اصرار الدكتور اياد علاوي على المطالبة ب ” الدولة المدنية ” واعتبارها جوهر مشروعه السياسي ، يبدو أمرا غريبا !!! ذلك ان المدنية السياسية وما تتضمنه من مفاهيم المواطنة من عدل ومساواة وسيادة القانون او مايشار له ب “دولة المواطنة ” هي سمة العصر وأحد ابرز مسلمات نظمه الديمقراطية ، وانما تتفاوت الدول فقط في مقدار ماقطعته في هذا المضمار ، الذي دشنه العالم قبل قيام الجمهوريتين الامريكية والفرنسية نهاية القرن الثامن عشر ، ووصل به مجاهل افريقيا وجمهوريات الموز الامريكية ، فهل تعني دعوات علاوي وحزبه وائتلافه لإقامة دولة المواطنة المدنية ان العراق يتخلف عن ركب العالم كل هذه المسافة الشاسعة المثيرة للاستغراب ؟ .
اسقط الاحتلال الامريكي للعراق العام ٢٠٠٣ السلطة والدولة معا ، وفيما عجز عن اعادة بناء الدولة بعد تفكيك مؤسساتها السيادية ، اقام سلطة طائفية هشة مبنية على المحاصصة ،فشلت اطرافها في الاتفاق على هوية الدولة الجديدة . تسببت هذه الاوضاع في تآكل ماتبقى من سيادة الدولة المتهالكة ففقدت السيادة على اجزاء من اقليمها امام حكومة كردستان النازعة نحو الانفصال والمحافظات الطامحة بتشكيل الاقاليم خارج الظروف الموضوعية ، او لصالح داعش ، وحزب pkk التركي ، عدا الاراضي التي تحتلها القوات التركية ، او الاراضي والمياه الاقليمية والموارد النفطية محل النزاع والتي تستحوذ عليها ايران والكويت ، اضافة الى نزع سلطة الدولة بواسطة الميليشيات المسلحة ، وخسارتها التحكم بمواردها ، وضبط حدودها ، ورسم سياستها الخارجية أو منع تدخل الجماعات والدول في شؤونها السيادية .
ان تمام عضوية العراق في الامم المتحدة والمنظمات الدولية والاقليمية واعتراف القانون الدولي بالعراق كدولة مستقلة ذات سيادة على كامل اقليمها لايلغي الحقائق المرة من ثلم لوحدة العراق وانتهاك لسيادته وعرقلة لاعادة تشكيل هويته كإقليم سياسي واحد ومستقل ذي سيادة وفق تعريف الدولة المعاصرة.
ان حديث علاوي عن سلطة اكثر منها دولة في العراق لايحمل مغالطة لتعقيد المشهد بل هو تشخيص للواقع كي تأتي الحلول موضوعية ومنسجمة ، وطبقا لرؤية علاوي فإن بناء الدولة ( المغيبة او المتداعية ) ، وتأكيد مدنيتها ، ليستا خطوتين منفصلتين بل خطوة واحدة ، رغم تشابك العاملين الداخلي ( طبيعة النظام السياسي الطائفي ومخرجاته ) والعامل الخارجي ( الوضع الاقليمي والدولي وتداعياته ) ، وتتمثل في تمكين العراقيين بمختلف اطيافهم من اعادة تشكيل هوية دولتهم وفق ارادة حرة وبعيدا عن ضغوط السياسات الطائفية ، فهناك ايمان عميق مدعوم بشواهد تاريخية حية من التعايش العراقي يؤكد خيار العراقيين الراسخ في ريادة الوحدة والسلام المجتمعي ، وان تهديد هذا الخيار جاء في كل المرات بارادات سياسية منحرفة خارج الاجماع الشعبي .ان انتخابات حرة ونزيهة تنهي انحرافات العملية السياسية وتعدل مساراتها لمغادرة النفق الطائفي المظلم وانتاج حكومة وبرلمان فاعلين وأكثر تمثيلا تجسد الامتحان الاهم للعراقيين للحفاظ على وحدة بلادهم واستقلالها وسيادة قرارها الوطني ، والشروع بتسويات تاريخية شجاعة لتحقيق المصالحة الوطنية ، واعادة النازحين وتعويضهم وتطبيع الاوضاع في مناطقهم ، وبناء المؤسسات الناجزة ، وصياغة سياسية خارجية على معايير المصالح الوطنية واحترام القانون الدولي والاندماج في العالم الحر ، وهي اهم سمات دولة المواطنة المدنية في مشروع اياد علاوي السياسي .