنا يشارك الوزير عباس عراقچي الاميركيين هذا الخطأ حينما قبل بابعاد الترويكا والوكالة الدولية للطاقة الذرية ( في المرحلة الاولى من المفاوضات على الاقل ) .
• تعتقد فرنسا ان مصالحها في المنطقة العربية ستظل مهددة طالما :
– غيبت عن الملفات الاستراتيجية ومنها الملف الايراني بشقيه الامني والنووي .
– استمرار التوافق بين واشنطن وموسكو في هذا الجزء من العالم .
– الاضرار الفرنسية المحتملة من تطبيع الاقتصادات في الشرق الاوسط مع الصين وروسيا وذلك في وقت تخطط الولايات المتحدة المضي في سحب نفوذها المباشر من هذه المنطقة .
ان الانقلاب الفرنسي هذا ، قد لايجد تأثيره على مسار المفاوضات الايرانية الاميركية في ظل تسريبات عن توصل الطرفين الى الهيكل العام للاتفاق ، بعد ابعاد مايك والتز مستشار الامن القومي والذي كان ( صهيونيا ) اكثر من  بن غوريون، غير ان خطورة الموقف الفرنسي تتأتى من تلاقحه وتلاقيه مع الموقف الاسرائيلي الرافض لمبدأ التفاوض مع ايران .
وصحيح ان الرئيس ترامب صرح اكثر من مرة بانه ليس بمقدور بنيامين نتنياهو جره الى حرب مع ايران ، إلا ان التأثير الفرنسي على اوروبا من شأنه ان يعرقل حراك الولايات المتحدة نحو انهاء الحرب الروسية الاوكرانية  وكذلك قضية الرسوم والتجارة عبر الاطلسي،وهنا سيتأثر الموقف الاميركي وبالتالي دفعه نحو اعادة النظر في الموقف تجاه ايران .
واستباقا لاية تأثيرات من الجانب الاوروبي ، كثفت الديبلوماسية الايرانية من تحركاتها واتصالاتها مع العواصم الاوربية الغربية ومع الاطراف المؤثرة لاحتواء الانزعاج الاوروبي قبل ان يتحول الى غضب  تغذيه اللوبيات الصهيونية  التي بدورها تراهن على احياء ( حنين ) الغرب الاوروبي نحو  الطرب لتجديد الحديث حول دراميات اضطهاد اليهود واساطيرها ..