23 ديسمبر، 2024 9:44 ص

لماذا العودة لنقد الرئيس ” عبد الرحمن عارف ” .!؟

لماذا العودة لنقد الرئيس ” عبد الرحمن عارف ” .!؟

في الآونةِ الأخيرة , وجّهَ بعض الأعلاميين ” والبعض منهم اصدقائي ” نقداً موضوعياً الى بعض القادة العسكريين العاملين في بعض المناطق والجَبَهات الساخنة التي تشهد معاركاً مشتعلة مع تنظيم داعش , حيث كان بعض هؤلاء القادة قد صرّحوا لوسائل الإعلام < دونما مبرّرٍ ولا دواعٍ > بأنّ تعزيزاتٍ عسكرية يبلغ تعدادها ” ما حدّدوه بالعدد ” ستصل الى ” ارض المعركة ” المشار اليها خلال ساعاتٍ او يومٍ وما الى ذلك , ممّا جعل القيادة العسكرية لتنظيم داعش على انتباهٍ مسبق لتطورات المعركة والى معرفة الطريق الذي ستسلكه هذه التعزيزات العسكرية , والأكثر والأخطر من ذلك هو تمكين ” داعش ” من نصبِ كمائنٍ للقوات القادمة والتهيؤ لأستهدافها وقصفها قبل وصولها ” وهي في حالة حركة ” وقبل تمركزها  وإتّخاذها مواقعاً ثابته عند وصولها وقيامها  بتحصيناتها الدفاعية قبل الهجوم .. وكلّ هذا يشكّل مفارقةً أمنيّةً بارزة .! ينتبهُ اليها رجالُ إعلامٍ مدنييّن ويغفلها قادةٌ عسكريين .!! وإذ أُؤيدُ بالكاملِ والمطلق لما وجّهوه اصدقائي الأعلاميين من نبال النقد لهذا الخطأ الستراتيجي العسكري , فأنيّ اتحفّظ على ما قارنوه الزملاء الأعلاميون بما حدث قبل 37 عاماً .! حين اندلعت حرب الخامس من حزيران والتي سُمّيَت بحرب الأيام الستة في سنة 1967 حيث شرعَ الرئيس الراحل الفريق عبد الرحمن عارف بأرسال وحدات عسكرية عراقية للمشاركة في الدفاع عن الأردن وقام بتوديع تلك الوحدات بشكلٍ رسميّ أمام وسائل الإعلام والتلفزيون , حيث تسبّب ذلك التوديع العلني بأنتقاداتٍ جمّة من قِبل العديد من الضباط والقادة العسكريين بحجّةِ او ذريعة أنّ ذلك سيُعرّض هذه القوة المرسلة الى انكشافِ أمرها أمام اسرائيل وبالتالي سيعرّضها لخطر قصفها بالطيران الأسرائيلي وهي في طريقها الى الأردن , وقد تبدو تلك الأنتقادات مقبولة من الناحية الشكلية .!! لكنّ الواقعَ هو غير ذلك .! فعدا أنّ تلك الحرب كانت مرتقبة ومُتوقّعة ” وكان الرئيس الراحل عبد الناصر قد خمّنَ موعد اندلاعها قبل 72 ساعة من وقوعها ” فهنالك اسباب اخريات تفنّد تلكُنَّ الأنتقادات الموجّهة للرئيس عارف حول توديعه الرسمي للقَطَعات العراقيةِ تلك , فأوّلاً : إنّ وزارة الخارجية العراقية آنذاك اعلنت في بيانٍ رسمي ومنذ الساعات الأولى لنشوب الحرب أنّ العراق يعتبر نفسه في حالةِ حربٍ مع اسرائيل , وبذلك فأنّ ارسال وحدات عسكرية عراقية للأردن كان متوقعاً للأسرائيليين , ثمّ ثانياً : فأنّ طائراتٍ مقاتلة عراقية كانت قد شرعت بتنفيذ ضربات وغارات جوية على عدد من القواعد الجوية الأسرائيلية قبل وصول القوة العسكرية العراقية الى الأردن . ثالثاً : كان رئيس الوزراء العراقي آنذاك ” الفريق طاهر يحيى ” في زيارةٍ الى القاهرة قبل اندلاع الحرب بيومين ويرافقه وفد عسكري رفيع المستوى وعدد من الوزراء < فماذا كان يعني ذلك للقيادة الأسرائيلية .؟ اليسَ تنسيقاً عسكرياً استباقياً مع مصر .! > . النقطةُ الرابعة هي التي تختزل عدم موضوعية الأنتقادات التي وجّهها بعض القادة العسكريين آنذاك للرئيس عارف ” في احاديثهم الخاصة ” , إذ ينبغي ويتوجّب الإقرار بأنّ الأفُق العسكري العراقي كان ضيّقاً آنذاك في مجالَي التكنولوجيا والأستخبارات , فالأدارة الأمريكية برئاسة ” ليندون جونسون ” قد لعبت دوراً فاعلاً في تلك الحرب في مساندة اسرائيل , ولمْ يكن صعباً على طائرات الأستطلاع الأمريكية ” يو 2 ” ان تكشف تحرّك القوات العراقية المتجهة الى الأردن على الطريق البرّي الدولي الممتد من بغداد الى الحدود الأردنية سواءً كان هنالك توديعٌ رسميٌّ لها او لم يكن , مع العلم أنّ تلك الطائرات كانت تُحلّق فوق ” الكرملين ” لمدة 5 سنوات لأستراق الأحاديث داخل القصر الرئاسي السوفيتي هذا حتى اسقطتها الصواريخ السوفيتية بعد تلك السنوات . كما أنّ هنالك جالية غير قليلة من اليهود العراقيين تتوزّع في عدة محافظات عراقية وبأمكان العملاء المجنّدين منهم مشاهدة الأرتال العسكرية العراقية وهي تقطع الطريق البرّي الممتد من بغداد الى الحدود الأردنية والذي يمرّ بعدةِ مدنٍ واقضية داخل الأراضي العراقية < وتجدر الأشارة هنا الى أنّ شبكتَي تجسّس من اليهود والعملاء العراقيين قد تمّ كشفها وبمساعدة من السوفيت بعد سنتين من تلك الحرب وتمّ إعدامهم > , فلماذا كلّ هذا الأستخفاف بقُدُرات المخابرات الأسرائيلية والتي تساندها اجهزة مخابراتٍ غربيةٍ اخرى .!؟ ومرّةً اخرى نقول : هل كان يستعصي على اسرائيل معرفة وكشف وحدات عسكرية عراقية متّجهة الى الأردن لو لمْ يكن توديعٌ رسميٌّ لها .!؟
    بعد حربِ عام 1967 , وبعد مرور سنةٍ عليها كان قد اُطيح بنظام حكم الرئيس عبد الرحمن عارف , وقد استغلّ البعض ولربما الكثيرون كلا < موقف توديع الرئيس عارف العلني للقوة العراقية التي ذهبت الى الأردن , وكذلك طيبة هذا الرئيس وما يتمتّع به من انفتاح فكريّ انعكس على الأنفتاح السياسي الذي شهده العراق في عهده فأتّهموه بالضعف .!! وهنا أنقلُ بأمانةٍ ما علمته من زميلي الكاتب الصحفي ” عبد الستار البيضاني ” بأنه سبق له واجرى حواراً صحفيا في ثمانينات القرن الماضي مع القائد العسكري العراقي العريق الفريق الأوّل ” سعيد حمّو ” , وكان من ضمن اسئلته عن افضل عقلية عسكرية عراقية من بين ضباط الجيش العراقي في تأريخ حياته العسكرية , فأجاب انه سبق وكان قائد فرقة عسكرية حين كان عبد الرحمن عرف رئيساً لأركان الجيش بالوكالة , واضاف انه لم يرَ افضل وأكفأ من عارف في معلوماته وذهنيته العسكرية لكنه لم يراه جريئاً بما فيه الكفاية , واضاف زميلي أنّ مجلة ” الف باء ” رفضت نشر ذلك الحوار < واظنّ أنّ سبب الرفض يعود لأسبابٍ دعائية للرئيس عارف > …
   ثمّ , ولكي لا نظلم حقائق التأريخ , وعلى الرغمِ من الأفق العسكري الضيّق لبعض الضباط تقنيّاً ومخابراتياً , فأنّ القيادة العسكرية العراقية كانت ايضا متيقّظه في تلك الحرب , ففي اليوم الأخير للمعركة مع اسرائيل , إخترقت طائرتان اسرائيليتان من نوع ميراج الأجواء العراقية , إنما بعد دقيقةٍ واحدة تصدّت لها مقاتلتان عراقيتان من نوع ميغ 21 ودخلت معهما في معركةٍ جوية واسقطتهما , وتمّ أسر طياريها وعرضهم على شاشة التلفزيون العراقي , وفي استرسالٍ موجزٍ اكثر , فسبق وعلمتُ من بعض اصدقائي الطيارين أنّ قائد القوة الجوية في تلك الفترة قد أمرَ بجلبِ وجبات طعام الطيارَين الأسيرين من أحد مطاعم الدرجة الأولى في بغداد , وليس من من بهو مطعم الضباط الطيارين العراقيين , لكي يُثبِت كيفية معاملة العراق للأسرى. *[email protected]