23 ديسمبر، 2024 10:34 ص

لماذا الفرح ليس مهنتنا؟

لماذا الفرح ليس مهنتنا؟

ربما لانهم ادمنوا الحزن السرمدي فإن ما أثار إنتباه العراقيين من أبسط مثقف و”أتعس” سياسي صدفوي الى أخطر أمي وخالتي وعمي هو الأمان والإستقرار الذي ننال قسطأ مريحأ منه منذ أن وضعت حرب الإنتخابات أوزارها الى لحظة كتابة هذه السطور. السيد نيكولاي ميلادينوف ممثل الأمم المتحدة في العراق هو الوحيد الذي تنبه الى قضيتين ربما ليستا مترابطتين لكنهما لم يغادرا  منظومته الفكرية وربما القيمية. الاولى تقريره الشهري عن أحداث العنف ومستوى الضحايا خلال شهر بين شهيد وجريح ومعاق ومخرب نفسيأ والثانية تهنئته للروائ العراقي أحمد سعداوي صاحب رواية “فرانكشتاين في بغداد” التي فازت ببوكر العربية في إنجاز وطني لافت. هذا الإنجاز الوطني لم يلفت نظر السيد رئيس الوزراء ولا السيد رئيس البرلمان. هل نظلم أنفسنا ونظلم الحقيقة التي هي أعز من إفلاطون كما يقول تلميذه النجيب أرسطو عندما نقول أن ميلادينوف يتنبه لقضايانا الوطنية بكل مستوياتها حزينة كانت مثل حصيلة الضحايا الشهرية أو مفرحة مثل نيل أحد مواطنينا جائزة عالمية؟ حقيقة لا أملك الجواب الشافي. لكني أملك الدليل الكافي الوافي على عدم تحقيق أي تقدم يذكر على أي صعيد إجتماعي أو نفسي أو قيمي منذ “نغزات” الراحل علي الوردي الذي فكك منظومة قيمنا منذ اكثر من نصف قرن. والغريب إنه منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم حصلت متغيرات لافتة في المجتمع العراقي لكنها جاءت مخالفة ليس لقناعات الوردي ومن شاطره رؤاه بل ضربت في الصميم أية إمكانية لترميم واقع الحال والإنطلاق الى عالم جديد يمكن أن يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تسود فيها قيم العدالة الإجتماعية ويكون فيها المواطنين متساوون أمام القانون الذي يستند الى عقد إجتماعي يتمثل في دستور يشكل مرجعية حقيقية. ما تحقق إننا بعد سلسلة الثورات والإنقلابات منذ 14 تموز عام 1958 وحتى عام 2003 وما تلاه إنتقلنا من إستبداد الدولة الشمولية الى إستبداد الدولة الدينية الهجينة. وبالمقارنة مع ماكان سائدأ أيام الوردي على كل المستويات حتى على صعيد الحداثة والتي تمثلت في ريادة العراق للشعر العربي والفن التشكيلي والمسرح والنحت فضلا عن قضايا كثيرة حتى على مستوى الحياة المدنية داخل المدن مقارنة بالريف قبل ان يبدا الزحف المقدس من الارياف الى المدن فتريفت المدينة ولم يتمدن الريف . اقول برغم ذلك فإن المنظومة القيمية الأساسية لم يحصل لها او عليها أي تغيير حيث بقيت مثلما هي الا بالمعايير النسبية. نظرية “شعلية” و”يمعود ماكو فايدة” و”اللي ياخذ امي يصير عمي” هي السائدة والمتداولة منذ “كهوة عزاوي” اربعينيات القرن الماضي وحتى عالم  الفيسبوك اليوم. طوال كل هذه العقود العجاف لم يلفت نظر العراقيين سوى لماذا “يطق” حضيري ابو عزيز “اصبعتين” في اغانيه؟ ولماذا لم تفارق المسبحة يد داخل حسن وهو يخاطب سورية حسين “لو رايد عشرتي وياك حجي الجذب لاتطريه”؟. ولماذا الحزن يمتد من اعماق الاهوار حتى اعالي الفرات حيث النواعير.. بل حتى النواعير تعزف الحانا حزينة مثل .. “يامجفن السلمان احا جفنه بهباري” و”خايف على سلمان احا ومن الضواري”.