طالعتنا الاخبار عبر القنوات الفضائية بان مؤشر الديمقراطية العالمي الذي تعده مؤسسة (ذا ايكنوميست) ومقرها في بريطانيا، قد صنف العراق ضمن الدول الموصوفة بالاستبدادية وانه تراجع عن تصنيفه في الأعوام السابقة التي كان يصنف فيها بانه من الدولة الموصوفة بالديمقراطية الهجينة، وعند الرجوع الى الأسس التي اعتمدها التقرير أعلاه، لوحظ انه يعتمد على عدة نقاط رئيسية تتعلق بالعملية الانتخابية ونزاهتها ومدى نسبية تمثيلها للشعب، وكذلك مدى توفر المواطن على حرية التعبير عن الرأي، وضمانات المحاكمة العادلة، والمجموعة التي تندرج ضمن وصف الدول الاستبدادية بمعنى انها قد فقدت تلك المقومات للديمقراطية في أي بلد.
وهذا المؤشر دون الالتفات الى الجهات التي كتبته واعدته والجهات التي زودتها بالمعلومات هل هي جهات تؤمن بالعراق الجديد ام انها جهات ضد العراق الجديد وتسعى لأسقاط النظام الديمقراطي الذي رسمه الدستور، فهذا المؤشر هو جرس انذار للدولة العراقية، وتنبيه لها للمراجعة والتدقيق في ماورد هذا التقرير، من عدة نواحي منها :
فاذا تحققت الدولة العراقية بكل مفاصلها ومؤسساتها الدستورية من المعلومات التي اعتمدت في التقرير واتضح انها غير صحيح فعليها ان توضح للرأي العام العراقي والعالمي عن ردها المعزز بالأدلة التي تؤكد عدم صحة تلك المعلومات، وتقدم ما يثبت بانها وفرت انتخابات نزيهة، وضمنت حرية التعبير عن الرأي، وضمانات كافية للمحاكمات العادلة،
مع الالتفات الى ان ادراج العراق ضمن الدول ذات الأنظمة الاستبدادية، فيه تجريح وطعن لكل مؤسساتنا الدستورية، لان الواجب والمفروض ان تعمل على وفق المبادئ الدستورية الأساسية، ومنها ان النظام ديمقراطي تعددي ، وان السلطة تتداول سلمياً ولا يوجد احتكار لاي سلطة من السلطات التي يتكون منها النظام الديمقراطي والتي اشارت اليها المادة (47) من الدستور والتي جاء فيها ( تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات)
والاهم من هذا كله هو معالجة تلك المؤشرات، وإعادة الثقة للرأي العام الداخلي والخارجي بان النظام في العراق ديمقراطي وليس استبدادي، وان أساس الديمقراطية توفرت له وسائل الحماية الدستورية ومنها القضاء وهو محور قيام أي نظام دستوري ديمقراطي،
لان معنى ان الدولة استبدادية يفيد بان مؤسساتهاالدستورية غير فعالة في ضمان وجود نظام حكم ديمقراطي، وعدم القدرة على حماية المواطن من تغول السلطة تجاه حقه في حرية التعبير عن الرأي، وان السياسة المنهجية المعتمدة هي تكميم الافواه، والتعذيب
لذلك أرى من الواجب ان نقف عند هذا التقرير وان نمازج بينه وبين ما تقوم به بعض السلطات الدستورية ومنها على سبيل المثال السلطة التشريعية عندما شرعت فقرة في قانون العفو العام، اقرت بموجبها وجود انتهاك لحقوق الانسان، عندما اعتبرت بعض الاحكام القضائية قد صدرت بناء على اعتراف تحت التعذيب والاكراه، حيث ورد في قانون تعديل قانون العفو العام نص يمنح المحكومين حق طلب تدقيق الاحكام القضائية التي صدقتها محكمة التمييز الاتحادية وبعضها تم تصديقها من الهيئة العامة لمحكمة التمييز بمجموع قضاتها، وتتعلق بعقوبة الإعدام، وتكرر هذا النص في ثلاث قوانين للعفو العام، ومن قراءة هذه النصوص المتكررة في ثلاث قوانين للعفو العام وفي فترة زمنية لا تتعدى سبع سنوات، نجد ان سبب تشريع تلك القوانين ووجود هذه النصوص واحد، يتمثل بزعم صدور قرارات واحكام قضائية ضد بعض المدانين بدون وجه حق، لان مجرد النظر في تلك الاحكام مجددا على الرغم من اكتسابها الدرجة القطعية، يمثل تشكيك في مدى صحتها من حيث الأسباب والادلة التي استندت اليها المحاكم عند إصدارها قرارات الإدانة وفرض العقوبة، وقد تصل بعضها الى عقوبة الإعدام، والتي تعد من اقسى العقوبات البدنية، لان فيها انهاء الحياة التي وهبها الله عز وجل،
مع التنويه الى ان تلك الاحكام لم تصدر من محاكم عرفية او محاكم الطرقات (المحاكم الثورية) مثلما يحصل في بعض البلدان، وانما مرت بسلسلة غير قصيرة من الإجراءات التحقيقية في محكمة التحقيق ومن ثم محكمة الموضوع (الجنايات) وبعد ذلك محكمة التمييز الاتحادية، وعند احتساب عدد القضاة الذين نظروا الدعوى الواحدة وخصوصاً احكام الإعدام، فان عددهم لا يقل عن خمسة وعشرين قاضياَ، واغلبهم من قضاة الصنف الأول بما فيهم القضاة الذين يشغلون المنصب الأعلى في الهرم القضائي محكمة التمييز، فضلا عن عدد من القضاة المراقبين لعمل تلك المحاكم الممثل بقضاة الادعاء العام ويصل عددهم في احكام الإعدام الى اكثر من عشرة قضاة وفيهم من قضاة الصنف الأول وأصحاب الخبرة والتجربة الطويلة، وهذه مؤسسات قضائية دستورية، ولربما تعتمد تلك النصوص على ان معيار المحاكمة العادلة غير متوفر وهو من اساسيات الأنظمة الديمقراطية
ومما تقدم فان وجود هذا المؤشر والتصنيف الذي وضع فيه العراق بانه دولة استبدادية لابد من التصدي له اما بتكذيبه والرد عليه بالحقائق، او دراسة الأسباب ومعالجتها، من خلال الشفافية والمكاشفة مع الشعب وبيان الموضع الذي يؤدي الى هذه الخروق الدستورية، وتصحيح الموقف من اجل استعادة التوصيف الذي يليق بالعراق مهد الحضارة.